"الكيمونو" يجسد ثقافة اليابان التي لا تتغير

المؤرخة اليابانية تيري ساتسوكي ميلهاوبت تقدم نظرة ثاقبة للثقافة اليابانية من خلال تحليل دقيق وعميق لنوع واحد من الثياب.
الكيمونو الجميل
أميرة الكيمونو

"الكيمونو .. تاريخ حديث" عنوان اختارته تيري ساتسوكي ميلهاوبت (مؤرخة فنية وخبيرة دولية في مجال المنسوجات) لتقديم نظرة ثاقبة للثقافة اليابانية من خلال تحليل دقيق وعميق لنوع واحد من الثياب وهو الكيمونو الذي يجسد جزءا من ثقافة دولة اليابان التي لا تتغير وتحكمها التقاليد. 
ويعكس سرد تاريخ صناعة الكيمونو، عندما كان ثوبًا يوميًا يرتديه كثيرون في اليابان وحتى اليوم الذي أصبح فيه ارتداؤه مقصورًا في الأساس على المناسبات الاستثنائية، يعكس جهود اليابان في تشكيل هويتها الوطنية على الساحة العالمية، كما يكشف الكثير من تاريخ اليابان.  
الكتاب الذي نقلته عن اللغة الإنجليزية إلى العربية المترجمة المصرية مروة هاشم (عضو لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة المصري) - وصدر عن مسار 4 بدائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي - يقدم نظرة ثاقبة للثقافة اليابانية - عبر تحليل دقيق وعميق لثياب الكيمونو عبر ستة فصول إضافة إلى 155 رسماً توضيحياً و152 صورة ملونة - الأسس التي تعتمد عليها صناعة موضة الكيمونو الحديث في القرنين الـ 17 والـ 18، مستكشفاً التقاطع بين الفن والموضة في تلك الفترة على يد الرسامين اليابانيين المعروفين الذين تعاملوا بكتب أنماط الثياب ورسموا فوق النسيج مباشرة.
وقد رأت المترجمة مروة هاشم أنه على مدار التاريخ عكست التغييرات في تصميم الكيمونو، واستخدامه ومعناه التحولات التي شهدها المجتمع الياباني، والوضع السياسي والاقتصادي والدولي. وتحوّل الكيمونو في اليابان من عنصر يومي من عناصر الثياب إلى علامة بارزة للسمة اليابانية. 
وأكدت المؤلفة تيري ساتسوكي ميلهاوبت أن الكيمونو - بهيئتِه الخارجية المعروفة على شكل حرف (T) وأكمامه الواسعة الفضفاضة وقطعتي القماش الرأسيتيْن المنسدلتيْن من أعلى الكتف - يجسِّد دولة اليابان، الحقيقية والرومانسية، المألوفة والأجنبية. 
وفي المخيلة الشعبية عادة ما يمثل الكيمونو دولة اليابان التي لا تتغير وتحكمها التقاليد. ولكن كيف نشأت الفكرة القائلة إن الكيمونو هو الزي الياباني الوطني، ومتى؟ ولماذا يرتبط الكيمونو على هذا النحو وثيق الصلة بالجسد الأنثوي وليس الجسد الذكوري؟ وأي عملية تلك التي أدَّت إلى تحوُّلِ الكيمونو من ثوب يُرتدى يوميًا إلى أيقونة ورمز لدولة اليابان؟ 
وقالت: عند استعراض الملابس التي ترتديها عارضات الأزياء على أغلفة مجلة "دليل السيدات"، وهي إحدى المجلات النسائية الرائدة في اليابان في القرن العشرين، نجد مؤشّرًا بصريًّا يدل على تحوُّلِ المواقف تجاه الكيمونو بعد الحرب العالمية الثانية. وكان أكثر النساء اللاتي ظهرن على أغلفة المجلات في الفترة الممتدة بين عامي 1949 إلى 1956 يرتدين ملابس غربية النمط بدلاً من تلك اليابانية. 
وفي الفترة من 1957 إلى 1962 بدت عارضات الأزياء أكثر عالمية بشعورهن فاتحة اللون حتى كِدن يُصبحن شقراوات، وباتت ملامحهن وسمات وجوههن أقرب إلى الشكل القوقازي منها إلى الشكل الآسيوي. 
