الكرة، الجنون الذي قفز إلى الكتب

كثير من الكتاب العالميين لم يكتفوا بالإعجاب ومتابعة الساحرة المستديرة وإنما كتبوا فيها قصصا وروايات أثارت اهتمام القراء حول العالم.
أدب كرة القدم بدأ من منتصف القرن الماضي
الكرة دخلت الأدب عندما اتسع مفهومها لدى الجمهور
لا يوجد كاتب أرجنتيني لم يكتب عن الكرة

القاهرة - من أحمد رجب
لو كان خورخي لويس بورخيس حيا لوجب عليه الاعتذار عن رأيه في سبب انتشار لعبة كرة القدم، فمنذ عقود أرجع الانتشار الجنوني لهذه اللعبة للغباء، قائلا: "هي إحدى حماقات الإنكليز"، وأردف مؤكدا "حينما يتصارع أحد عشر لاعباً مع أحد عشر لاعباً على الركض وراء كرة، فهذا الأمر ليس به شيء من الجمال".
 فاللعبة التي رآها مجرد حماقة أصبح لها أدبها ذائع الصيت خصوصا في بلده الأرجنتين. فكثيرون رأوا في الركض خلف الكرة جمالا لم يره بورخيس، فلم يكتفوا بالاهتمام باللعبة، بل كتبوا عنها أدبا، ولعل أولهم الأوروغواياني ماريو بيندينتي فمجموعته القصصية "أهالي مونتفيديو" الصادرة عام 1959م التي ضمت قصة عنوانها "الجناح الأيسر"، و كتب بعدها عددا من القصص والقصائد عن الكرة ولاعبيها أشهرها قصيدته "وقتك اليوم حقيقة" عن اللاعب الأسطوري مارادونا.
أدب الكرة
قصة الجناح الأيسر تحكي عن عامل فقير يجيد اللعبة، وهو هداف فريقه الذي ينافس من أجل الترقي لدوري أعلى، يقوم مسئولو أحد الفرق المنافسة برشوة العامل، يعدونه بأموال وبفرصة عمل أفضل بشرط ألا يحرز هدفا، وبالفعل يهدر كل الفرص التي تتاح له، لكن يخشى أن يكتشف أمره فيسجل من الفرصة الأخيرة، وبعد المباراة يذهب لمن قاموا برشوته مبررا إحرازه للهدف الوحيد، فيتعرض لاعتداء يلزمه المستشفى فلا يستطيع الذهاب إلى المصنع قليل الأجر ولا إلى الملعب، في القصة كانت كرة القدم مدخلا لمناقشة قضايا اجتماعية وأخلاقية، والجناح الأيسر لم يكن مجرد لاعب كرة قدم بل كان إنسانا يتعرض للطحن بين شقي رحا، مثله مثل الكثيرين من "أهالي مونتفيديو" وغيرها من أعمال بنيديتي، أما مواطنه هيراثيو كيروجا، فكتب "انتحار في الملعب"، وهي قصة قصيرة عن حالة حقيقية تعرض لها أحد اللاعبين، حيث أطلق رصاصة علي نفسه في دائرة منتصف الملعب.

الكرة، الجنون الذي قفز إلى الكتب
كيف يكون العالم بدون كرة القدم!

أما أشهر الكتب في هذا المجال فهو أيضا للأوراغواياني إدواردو غاليانو وهو كتاب "كرة القدم بين الظل والشمس"، وقد خصصه للحديث عن أهم العناصر واللقطات في تاريخ اللعبة. كذلك صدر في مونتفيديو في عام 1971، كتاب "أدب الكرة" لروبرتو خورخي سانتورو، ليصك هذا المصطلح الذي تنتمي محطاته الأكثر أهمية للأوراغواي، إلا أن السيادة في هذا النوع الأدبي انتقلت فيما بعد إلى الأرجنتين التي أصبح فيها هذا الأدب شعبيا، فربما لا يوجد الآن كاتب أرجنتيني لم يكتب عن الكرة،  وها هو الروائي خوان ساستوريان، يقول عن التحول في النظرة للكرة من بورخيس إلى غاليانو "كانت الكرة ظاهرة مثيرة للازدراء وترتبط بانعدام العقل والتفكير عند الجموع، لكن حينما بات لثقافة الجموع أهميتها اتسع المفهوم، وبداية من السبعينيات بدأ يُنظر لها بصورة أخرى، وبشكل أفضل، أما الجديد في الثمانينيات فكان دخول كرة القدم كأحد عناصر الإبداع الأدبي بصورة اعتيادية".
وهو نفس المعنى الذي قصده الروائي الأرجنتيني أندريس نيومان، بقوله "الأدب بالفعل يستطيع إنقاذ الجانب الجمالي من اللعبة. و لا يتعلق الأمر بالجانب الفني فقط ، بل بإسهام الأدب، ضمن أشكال أخرى كثيرة لخلق نوع من الذاكرة الجمعية، من خلال التعمق في مضمون الرياضة، التي قد تصل في بعض الأحيان إلى الدوائر السياسية. حيث يمكن للذاكرة العاطفية لدى الناس، والذاكرة السياسية لدى الدول الاستعانة ببعض المباريات كمرجعية. بالنسبة إلى بلادي، هناك فرق واضح بين المونديال الذي أقيم خلال عصر الدكتاتورية عام 1978، عن طريق شبهة شراء مباراة مثيرة للجدل مع بيرو للتأهل، كسبناها بينما يخضع الآلاف للتعذيب، والمونديال التي فزنا به في عصر الديمقراطية، عام 1986، آنذاك لم يجرؤ الرئيس حتى على الخروج إلى شرفة القصر الرئاسي لتحية اللاعبين وتهنئتهم بالفوز، حتى لا يعتبر ذلك نوع من الاستغلال السياسي للفوز بالبطولة".
حكاية عامل غرف
ومن أدب كرة القدم الأرجنتيني اختار المترجم المصري محمد الفولي خمس عشرة قصة قصيرة، تدور كلها في أجواء الملاعب، لثلاثة من أدباء من الأرجنتين هم: أوسبالدو سوريانو، إدواردو ساتشيري، وروبيرتو فونتاناروسا، ضمها معا في كتابه "حكاية عامل غرف"، الذي نشرته مؤخرا دار مسعى، ضمن سلسلة "صافرة" التي تهدف لنشر الثقافة الرياضية في مواكبة للحدث الأهم في عالم الكرة وهو كأس العالم التي تقام في روسيا.

