'العناكب' تهجر السراديب الفرعونية لتحبك قصة مثيرة

رواية ديارسي إدريان فلنس تدور حول عناكب سوداء قاتلة خرجت من منطقة أثرية في مصر عمرها ثلاثة آلاف سنة بعدما أغار عليها بعض لصوص الآثار.

"العناكب" The Spiders، رواية إنكليزية قصيرة، تأليف ديارسي إدريان فلنس، وتدور حول العناكب السوداء القاتلة ذات الخطين الأصفرين المرسومين على ظهرها. وقد خرجت هذه العناكب من سرداب فرعوني عمره ثلاثة آلاف سنة، ولكن اكتشف حديثًا، فاتجه إليه بعض لصوص الآثار لسرقة محتوياته، وما به من ذهب ومومياوات مصرية قديمة بأقنعتها الذهبية، ونقوش وصور ملونة، إثر إعلان علماء الآثار عن هذا الاكتشاف الكبير بالصحراء المتاخمة لمدينة الحوامدية في صعيد مصر.

ولكن تهاجم العناكب القاتلة، وعلى الأخص أنثى العنكبوت، هؤلاء اللصوص الذين دخلوا السرداب بآلاتهم ومعداتهم الحديثة، وفتشوا في حجراته الموجودة تحت الأرض، ولكنهم يفاجأون بنسيج هائل من خيوط العنكبوت تتدلى من السقف. وقبل أن يستطيعوا نقل محتويات الغرف والسرداب تلدغهم العناكب القاتلة الهائجة ـ التي لا تزال على قيد الحياة ـ فيفرون جميعا بصناديقهم إلى الصحراء المصرية، وتفر معهم بعض العناكب، ويلقون حتفهم جميعا بسبب لدغاتها المميتة، أما العناكب السوداء فقد أخذت طريقها إلى المدينة، فماتت العناكب الصغيرة في الطريق، وظلت الأنثى الكبيرة (الأم) على قيد الحياة.

ومن هنا تبدأ الرواية في التصاعد والإثارة والمتعة والدهشة، والدخول في عوالم جديدة، هي عوالم الإنترنت والبريد الإلكتروني، والوصفات العلمية والطبية للسموم ومضاداتها، وتبدأ الشخصيات الأساسية في الظهور في فضاء الرواية، فقد ذهبت أنثى العنكبوت إلى بيت أيمن حسن، ذلك الشاب الجامعي الشجاع المغامر الذي يستخدم شبكة الإنترنت في دراسته الجامعية، وفي تأسيس صداقات في بلدان أخرى، وكان بيته يجاور قسم الشرطة الذي نُقلت إليه الصناديق المسروقة التي اكتشفها البوليس في الصحراء، ومن أحد هذه الصناديق تهرب أنثى العنكبوت الخطرة إلى بيت أيمن حسن.

وقد شاهد أيمن العنكبوت الأسود ذا الخطين الأصفرين، وهو يختبئ في حديقة منزله، فاندهش لسرعته وحجمه، ولم يكن يعلم مدى خطورته، وأن لدغة واحدة منه تكفي لموت صاحبها في الحال.

أراد أيمن أن يجمع معلومات عن هذا العنكبوت الذي لم ير مثله من قبل، من خلال شبكة الإنترنت، فبدأت تظهر له على صفحات الشبكة أشكال وأحجام مختلفة من العناكب، لم ير فيها ما شاهده في العنكبوت المختبئ في حديقة منزله. ومع مزيد من البحث ظهرت له صفحة بها معلومات بدون صور، وغير مؤكدة، وضعتها على الشبكة الدكتورة شيرين فخري التي تعمل بقسم المصريات بجامعة أكسفورد، فأرسل لها أيمن بريدًا إلكترونيًّا، وتبدأ رحلة الرسائل الإلكترونية بينهما، وتعرض الأمر على أصدقائها من العلماء، وتفاجأ بأن أحد علماء الآثار في مصر، يرد عليها بصورة لعنكبوت مميت في مصر القديمة، وجدها في مقبرة فرعونية، وهي الصورة نفسها التي تحدث عنها أيمن في وصفه برسالته الأولى.

ثم تتلقى بريدًا إلكترونيًّا من عالم مصريات ألماني يخبرها عن نص العنكبوت نفسه والدواء الناجع الذي من الممكن أن يُشفي من لدغته، وهو مصنوع من جذور نبات إيكانيسيا نيجرا الموجود في صحراء سيناء.

وتبدأ جولة د. شيرين فخري للتعرف على حقيقة الأمر، في حين أن أنثى العنكبوت تجد لها مكانًا آمنًا في البيت المهجور المجاور لمنزل أيمن حسن، تستطيع أن تضع فيه بأمان بيضها الذي يصل عدده إلى أكثر من ألفي بيضة.

أخذت شيرين تشرح القصة للعالِم الدكتور مالكم جونس رئيس قسم الحيوان بجامعة أكسفورد، والمتخصص في العنكبوتيات، فاهتم بأمر العنكبوت الذي رآه أيمن، لعدة أسباب من بينها إنقاذ سكان المنطقة من لدغاته المميتة، ولدغات صغاره، وأنه سيُسجل له فضل اكتشاف هذا العنكبوت غير المعروف في الوسط العلمي، وغير المسجل في قواعد البيانات، إلا عن طريق بعض الفقرات غير المفيدة. لذا يقرر البروفيسور جونس السفر إلى مصر.