وفي الفترة من عام 1967 إلى عام 1992، كان الكيمونو يظهر على أغلفة المجلات مرة واحدة أو مرتيْن على الأكثر في كل عام. ومع ذلك، ومن دون استثناء، يُبرز العدد الأول للمجلات في كل عام امرأة ترتدي الكيمونو الرسمي. وهكذا، منذ أواخر الستينيات إلى أوائل التسعينيات كان الكيمونو يُروَّج له بالأساس بوصفه زيًّا ملائمًا للمناسبات الخاصة؛ مثل احتفالات العام الجديد أو مراسم "يوم الكبار" التي تُقام في شهر يناير/كانون الثاني، على النحو الذي يربط الكيمونو بـ "التقاليد" أكثر منه بـ "الموضة".
ولفتت تيري ساتسوكي أن الأعمال الفنية البصرية – مثل أغلفة مجلة "دليل السيدات"- تظهر كيف أن الكيمونو الحريري، على شكل حرف  (T) قد بات يتخذ معنًى رمزيًّا في النصف الثاني من القرن العشرين. 
واستمر ارتداء الكيمونو بشكله التقليدي في المناسبات الخاصة باعتباره رداء احتفاليًّا وزيًّا وطنيًّا، غير أن نساء الجيل الجديد أخذن ينجذبن إليه منذ بدايات القرن الحادي والعشرين؛ لأسباب أقل رسمية وأدنى ارتباطًا بالموضة. 
وبالنسبة إلى هذا الجيل الأصغر سنًّا من الإناث، فإن الملابس التي قد تشير إليها الجدَّات وحتى الأمهات باسم "يوفوكو"، أو الملابس "غربية النمط"، تبدو مألوفة لهن شأن الأنماط الأميركية والأوربية المعاصرة. 
ويُعدُّ الكيمونو بالنسبة إلى مجموعة مختارة من ذلك الجيل الأصغر سنًّا بديلاً جذّابًا من الثياب التي نشأن عليها. وعلى النقيض من أمهاتهن وجدَّاتهن، اللاتي يفضِّلن أنماط الكيمونو الكلاسيكي الذي يتم تصنيعه حديثًا، فإن بعضًا من أفراد جيل الشابات اليوم يُؤثرن الكيمونو القديم المستعمل. وأشارت أنه إدراكًا للاختلافات بين الأجيال المستهلكة للكيمونو، يسعى ناشرو المجلات الآن إلى تلبية أذواق شرائح معينة من المتسوِّقات. 
وفي عام 2003، أي بعد مرور خمسين عامًا على إصدار الناشر فوجين جاهو العدد الأول من مجلة "الكيمونو الجميل"، أصابت مجلة جديدة عنوانها "أميرة الكيمونو" نجاحًا كبيرًا. وبينما أبرزت مجلة "الكيمونو الجميل" الكيمونو الكلاسيكي والحديث الذي ترتديه سيدات في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من أعمارهن، فإن المجلة الجديدة ركَّزت على سوق الأجيال الأصغر سنًّا. وجاء العنوان (Kimono Hime)؛ حيث كلمة "كيمونو" مكتوبة بحروف لاتينية الشكل (تُستخدم عادة مع الكلمات الأجنبية)، متبوعة بكلمة "أميرة (hime)؛ مستهدفًا الإناث الجدد في سن العشرينيات والثلاثينيات اللاتي يشترين الكيمونو. 
وركَّزت مجلة "أميرة الكيمونو" على "الشكل الجديد للكيمونو" الذي غالبًا ما يُظهر الأنماط الجريئة ذات الألوان البراقة، التي كانت شائعة في العشرينيات والثلاثينيات، في مجموعات صارخة وغير تقليدية.
وأوضحت تيري ساتسوكي أنه بالنظر إلى الاتجاهات المعاصرة، لم تستهدف أشكال الكيمونو المنشورة على صفحات مجلة "أميرة الكيمونو" الترويج لارتدائه حصرًا في المناسبات الخاصة بحسبانها ملابسَ احتفالية، ولكن يجرى استعراضها بصفتها شكلًا مختلفًا لهذه الظاهرة الثقافية الفرعية التي يُشار إليها عمومًا بكون الكيمونو ذاك الشيء الـ "لطيف". غير أن هذا الشكل اللطيف يعود إلى منتصف السبعينيات حيث انتشر بين الشابَّات صغيرات السن، وتستهدف كثير من الإصدارات المعاصرة هذا الجيل الأصغر من مرتديات الكيمونو، وتصور ذلك النمط "اللطيف" بأشكال توضيحية كوميدية، فضلاً عن تنظيم مشاهد تتضمن خلفيات خيالية. 
وقد أيَّدت مجلة "أميرة الكيمونو" ذلك "النهج الكاريكاتيري"، واستعرضت أشكالاً تجمع ما بين الكيمونو والحزام العريض "أوبي"، مع حقائب ومجوهرات ملائمة لهما؛ في تأكيد على الصفة الأقل احتفالية، والطريقة الأبسط لارتداء الكيمونو. وتُعد هذه المجلة، التي تحتفي بالعناصر المحلية والعالمية للكيمونو لجذب انتباه الشباب حول العالم، أحد المظاهر العديدة لتجديد تقليد "الكيمونو" في اليابان اليوم.
