الكويت: اهدار الموارد في دولة ثرية

اسئلة عديدة عن مصير الاموال العامة، هل تمت سرقتها في عمليات الاختلاس التي تتحدث عنها وسائل الاعلام ومواقع التواصل بشكل يومي؟ ام تم تقاسمها بين علية القوم وحاشية الحكم والترضيات والرواتب الاستثنائية، كما يتحدث المواطنون؟

تصريح النائب حسن جوهر بشأن الوضع المالي للكويت يجب ان يقرأ بجدية هذه المرة، ويجب ان يناقش بالكثير من الهدوء والروية، فقد ذكر جوهر أنه "من وحي الميزانية الأخيرة بلغت إيرادات النفط 17 مليار دينار، في حين بلغت المرتبات فقط، 15 مليار دينار، أي بنسبة 90% من إيرادات النفط. ونتيجة لذلك لم يبقَ عندنا أي إيرادات مالية لتحمل أعباء التنمية".

هذا التصريح مهم للغاية ولا يشبه التصريحات السابقة من قبل رؤساء الوزراء ووزراء المالية وشخصيات سياسية واقتصادية وآخرين، وامامنا ثلاث قراءات لأبعاد هذا التصريح الملفت للغاية:

اولا: أغلب التصريحات التي سبق ان تحدثت عن مشكلات الموازنة العامة للدولة وعدم قدرتها على تلبية احتياجات المواطنين ومتطلبات التنمية، وتآكل ايرادات النفط على بند الرواتب، انما صدرت من شخصيات حكومية لا يحوز أغلبهم على ثقة المواطنين، ولا يصدق الناس تصريحاتهم، ومصداقيتهم محل شك الى حد ما. لكن صدور هذه التصريحات من الدكتور جوهر مع ما يمتلكه من مصداقية عند قطاع عريض من الشارع يعطيه اهتماما خاصا، ويحفز نحو قراءة الوضع المالي باهتمام أكبر.

حسن الجوهر
حسن الجوهر

ثانيا: ان تصريح النائب جاء متزامنا تقريبا مع تصريح في الاتجاه المعاكس صدر من وزارة المالية الكويتية ضمن تقرير الحساب الختامي، والتي ذكر فيه إنها تحولت لتحقيق الفائض (الفرق بين المصروفات والإيرادات) في العام المالي المنتهي في 31 مارس/آذار الماضي، إلى تسجيل فائض سنوي، لأول مرة منذ 9 سنوات في ميزانية العام الجاري، ويشير التقرير الى أن ميزانية الدولة حققت فائضا بـ 6.368 مليار دينار (20.79 مليار دولار).

فهل الميزانية العامة للدولة تعيش وفرة مالية استثنائية منذ عشر سنوات تقريبا، وسيعود ذلك تلقائيا على مشاريع التنمية في البلاد بالخير العميم كما بشر بيان وزارة المالية؟ ام انها تعاني من شبح الافلاس والتعثر كما تنذر تصريحات الاتجاه المعاكس؟

ثالثا: ان مشاريع التطوير والتنمية في الكويت خلال الثلاثين سنة الماضية كانت تسير من سيئ الى اسوأ، والمعاناة من تآكل البنية التحتية مثل الشوارع أو شبكات تصريف مياه الأمطار أو المجاري أو التلوث البيئي وسوء الخدمات العامة، وزيادة اعداد البطالة، وضعف التعليم وضعف القطاع الطبي، وانعدام المشاريع الحديثة، وتقادم وترهل العاصمة.

هذه المشكلات وغيرها الكثير تتزايد يوما بعد يوم دون ان تنفق الدولة على اصلاحها، او تنفق على ايجاد بدائل عنها، حتى أن المشاريع القائمة قبل التحرير مثل جزيرة فيلكا والمدينة الترفيهية والجزيرة الخضراء وغيرها بمجرد ان تعرضت للتلف تم اهمالها تماما، ولم يصار الى تأهيلها، فأين ذهبت ايرادات الدولة النفطية منذ التحرير وحتى كتابة هذا المقال؟

لذا يجب ان نقرأ دواعي التحذيرات المتكررة من تعثر الميزانية، ونحلل ابعادها بشكل هادئ وبعيدا عن العواطف المبسطة، ويبدو لي ان التوقف عند النقطة الثالثة يعد مدخلا جيدا لتقييم الحالة المالية للبلاد، واذا ما كانت دواعي القلق من افلاس الدولة او تعثرها حقيقة واقعة او فعل متعمد او مجرد دق لناقوس الخطر؟

نعود الى السنوات التي اعقبت تحرير الكويت عام 1990 حين اطلقت القيادة السياسية العديد من الوعود المستقبلية نحو انجاز المشاريع التنموية الكبيرة مثل اعادة اعمار جزيرة فيلكا، وتطوير الجزر الكويتية، واقامة منطقة حرة تضم مناطق سياحية وترفيهية ومدينة إعلامية وصناعة أفلام، ومدينة رياضية بالإضافة الى المرافق التجارية والمراكز العلاجية العالمية وغيرها.

