'المدهش في العادي' كتاب يكشف الجمال الخفي للأشياء
الجزائر - صدر حديثا عن دار فكرة كوم للنشر بالجزائر كتاب "المدهش في العادي" للكاتبة والأكاديمية فايزة أحمد خمقاني، وفيه تفتح نوافذ جديدة على تفاصيل الحياة اليومية، وتكشف عن الجمال الخفي في الأشياء التي اعتدناها حتى فقدنا دهشتها.. من ظل نافذة على الجدار، إلى ارتطام الأمواج بالشاطئ، ومن فنجان القهوة الصباحي إلى صوت خطوات مألوفة... كلها تفاصيل قد نمر بها دون انتباه، لكنها تحمل في طياتها عوالم كاملة من الدهشة والتأمل.
ولا تقدم مؤلفة الكتاب مجرد مجموعة من النصوص، بل رحلة تأملية تدعو من خلالها القراء لإعادة اكتشاف التفاصيل التي نمرُّ بها يوميًّا دون أن نُوليها انتباهًا، رغم أنّها تحمل في طيّاتها معان عميقة عن الوجود والروح والتجربة الإنسانية، كما يكشفُ الكتابُ كيف تتجاوز الأشياء حدود ماديّتها لتصبح رموزًا ودلالات تعكسُ مشاعرنا، وهواجسنا، وحتّى أحلامنا المؤجّلة.
وقسمت الكاتبة الجزائرية كتابها إلى محاور تتناول عناصر محيطة مُشاهدة بما فيها الأبواب والنوافذ إلى المطر والصّدى والمساحات البيضاء – لتُقدّم رؤية جديدة للعالم الذي نعرفه ظاهريًّا، لكنّه يُخفي في طيّاته طبقات أعمق من الفهم والإحساس، فهو يدعو القارئ إلى إعادة النظر في كلّ ما يعتقد بأنّه "عادي"، ليكتشف فيه دهشة غير متوقّعة، وكأنّ الحياة تُعيد رسم تفاصيلها حين نتأمّلُها بوعي مختلف.
وتنبض الأشياء في كلّ فصل من هذا الإصدار بالحياة، وتتحوّل إلى شخوص لها حكاياتها الخاصّة، فالأبواب ليست مجرّد مداخل، بل هي نقاط عبور بين المعلوم والمجهول، والمرايا لا تعكس فقط وجوهنا، بل ما نخفيه خلفها. والمطر ليس مجرّد ظاهرة طبيعيّة، بل هو رذاذ يُنعش الأرض كما ينعش أرواحنا، والصّمت بين الكلمات يصبح مساحة تنبض بالمعاني أكثر ممّا تنطق به العبارات.
وتمزجُ المؤلفة في هذا الكتاب بين اللّغة العميقة والبسيطة في آنٍ واحد، لتصل إلى القارئ، وكأنّها تهمس له بأسرار الأشياء من حوله، أو توجّه له دعوة لاكتشاف الثراء الكامن في التفاصيل، والبحث عن الجمال فيما نعتبره مألوفًا، ليصبح العادي مدهشًا من جديد.
وحول تقديم مضمون الكتاب، تبدأ د.فايزة أحمد خمقاني في حديثها لوكالة الأنباء العُمانية، بطرح جملة من الأسئلة، إذ تقول "هل سبق لك أن تساءلت عن الأشياء التي تحيط بك يوميًّا؛ تلك التي تبدو عادية لدرجة أنّنا بالكاد نلحظها؟ المدهش في العادي هو دعوة لإعادة النظر في التفاصيل التي نمرُّ بها دون انتباه، تلك التي تُشكّل نسيج حياتنا ولكنّنا لا نتوقف لنتأمّلها. إنّه رحلة لاكتشاف كيف تتحوّل الأبواب، والنوافذ، والمطر، وحتى الصّمت إلى رموز نابضة بالمعاني، تبوح بأسرارها لمن يجيد الإنصات".