وكشفت أنه في السنوات الأخيرة، انتشرت الحماسة للكيمونو بأنماطه التقليدية وغير التقليدية عبر الشبكات الاجتماعية وغيرها من وسائل الإعلام الإلكترونية بين النساء اللاتي يتشابهن في الأذواق بجميع أنحاء العالم. وبغض النظر عن الجنسية، فإن هذه الأجيال الشابة ترى في الكيمونو مجرد شكل من أشكال الثياب، ويطلقن العنان لخيالهن حول الاستخدامات الممكنة للكيمونو، خلافًا لاعتماد جدَّاتهن للكيمونو ثوبًا لأوقات احتساء الشاي أو ثوبًا احتفاليًّا كما كان الحال منذ قرن مضى. 
ولعلّ كثرة الصور الإعلامية والدعائية التي انتشرت على شبكة الإنترنت قد مكَّنت المتحمِّسَات للكيمونو من تجاوز الحدود الجغرافية والاجتماعية وتصميم أنماط وأشكال واستخدامات جديدة لمرتديات الكيمونو في أرجاء العالم كافة. وبذلك أصبح ارتداء الكيمونو وسيلة أخرى للأجيال الشابة لتكوين "قبائل" الموضة الخاصة بهن، وتحديد مجموعة اجتماعية معينة للانضمام إليها. 
وقد عمدت مُرتديات الكيمونو غير التقليديات إلى تصنيف أنماطهن بُغية الاتساق مع هُويَّات المجموعات المعترف بها. ففي اليابان، تعود العلاقة بين الهوية الاجتماعية والملابس تاريخيًّا إلى المراسيم الضاغطة للإنفاق التي سادت في حقبة إيدو 1600-1868. وحتى يومنا هذا لا تزال المجموعات الاجتماعية في اليابان تفرض قواعدَ صارمة تتطلب بعض "المظاهر" التي تشير إلى انتماء الفرد إلى مجموعة بعينها من خلال اختياره ملابسه. وحتى المجموعات المتمردة ذات الثقافة الفرعية، التي يشار لها بـ "القبائل"، تعتمد أزياء من طراز "لوليتا قوطية" التي تستخدم القواعد المحددة لكل "مظهر".
وأكدت تيري ساتسوكي أنه على مدار التاريخ عكست التغييرات في تصميم الكيمونو، واستخدامه ومعناه التحولات التي شهدها المجتمع الياباني، والوضع السياسي والاقتصادي والدولي. وتحوّل الكيمونو في اليابان من عنصر يومي من عناصر الثياب إلى علامة بارزة للسمة اليابانية. 
وفي الأقاليم الاستعمارية في اليابان في أوائل القرن العشرين، ارتدى الكيمونو كل من المستعمِر والمستعمَر، بما يرسل إشارات معقدة بحسب الجسد الذي يزيّنه. ومع تصديره وارتدائه من قِبل المستهلكين في أوروبا، وبريطانيا، وأمريكا، بات الكيمونو يعمل كزيّ وملبس. 
واستنادًا إلى مناقشات أعمق حول النوع، والنظرة العالمية، والاستهلاكية، ونظرية الموضة، تتناول الفصول التالية كيف أن دولة آسيوية واحدة قد اعتنقت الحداثة وفق شروطها الخاصة؛ وكيف استخدمت اليابان الكيمونو في سعيها نحو تأسيس هوية وطنية معترف بها في عالم كوني متزايد. 
وعن وضع الكيمونو في مكانه المبكر في سلسلة الإنتاج والتسويق والاستهلاك، يناقش الفصل الأول "أسس صناعة موضة الكيمونو" تصنيع الكيمونو ضمن نظام متكامل للموضة فيما قبل الحداثة. وتركز هذه النظرة التاريخية العامة على كتب أنماط الكيمونو التي تُنشر بشكل متواصل منذ عام 1666، والتي تُدلّل على نظام الإنتاج والتوزيع والاستهلاك المعقد للأزياء والموضة في اليابان في أواخر القرن العشرين، وهو ما يمثل جوهر صناعة الكيمونو في العصر الحديث. 
