'المرشد في صناعة الفيلم الوثائقي' يرسم طريق الإبداع للمخرجين

المخرج والكاتب المغربي عز العرب العلوي يكشف في هذا الحوار عن مجموعة قواعد ومنهجيات وتقنيات فنية تهم رواد هذا الصنف من الأفلام.

الرباط - تم توقيع كتاب "المرشد في صناعة الفيلم الوثائقي" بالمعرض الدولي للكتاب والنشر للمخرج والكاتب الدكتور عز العرب العلوي برواق جمعية نقاد السينما يوم 15 مايو/ أيار 2024، وفي هذا السياق كان ل"ميدل إيست أونلاين" لقاء مع المؤلف عز العرب العلوي حول كتابه الجديد.

وفيما يلي نص الحوار:

ما الذي دفعك لتأليف كتاب يركز على صناعة الأفلام الوثائقية؟

بعد سنوات من التجربة الأكاديمية في جامعات المغرب والمدارس العليا، والعمل الميداني في مجال الإخراج الوثائقي مع قنوات وطنية وأخرى عربية، والقرب من الطلبة والمهتمين بمجال السمعي البصري، كان لابد من تقعيد لهذه التجربة ووضع كتيبات ترشد الطالب بشكل خاص وتوجهه فارتأيت أن أضع منهجا تعليميا على شكل كراسات متخصصة، تُيسر للطالب تلقي معرفة الصورة وتضعها في نفس مرتبة المعارف الأخرى.

لذلك كانت الخطوة الأولى هي وضع كراسة تعليمية حول صناعة الفيلم الوثائقي تضم الأبجديات الضرورية لإنجاز الوثائقي انطلاقا من الفكرة إلى السيناريو، مرورا بطلب الدعم الوطني والدولي، والإنتاج وما بعد الإنتاج والتسويق، ككراسة لم ولن تكون الوحيدة حيث ستليها كراسات أخرى حول الإخراج السينمائي، ومحاور أخرى ذات صلة بالسمعي البصري والسينما، تساعد المتعلم على الفهم والاستيعاب في مجال معرفة الصورة كعلم قائم بذاته صار يحتل موقعا مهما داخل الجامعة.

كيف تمكنت من دمج العرض النظري بالتوجيه التطبيقي في كتابك؟ وما الهدف الرئيسي وراء هذا النهج البيداغوجي؟

نجاح العملية التعليمية وتبسيط المعرفة لن يتأتى إلا بدمج الجانبين النظري والتطبيقي، وبما أن السينما، بشقيها التخييلي والوثائقي، هي عِلم وتكنولوجيا تقنية في ذات الآن، لذلك كان لزاما أن أبسط صناعة الفيلم الوثائقي وأقدمه وفق مراحل تطوره عبر التاريخ وحسب نظريات وتيارات مدارس إخراجية دولية، مع تقديم نماذج لأفلام منذ اختيار الفكرة وجمع المعلومات وتحليلها ووضع السيناريو مرورا بمراحل الإنتاج وما بعده من مونتاج وتوضيب.

هذا النهج البيداغوجي كان الغرض منه تبسيط وتوضيح المعلومة عبر التدرج في عرضها وإشراكها بالتجربة وذلك لمساعدة المبتدئين على تلقي المعرفة السمعية البصرية وولوج مجال صناعة الفيلم الوثائقي بنفس الطريقة التي يتلقى فيها طالب العلم بقية العلوم الجامعية الأخرى، وفق منهج علمي أكاديمي باعتماد الطرق النظرية وكذلك الأعمال التطبيقية التي تُدخل المتعلم مباشرة في عوالم صناعة الفيلم الوثائقي وما يتطلب من مراحل وخطوات تجمع بين ما هو إبداعي وما هو تقني وما هو إداري ومادي أيضا.

ما هي العراقيل التي تواجه المبتدئين في صناعة الأفلام الوثائقية، وكيف يمكن التغلب عليها؟

ما يواجه أي مخرج مبتدئ في مجال صناعة الأفلام الوثائقية هي المعوقات المادية بشكل خاص، فأي عمل وثائقي يتطلب تمويلا لإنجازه وإنتاجه، في ظل قلة المؤسسات الإنتاجية في بلادنا وعدم وجود قطاع خاص مهتم بهذا الجنس الإبداعي، كما أن التوزيع والتسويق من أهم المعيقات التي يصادفها المخرج المبتدئ بعد إنتاج عمله الوثائقي.