وبعد سنوات قليلة تحدثت الحكومة ايضا عن التحول الرقمي والمدن الثقافية المتقدمة تكنولوجيا مثل مدينة الحرير التي اصبحت حلما منتظرا عند اغلب لمواطنين، وعن المشاريع العملاقة مثل المتاحف العالمية والمدينة الاعلامية والمناطق التراثية، وتحويل البلاد الى مركز مالي وتجاري وسياحي يستقطب رأس المال الاجنبي.

هذه الحزمة "المختصرة" من الوعود الحكومية اصبحت مجرد نادرة يتسلى الاهالي في الحديث عنها في سمراتهم الليلية وهم يكيلون النقد والتوبيخ الى الحكومة العاجزة والتي حطمت كل احلامهم بعد طول انتظار، ليصحوا المواطن الكويتي على واقع مغاير تماما يمكن اختصاره بجولة قصيرة بين شوارع واحياء العاصمة. فان كانت عاصمة البلد مندثرة وخربة فما هو حال بقية المحافظات والمناطق؟

السؤال الاهم في الحالة الكويتية هو ان كانت كل الاحلام والمشاريع والوعود الحكومية منذ التحرير وحتى الان فشلت ولم ينجز منها شيء، وان كانت البلاد تعاني في كل تفاصيلها وزواياها من الخراب والاهمال، فأين ذهبت ميزانية الدولة ومدخولات النفط وارباح صناديق الاستثمار العملاقة؟

تثير التحذيرات المتكررة من الافلاس والعجز والتعثر المالي علامات استفهام عديدة تتعلق بسلامة ادارة الميزانية العامة للدولة، اذ لا يعقل ان تشكو الدولة من العجز المالي وهي لم تنفق على المشاريع الضخمة ولم تصرف على التنمية ولم تباشر عمليات التطوير التي وعدت بها. فهل يعقل ان دولة مهمة نفطيا، وصاحبة صناديق استثمارية عملاقة، تصرف كل مدخولها على بند الرواتب؟

وهذا ما يفتح اسئلة عديدة عن مصير الاموال العامة، هل تمت سرقتها في عمليات الاختلاس التي تتحدث عنها وسائل الاعلام ومواقع التواصل بشكل يومي؟ ام تم تقاسمها بين علية القوم وحاشية الحكم والترضيات والرواتب الاستثنائية، كما يتحدث المواطنون؟

وهل ضخامة بند الرواتب هو تعبير حقيقي عن الاجر مقابل العمل، ام هو نتيجة تلاعب وتضخم في رواتب وكوادر بعض القطاعات الامنية والفنية دون مبرر يذكر؟ ام هو نتيجة توزيع اجور ورواتب مقابل بصمة وهمية وبطالة مقنعة؟

وبناء على أن الحكومات في الديمقراطيات لا يمكنها التصرف في الموارد الوطنية بما يتجاوز ما هو منصوص عليه في الموازنة العامة التي نالت ثقة البرلمان فانه لا يمكن قبول ادعاء عجز الدولة المالي في ظل توقف كل مشاريع التنمية، وتخلف البنية التحتية، وتعثر وسوء ادارة المال العام، فأين ذهبت موارد الدولة خلال السنوات الفائتة؟

ان الخطوة المستحقة الان هي التوقف عن التحذير من افلاس الدولة، اذ وفقا للمعطيات التي بين ايدينا لا تزال ثروة الكويت النفطية واموال صناديقها السيادية حاضرة ولم تنفق على مشاريع التنمية أسوة بدول الجوار التي قفزت الى الامام في مجال التنمية والتنافسية.

ولذا ينبغي سرعة احالة كل مسؤول، كبير او صغير، سابق او حالي، تورط في اتلاف المال العام بأي صورة من الصور (قرارات خاطئة – اختلاسات - عطايا وترضيات - سوء إدارة – تلاعب - وغيرها الكثير) الى القضاء، وانزال العقوبات الجزائية عليهم، واسترجاع اموال الدولة منهم او من ورثتهم، التزاما بالدستور واحتراما للامة.