وتضيف "هذا الكتاب يفتح نوافذ التأمُّل على أشياء نعتبرها بديهيّة. الأبواب ليست مجرّد مداخل، بل محطات عبور بين العوالم، بين المعلوم والمجهول، بين ما نختار أن نواجهه وما نفضّل إبقاءه خلفنا. والنوافذ ليست مجرّد زجاج وفُتحات في الجدران، بل هي عيون للمكان، تمنحُنا الضّوء كما تمنحنا رؤية أوسع لما هو خارج حدودنا. وحتّى السّقف، ذاك الذي نحتمي تحته دون تفكير، يحمل رمزية الأمان غير المشروط؛ الأمان الذي لا ندرك قيمته إلا حين يتصدّع".
وتوضح "حين ينظرُ الكتاب إلى الطبيعة، فهو لا يراها كما تبدو، بل كما تشعر بنا. الرعد ليس مجرّد صوت مدوٍّ، بل رجفة في الداخل، زلزال خفيّ يُحرّك أرواحنا. والمطر ليس مجرّد قطرات، بل إحياء للذاكرة، وعودة للحياة في كلّ ما جفّ. وحتى الطين بعد المطر، ذلك الخليطُ الفوضويُّ بين الأرض والماء، يصبح صورة للخلق، للبدايات الجديدة التي تنبثق من الفوضى، ثمّ هناك العزلة التي لا يراها الكتاب هروبًا، بل مساحة تأمُّل واكتشاف. كما أنّ المظلة ليست مجرّد حاجز من المطر، بل هي انعزال داخل العالم، حدٌّ نرسمه لنراقب منه المشهد دون أن نكون جزءًا منه. والقطّ، ذاك الذي يسكن الزوايا المنسيّة، يصبح رمزًا للفراغات المهملة التي تحوي أسرارًا لا ننتبه لها".
وتتابع "في زاوية أخرى، تتحدّث الأشياء بصمتها. الأحذية تُسجّل كلّ خطوة، وتحفظ آثار الرحلات التي لا يتذكّرها أحد. والحقائب ليست مجرّد أوعية نحملها، بل هي حكايات وأسفار تحملنا قبل أن نحملها. والملابس القديمة ليست مجرّد أقمشة، بل بقايا من أزمنة مضت، شواهد على نسخٍ من أنفسنا لم نعتد عليها. والكتب المهجورة؟ إنّها الأحلام المؤجّلة التي تنتظر قارئًا يعيد إحياءها. ثمّ هناك الانعكاسات، تلك التي لا تكتفي بعكس صورنا، بل تكشف ما بداخلنا. والمرايا تريك ما اعتدت رؤيته، لكنّها أيضًا تفضح ما تحاول إخفاءه. والصّدى ليس مجرّد تكرار للصوت، بل هو انعكاس لكلّ ما قيل، لكلّ ما تركناه خلفنا وظنّنا أنه اختفى".
وتواصل "أخيرًا، هناك البياض، المساحات الفارغة التي نظنُّها غيابًا، لكنّها في الحقيقة حضورٌ مكتمل. كما أنّ الأوراق البيضاء ليست خواء، بل احتمالات تنتظر من يملؤها. والصمت بين الكلمات هو ما يجعلها أكثر وقعًا، والفراغ بين الأشياء هو ما يمنحها وضوحها".
وتلفت الكاتبة الجزائرية إلى أن كتاب "المدهش في العادي لا يمنحُك إجابات جاهزة، بل يطرحُ عليك الأسئلة التي لم تفكر فيها من قبل. إنّه كتابٌ لا يُقرأ فقط، بل يُعاد اكتشافه في كلّ مرّة، لأنّه يضعك أمام العالم الذي تعرفه، لكن بعينين ترى التفاصيل التي كانت مخفيّة عنك".
ود. فايزة أحمد خمقاني حاصلة على شهادة دكتوراه في الأدب، وهي باحثة وأكاديميّة متخصّصة في الدراسات النقدية والأدبية، وتشتغل حاليًّا أستاذة للأدب الحديث والمعاصر بجامعة قاصدي مرباح بولاية ورقلة (جنوب الجزائر). وسبق لها أن أصدرت عدّة مؤلفات، أبرزُها "محاضرات في الشعر العربي الحديث والمعاصر"، وكتاب بعنوان "قصيدة النثر الجزائرية"، إضافة إلى ديوان شعريّ بعنوان "نرد".