من المعيقات الرئيسة أيضا الشروط والقيود التي تمليها شركات الإنتاج مما يضيق مجال الحرية في مقاربة وتناول المواضيع التي يهتم بها المخرج ويريد طرحها وتقريبها للجمهور وفق رؤيته الخاصة.

كيف تقيّم دور التطور التكنولوجي الحديث دور صناعة الأفلام الوثائقية، وما الفرص والتحديات التي يمكن أن يفتحها؟

عندما نتحدث عن التطور التكنولوجي الحديث فنحن نقصد الثورة الرقمية الضخمة التي أحدثها تطور الكمبيوتر وكل العلوم المرتبطة به مما شكل نقطة انتقال مهمة في مجال صناعة السينما عموما وصناعة الأفلام الوثائقية بشكل خاص حيث ساهمت هذه الثورة في توطيد الاتصال الثقافي بين الشعوب وتبادل المعلومات وتخزينها عبر مختلف الوسائط الممكنة. كما نقلت المحتوى الإعلامي، الذي يشمل أيضا الأفلام الوثائقية، من أقبيته التقليدية المتمثلة في وسائل الإعلام السمعية البصرية القديمة إلى بيئة رقمية مثل المنصات الرقمية والتطبيقات الكثيرة التي تتيحها شبكة الأنترنيت، فصار الوثائقي حاضرا بقوة عبر مواقع متخصصة مثل أفضل الافلام الوثائقية، وتطبيقات مثل اليوتيوب وفييمو، بل حتى القنوات التلفزية التقليدية أنشأت مواقع لها وصارت تعرض منتوجها الوثائقي عليه، مثل الجزيرة الوثائقية وقناة ناشيونال جيوغرافيك... إلخ.

إن الثورة التكنولوجية والرقمية ساهمت كثيرا في تسهيل صناعة محتوى وثائقي مختلف عن التقليدي، سواء من حيث العرض أو البناء والأسلوب والجمهور أيضا، حيث يسرت انتشار الفيلم الوثائقي وإمكانية الوصول إليه، وعرضه على المنصات الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك الذي يعتبر منصة مفيدة وترويجية للمحتوى الوثائقي خاصة مع جمهور الشباب الذي هجر بشكل شبه تام الإعلام التقليدي وفضل التفاعل مع الإنتاج الوثائقي، سواء الاجتماعي أو الثقافي أو السياسي والاقتصادي والبيئي، بشكل فوري على مواقع التواصل الاجتماعي. 

ولعل أبرز الفرص التي أتاحتها الثورة التكنولوجية والرقمية هي تسهيل المراحل التقنية لعملية التصوير، وتخزين المعلومات ونقلها لجهاز الكمبيوتر وتركيبها وتوضيبها، وإمكانية العرض في حالة إغلاق أبواب القنوات التقليدية، وغياب الميزانيات الضخمة والاستوديوهات، فوجود كاميرا هاتف ذكي ولو بثمن رخيص يتيح لمخرج مبتدئ محترف أو هاوٍ، إنجاز فيلمه الوثائقي خاصة مع غزارة المادة العلمية التي توفرها محركات البحث الرقمية، وبرامج المونتاج وتركيب الصوت المتاحة للجميع وغير ذلك، لذلك فالتطور التكنولوجي حرر مخرج الفيلم الوثائقي من القيود التي تضعها شركات الإنتاج وموزعو الأفلام، وجعل من الإنترنيت سوق توزيع مفتوحة للجميع، ويوفر ملايين المشاهدين في مختلف دول العالم.

أما التحديات التي تواجه صناعة الأفلام الوثائقية بسبب التطور التكنولوجي هو فقدان جمهور عريض في حالة لم يواكب صناع الأفلام الوثائقية التطور السريع والمهول خاصة في عصر الذكاء الاصطناعي الذي جعل من الإثارة والدهشة والتشويق إلى الجانب المعرفي أهم العناصر في جذب جمهور عريض.