ويتناول كيفية تعاون الأفراد في مجالات صناعة وتسويق الكيمونو، مع المستهلكين وقادة الموضة، في جهود متضافرة نحو إدامة "اقتصاد الرغبة" وتحفيز الطلب على الملابس العصرية. أما بالنسبة إلى اليابانيين فكانت عناصر الموضة المتغيرة جلية ليس فقط في الصور الظلّية للثياب (كما هو الحال في الأزياء الأوروبية والبريطانية والأميركية)، وإنما ضمن حدود شكل الكيمونو. وتظهر الوثائق كيف عمد منتجو الكيمونو في حقبة "إيدو" إلى الضغط على النساجين والصباغين لإرضاء زبائنهم المتعطشين للأزياء.
ويركز الفصل الثاني "تحديث الكيمونو" على الاندماج الانتقائي بين خامات وتقنيات أجنبية تم استيرادها إلى اليابان خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتأثيرها على اتجاهات تصميم أنماط الكيمونو. ويشير إلى أنه، بدلاً من اعتماد أو نسخ الأدوات والمفاهيم المستوردة للقماش ككل، كما يُفترض في المعتاد، كان النهج الذي اتبعته اليابان لتحديث صناعة الكيمونو يسعى إلى التكيّف والابتكار. كما يصف التكامل المتزايد لصناعة الغزل والنسيج المحلية اليابانية في أسواق المنسوجات العالمية، ويستعرض الرمزية المتحولة والقيم الاقتصادية للحرير، والقطن، وأنواع النسيج الأخرى المستخدمة في إنتاج الكيمونو.
أما الفصل الثالث "التسوق للكيمونو وتشكيل الهويات" فيناقش آثار ظهور المتاجر اليابانية في العقود القليلة الأولى من القرن العشرين، وتقنيات الإعلان الجديدة، وارتفاع قاعدة المستهلكين الإناث بشكل كبير، والتوزيع واسع النطاق للمجلات التي تستهدف القارئات من خلال استراتيجيات تسويقية محلية وقنوات التوزيع. وكان لسياسات العرض، والترويج للسلع الأصلية ذات العلامات التجارية، وجماليات الذوق المتغيرة، تأثيرها على مطالب المستهلكين لأنماط محددة من الثياب التي تعكس هويات اجتماعية متميزة.
ويسلط الفصل الرابع "نموذج الكيمونو يهاجر إلى الغرب" الضوء على رحلة الكيمونو إلى بريطانيا، وأوروبا، وأميركا من خمسينيات القرن التاسع عشر وحتى النصف الأول من القرن العشرين. ويصف كيف أن انشغال الفنانين والمصممين النشطين في اليابان وخارجها قد أسهم في نشأة "نموذج الكيمونو". وبالنسبة للبريطانيين، والأوروبيين والأميركيين، كان الكيمونو بمثابة تشخيص لليابان الغريب والمثير. 
وإدراكًا لاهتمام الأجانب بالكيمونو، عمل اليابانيون – من المؤسسات إلى الأفراد – إلى معالجة "نموذج الكيمونو" والترويج له، لتعديل التصورات حول هذا النمط من الثياب.
ويدرس الفصل الخامس "مصمّمو الكيمونو" كيف تطوّر دور صنّاع الكيمونو من مجرد حرفيين مجهولين إلى "كنوز وطنية حيّة"، فضلاً عن تحليل كيف أن الوضع المتحوّل للصناع يتوازى مع تحول الكيمونو من بند من بنود الملابس الحياتية اليومية إلى ملابس احتفالية بشكل حصري. 
ويقدم الفصل الأخير "كل يوم والاستثناء، عندئذ والآن" أفكارًا حول استخدام الكيمونو ومعناه في المجتمع المعاصر، وارتباطه بالماضي. وتقترح المنشورات اليابانية الحديثة ومراقبو موضة الشارع أن اليابان شهدت "طفرة الكيمونو" في منعطف القرن الواحد والعشرين. فلقد ظهر الحنين إلى حقبة "تايشو" في شكل كيمونو قديم مقترن بالجينز أو مقصوص ومُعاد حياكته في شكل ملابس أنيقة. 
وربما بدافع من الاهتمام الشعبي بالكيمونو الحديث عمد هواة الجمع إلى عرض كنوزهم، وأفرد الناشرون إصدارات كاملة من المجلات لهذا الموضوع، وعمل العلماء على توسعة آفاقهم التاريخية لإدماج دراسة الكيمونو في القرنين التاسع عشر والعشرين، ويتوافر الكيمونو القديم والمنتج حديثًا على مستوى العالم من خلال شبكة الإنترنت. وسواء تم دمج الكيمونو القديم في الكتب الحديثة أو جمعه فحسب كأشياء لعرضها وتقديرها، يظل الكيمونو بأنماطه التي لا حصر لها زيًّا بين مجموعات متباينة داخل الحدود اليابانية وخارجها.