يذهب البروفيسور بخياله إلى أبعد نقطة، عندما يفكر في انتشار مثل هذه العناكب المميتة في مصر كلها، ثم في القارات الثلاث التي تقع مصر في وسطها: أفريقيا وآسيا وأوربا.

إذن فإن اكتشاف مثل هذا العنكبوت قبل أن يتكاثر على النحو العلمي الذي قدَّره البروفيسور، يعد خدمة جليلة للبشرية.

وفي مصر يقوم أيمن حسن بإبلاغ قسم الشرطة، بعد معارضة من أفراد أسرته الذين لم يروا العنكبوت، ولا يعرفون مدى خطورته، ولا يريدون أن يضخم أيمن المسألة على نحو تضر بالسياحة والاقتصاد في الحوامدية، حيث سيفرُّ منها الناس والسكان. وإلى الحوامدية يصل البروفيسور جونس ويقابل أيمن، ويذهب معه إلى قسم الشرطة المجاور لمنزله.

وتبدأ رحلة أخرى من البحث. وتكلف الشرطة الدكتورة وفاء سلطان، بالبحث عن نبات إيكانيسيا نيجرا بصحراء سيناء. وبعد عدة مغامرات في سيناء نتيجة هطول الأمطار الشديدة، وامتلاء الأودية بالماء البني، ومساعدة رجال الشرطة هناك لوفاء سلطان، تتمكن من العودة بجذور ذلك النبات التي تُشفي من يصاب بلدغات العنكبوت الفرعوني الأسود ذي الخطين الصفراوين.

ويتمكن الجميع من التعاون، لإنقاذ أيمن الذي أصيب بلدغة العنكبوت أثناء البحث، خاصة أن بيضها قد فقس وظهر إلى الوجود حوالي ألفي عنكبوت صغير خلال الأسابيع التي تدور فيها أحداث تلك الرواية الشيقة.

ليس أيمن حسن الذي تم إنقاذه فحسب، ولكن أهالي المنطقة كلها، حيث تم التوصل إلى أنثى العنكبوت الأم، التي أسقطها أيمن بعد خروجه من المستشفى، في العلبة المعدنية للكاميرا التي أهداه إياها البروفيسور مالكوم جونس. فقد كانت الأنثى واقفة على الحائط، بجوار رأس أخته لمياء، ولو نبَّه أيمن أخته لقفزت من مكانها فزعةً، ولهجمت عليها أنثى العنكبوت في الحال. لذا فقد أخرج أيمن كاميرته في هدوء شديد، وأشار لأخته ألا تتحرك في مكانها حتى يلتقط لها صورة، وعند اللحظة التي أضاء فيها أيمن الفلاش، فأعمى عين العنكبوت لثوان كان يضربه ليسقط في علبة الكاميرا الألمونيوم، ويغلق عليه غطاء العلبة قبل أن يقفز منها. ولكن مع ذلك يصاب أيمن بعلامتين حمراوين لامعتين في يده، حيث تمكنت أنثى العنكبوت من لدغه قبل السقوط في العلبة. فينقل ثانية إلى المستشفى، ولكن بعد أن نجح في إسقاط العنكبوت حيا بداخل العلبة المعدنية.

ويتحرك الرأي العام ووسائل الإعلام، للاطمئنان على أيمن وشكره لأنه ـ بعلمه وذكائه وفطنته وشجاعته وحسن تقديره للأمور ـ استطاع أن ينقذ آلافا من الناس من الموت المحقق. واستطاع العلماء التعرف في الوقت نفسه على نوع جديد ـ مع أنه قديم جدا ـ من العناكب الفرعونية غير المسجلة علميا في قواعد البيانات. وكل ما كان موجود عنها عبارة عن قصص وحواديت، ليس لها أية أدلة أو أسانيد علمية.

                                                       ***

لم أعرف موقع الكاتب الإنكليزي ديارسي إدريان فلنس D`Arcy Adrian-Vallance، من كتَّاب القصة والرواية في إنكلترا، ولكن أستطيع أن أقول إن رواية "العناكب The Spiders" مقررة على طلبة الصف الثاني بالمدارس الثانوية في مصر، وهي رواية قصيرة (نوفللا) تتمتع بكثير من الخصائص التي تجذب إليها القراء وخاصة في مرحلة الشباب، فهي تجمع بين الإثارة والمتعة والمغامرة، فضلا عن توظيف التاريخ الفرعوني القديم بما له من سحر وغموض لدى المتلقي سواء المصري أو الأجنبي، إلى جانب توظيف التكنولوجيا المعاصرة في مسيرة الأحداث، مثل استخدام البريد الإلكتروني بين أيمن حسن ود. شيرين فخري، وبينها وبين بعض علماء المصريات في مصر وألمانيا وإنجلترا وغيرها من البلاد، واستخدام شبكة الإنترنت للحصول على معلومات علمية مفيدة. فضلا عن وجود هدف إنساني كبير يسعى الجميع ـ الشرطة والعلماء والأفراد العاديون ـ من أجل تحقيقه.

وقد جاءت لغتها سهلة بسيطة معبرة، فضلا عن القيم التربوية والعلمية والخلقية التي تحملها، وتقديم تفسير علمي مقبول لما كان يسمى بلعنة الفراعنة، لذا فقد قررتها وزارة التربية والتعليم على طلبتها في مصر.