ما هي الجوانب الأخلاقية التي يجب على المخرجين الوثائقيين مراعاتها خلال عملية صناعة الفيلم؟

الصدق والموضوعية في نقل الواقع، إن أهم ما يميز صناعة الفيلم الوثائقي هو ارتباطه بمحيط المخرج وبواقعه اليومي وبقضايا الإنسان، لذلك فطرح هموم الناس ونقلها وثائقيا عبر الصورة يجب أن يتسم بالكثير من الصدق والموضوعية من جهة المخرج، حتى وإن كان يعكس وجهة نظر ورؤية للحياة مختلفة عن المألوف.

كيف يمكن للمخرجين الشباب أن يجذبوا الاهتمام والدعم لمشاريعهم الوثائقية؟

لجذب الاهتمام والدعم للمشاريع الوثائقية، يتعين على المخرجين الشباب اختيار مواضيع بعناية كبيرة وأن تكون ذات علاقة قوية بالمحيط العام والمعيش اليومي، وطرحها من زوايا جديدة، فالجدية في الطرح هي ما يلفت نظر المنتج الممول.

كما يجب أن يُقدم المشروع في صفحات قليلة حتى لا تضيع الفكرة من خلال سرد غير مضبوط يُعرض صاحبه للتكرار، فالتركيز من أهم ما يجب أن يميز مشروع أي مخرج مبتدئ حتى يصل أعضاء اللجنة بشكل مباشر لجوهر الفيلم، وفي هذا السياق يقول المخرج ستيفان ميلر: "إن الفيلم الجيد يُختزل في جملتين"، أي مكونات الفيلم يتمكن المخرج الناجح في ضبطها في جملتين تفيدان الفكرة العامة ونوايا المؤلف أو المخرج والمحاور الأساسية للحكي وتطوره.

من ذلك يمكن أن نعتبر أن حضور بصمة المخرج الخاصة داخل النص وفي الرؤية الإخراجية وطرق المعالجة والطرح من أهم ما يجب أن يتوفر عليه مشروع أي مخرج، سواء كان مبتدئا أو مخضرما، فحين قراءة النص يجب أن يشعر الممول للعمل بقوة فكرة المخرج وألا يشعر أعضاء لجنة اختيار الأفلام الوثائقية بكونها غريبة عن صاحبها حتى لا يكون مصير العمل الرفض.

وفي ملحق كتاب المرشد في صناعة الفيلم الوثائقي، سيجدون لائحة لصناديق الدعم الوطنية والدولية للأفلام الوثائقية وكيفية كتابة السيناريو والنماذج وكيفية التقديم الى اخره .

ما هو دور التلفزيون في تعزيز صناعة الأفلام الوثائقية، وكيف يمكن للمخرجين التعامل مع تحديات سلطة البث والتوزيع؟

أصبح دور التلفزيون مهما بشكل كبير في مجال صناعة الأفلام الوثائقية، حيث تجاوز دور وسيط للعرض ليصبح منتجا ومروجا له حيث عزز التلفزيون إنتاج الأعمال الوثائقية وجعل من الواقع مادة وموضوعا حيث استثمر في هذا الفن السمعي البصري وساهم في ازدهاره وانتشاره محليا وعالميا، إذ أن هذا الدور تزايد بشكل خاص مع إنشاء قنوات متخصصة في هذه النوعية من البرامج على المستوى العالمي والعربي، ليصبح التلفزيون أول منصة أسهمت في توصيل الفيلم الوثائقي سواء التلفزي أو السينمائي لعموم المُشاهدين.

بوجود منصات ووسائط جديدة أتاحتها الثورة الرقمية، صار أمام المخرجين حيز للهروب من التحديات التي تخلقها سلطة البث والتوزيع، وعرض أعمالهم الوثائقية لجمهور واسع ممتد وعابر للحدود، إضافة لوجود قنوات متخصصة من دول عربية ودولية تساهم في تمويل وإنتاج مشاريع وثائقية لمخرجين مبتدئين ومعروفين.

كيف يمكن للأفلام الوثائقية أن تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والثقافية وتسهم في التغيير؟

يتأتى ذلك عبر تسليط الضوء على القضايا المسكوت عنها من خلال طرح مواضيع تهم الإنسان ومحيطه، وتناولها وفق فلسفة واضحة ورؤية خاصة للمخرج، بعيدا عن السطحية والنمطية في المعالجة. هذه القضايا الاجتماعية والثقافية تتطلب بحثا وتدقيقا وجمعا للمعطيات وترويا في اختيار توقيت الإنجاز والجمهور المستهدف وطبيعته.

