العسل الإيراني الممزوج بالسم

ارتاح العراقيون بفضل إيران من العمل. لا زراعة ولا صناعة ولا تعليم ورعاية صحية داخل البلد وتفرغوا لأحوال العبادة المستحدثة وطقوسها.

من حق إيران أن تذكر العراقيين أن لها يعود الفضل في ما هم فيه الآن من نعيم وسعادة وحبور.

كل هذا الغنى. كل هذه الرفاهية. كل هذا الترف ما كان ممكنا لولا ما قدمته الجارة متطوعة من غير أن يقابلها العراقيون كرما بكرم.

لولا إيران لكانت الدولة الإسلامية في العراق والشام عضوا في الجمعية العامة للأمم المتحدة وقد تترأس لجنة حقوق الإنسان.

من غير الحماية الإيرانية ما كان في إمكان نوري المالكي أن يشن أكبر عملية نزاهة في التاريخ لتطهير البلاد والمجتمع من الفاسدين.

لقد نظفت الميليشيات الإيرانية العراق من كل العقول التي كانت تضمر أفكارا مريبة، كان من شأنها لو أخذت طريقها إلى الواقع العملي أن تنحرف بالعراق عن قدره التاريخي باعتباره مقبرة طاهرة للأئمة والأولياء الذين خصتهم الحكومة العراقية بنصف سنة من العطلات كل سنة.

وهكذا ارتاح العراقيون من العمل. لا زراعة ولا صناعة ولا تعليم ورعاية صحية داخل البلد وتفرغوا لأحوال العبادة المستحدثة وطقوسها. ينتقلون من مرقد إلى آخر وعيونهم على شاشات تلفوناتهم التي صارت مصدرهم في متابعة ما تبثه فضائيات التسلية.

العراق اليوم بفضل الجارة إيران بلد مكتف بنفسه. له في العالم سفارات أكثر من سفارات الولايات المتحدة والصين مجمعتين غير أنها سفارات لا تعمل إلا في خدمة منتسبيها وضيوفهم من أقربائهم. فليس هناك من شيء يربط بين العراق والعالم الخارجي سوى الاستيراد القائم على أسس ايمانية.

لقد حدث ذات مرة أن بعثت وزارة التجارة العراقية لجنة يترأسها رجل دين معمم إلى البرازيل واقامت هناك أسبوعين من أجل التأكد من أن الدجاج الذي تصدره البرازيل إلى العراق مذبوح على الطريقة الإسلامية.

قبل أن يكون لإيران وجود في العراق كان العراقيون مطمئنين إلى إسلامية الذبح البرازيلي. وكان ذلك الاطمئنان خطأً تاريخيا تم تصحيحه إثر ما شهده العراق بعد احتلاله من ثورات تصحيحية قادها رجال الدين، أشاعوا من خلالها حكايات خيالية، لا نصيب للواقع فيها.

عبر أكثر من أثني عشر عاما والعراقيون يسبحون في مياه بركة آسنة   تضربهم فيها الحكايات التي تمزج في آخرتهم اللبن بالعسل بالخمر لتلقي بهم بعد ذلك في حقول شاسعة من الثمار التي حُرموا في الدنيا من زراعتها.

لقد كُتب على العراقيين أن يعودوا إلى الثقافة السمعية وهو أمر مريح ما كان يحدث لولا الهيمنة الإيرانية.

"ألف ليلة وليلة" جديدة لكن بصيغة دينية هذه المرة.      

لقد انتشرت مفردات ثقافة الموت بين العراقيين وكان لكل مفردة مروياتها التي صارت بمثابة ألغاز يتداولها السادة المحظوظون بنسبهم المقدس. استعاد أصحاب العمائم السوداء مكانتهم التي فقدوها يوم غرر العلم والتمدن والتحضر بالعراقيين وأنساهم واجبهم إزاء سلف الصالحين الذين قُدر لهم أن يتمتعوا بأموال الخمس.

فضل من إيران أنها أغرقت العراق بسيل لا يتوقف من المخدرات. وهو ما يستقيم مع ثقافة المرويات الدينية التي لا يقبلها إلا عقل مهدم.

العراق اليوم بلد غني بخرافاته. مترف بجهل أثريائه. رفاهيته لا يمكن لعين أن تخطئها. فبرغم المزابل التي تحيط بهم فإن العراقيين يستعملون آخر مبتكرات أبل من الآيفون. برغم انقطاع التيار الكهربائي فإن الأسواق تعج بأجهزة التكييف. برغم الفساد الذي صار تمرينا سياسيا حيا فإن هناك مَن يخرج منددا به في حدود ما يسمح به القانون. وهي حدود غير متفق عليها، ذلك لأن القانون في العراق يخضع لمزاج السياسيين.  

القضاء الذي برأ سليم الجبوري رئيس مجلس النواب من تهم الفساد في ربع ساعة هو بدعة إيرانية، ساعدت العراقيين على الانتصار على الزمن من خلال اختزاله.

من حق إيران أن تذكر العراقيين بفضلها عليهم. فهي من خلال تدخلها في شؤونهم سلمتهم إلى الفقر والحرمان والجوع والعطش والجهل والقمع والعزل والاضطهاد والبطالة والنزوح والتهجير.

الإيرانيون خبثاء حين يتحدثون عن فضلهم على العراقيين. فهم لا يقصدون سوى الطبقة السياسية التي تمتعت بحمايتهم. غير أنهم يسعون من خلال التذكير بأفضالهم إلى أن يدفع كل العراقيين ثمن تلك الحماية.