كانت الكرة ظاهرة مثيرة للازدراء وترتبط بانعدام العقل والتفكير عند الجموع، لكن حينما بات لثقافة الجموع أهميتها اتسع المفهوم، وبداية من السبعينيات بدأ يُنظر لها بصورة أخرى، وبشكل أفضل، أما الجديد في الثمانينيات فكان دخول كرة القدم كأحد عناصر الإبداع الأدبي بصورة اعتيادية

المترجم في مقدمة كتابة يصنف قرائه المحتملين إلى ثلاثة أصناف أولها جمهور اللعبة الأثيرة، حيث سيجدون في القصص ذكريات الصبا وحماسة المدرجات، وفي مقابلهم قراء لا يهتمون بالكرة ويتوقع المترجم أن تسهم قصص المجموعة في تغيير آرائهم، فالكرة في القصص مجرد مدخل لعوالم إنسانية، بينما الصنف الثالث يجمع في محبته بين الأدب والكرة، يعده المترجم بقصص رفيعة المستوى فاز مؤلفوها بجوائز، تتناول عالم لعبتهم المفضلة وتقدم من خلالها صورا للحياة في الأرجنتين. 
ومنها القصة التي منحت المجنوعة اسمها،  "حكايات عامل غرف" للقاص روبيرتو فونتاناروسا، من مجموعته "كرة قدم خالصة" الصادرة عام 2000، حيث الراوي عامل غرف خلع الملابس يرى نفسه اللاعب الأكثر أهمية، يتغير اللاعبون والمدربون بينما يبقى هو صامتا مجهولا، وكأنه مدفون هناك أسفل القاعدة الأسمنتية للمدرجات التي تبدو كخندق، ورغم أهمية عمله من وجهة نظره إلا أن حلمه يتركز في قرار منتظر من الإتحاد الأرجنتيني لكرة القدم، يلزم الفرق بذكر اسم عامل غرفة خلع الملابس ضمن قائمة اللاعبين. حيث تعرضها اللوحات الإلكترونية ويقرأها الجمهور.

الكرة، الجنون الذي قفز إلى الكتب
أشهر الكتب في تاريخ اللعبة

عالم بدون كرة
ينتهي الكتاب بقصة "عالم بدون كرة" للكاتب غوستابو لومباردي من مجموعته "كرة من ورق" الصادرة في عام 2016، ويحكي فيها تجربة فانتازية لعالمٍ يعيش بعد 450 عامًا بعد آخر مرة كانت فيها الأرجنتين بطلة للعالم، حيث كان ليونيل ميسي، هو البطل الأرجنتيني الأخير، وكيف أصبح العالم بعد أن استغنى عن اللاعبين وعن الشغف بهذه اللعبة، فالعالم سمع عن اللعبة وهو يعد رسالته للدكتوراه، في عام 2463، عن طريقة عيش السكان القدامى لكوكب الأرض.
 وبالطبع تناولت الدراسة أبعاد المساحة التي احتلتها تلك الرياضة في حياة البشر أيام كانت تتوافر مساحات خضراء تصلح لممارسة اللعبة. وقد اختار الأرجنتين "ذلك الشعب الجنوبي علاقته بكرة القدم كانت مهولة"، وكانت "الكرة رمزا لحقبة"، بينما الآن، يقصد عام 2463، لم بعد يمارسها إلا بعض التائهين من سكان الكوكب يمارسونها كشعيرة قديمة. (خدمة وكالة الصحافة العربية)