ليس دور المخرج أن يخلق تغييرا بقدر ما يجب عليه أن ينير الزوايا المعتمة في مجتمعه ويقرب الواقع من المُشاهد ويولد لديه السؤال والرغبة في البحث أكثر فيما تم طرحه من إفادات الضيوف وآرائهم حول قضية ما سواء كانت فكرية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، ويجعل منه متلقيا متفاعلا يصنع بنفسه التغيير في محيطه ومجتمعه.

ما هي النصائح التي تقدمها للمخرجين الشباب فيما يتعلق بمراحل صناعة الفيلم الوثائقي، من الفكرة إلى التوزيع؟

بداية لا بد من اختيار جيد لفكرة الفيلم الوثائقي وأخذ الوقت الكافي في صياغة موضوعه، والبحث والتمحيص والتدقيق في المعطيات والمقارنة بينها وبين الوثائق المتاحة من طرف المؤسسات المعنية ذات الصلة لمادة فيلمه، حيث أن كل ذلك يتطلب صبرا كبيرا ووقتا قد يصل لسنوات من العمل، خاصة وأن هذا النوع الإبداعي غير تجاري ولا يلقى نفس الإقبال مثل الأعمال السينمائية التخييلية خاصة في الدول العربية.

تناول أي موضوع يجب أن يكون بعمق وجدية ومصداقية كبيرة، فالعمل الوثائقي هو أشبه بمقالة نقدية مصورة وأقرب في التحضير له لمناهج علم الاجتماع، لذلك يجب أن ينهج مخرج الفيلم الوثائقي نفس مسلك الباحث العلمي الأكاديمي، حيث يكون ملما بالعلوم الإنسانية ومناهجها وبروح التحليل والتفكيك والنقد والمصداقية في جمع المادة العلمية والتحقق منها.

يتطلب إخراج الفيلم الوثائقي التوفر على فلسفة خاصة متفردة لدى المخرج تميزه عن باقي المخرجين، فحتى وإن كان الموضوع المطروح ليس جديدا، يجب أن تكون بصمة المخرج وطريقة تناوله جديدة ووفق رؤية خاصة تنير على زوايا لم يسبقه إليها أحد.

كما يجب تقديم ملف متكامل وبأفكار موجزة ومركزة حول فكرة الموضوع ونوايا المخرج، حتى يتم قبوله من طرف أعضاء لجنة اختيار الفيلم، كما يجب التوفر على عناوين ولائحة بأهم الجهات والقنوات المتخصصة التي تطرح بشكل دوري أو سنوي عروضا لدعم إنتاج مشاريع أفلام وثائقية لمخرجين شباب، عادة ما تكون هي نفسها المسوق والعارض للعمل في حالة اختياره وإنتاجه، سواء على قنواتها التقليدية أو الرقمية، وكذا في المهرجانات والملتقيات الخاصة بالفيلم الوثائقي.

هل يمكنك مشاركتنا أمثلة من أعمال مخرجين متميزين تعكس أساليب مختلفة في صناعة الأفلام الوثائقية؟

هناك العديد من الأسماء التي تميزت وتفردت في طريقة وأسلوب إنجاز الأعمال الوثائقية بشكل مختلف عن السائد، سأذكر ثلاثة اسماء من المغرب، من أجيال مختلفة، واحد من جيل الشباب، أسماء المدير بكتابة وثائقية جديدة والتي حازت على جوائز محلية وعالمية عن فيلمها الوثائقي "كذب أبيض"، والمخرج علي الصافي الذي يعتبر من جيل المخرجين المقاومين حيث تفرد في طريقة الإخراج وأيضا إنتاج أعماله بعيدا عن القنوات الرسمية التقليدية وكذا في نوعية المواضيع التي طرقها وأخرجها وفق فلسفة تحمل بصمته الإبداعية، وهناك رائد من الرواد الذين بصموا تاريخ الفيلم الوثائقي المغربي وهو المخرج أحمد المعنوني خاصة رائعته فيلم "الحال".