المسرح العربي يبحث عن نصوص

نقاد مسرحيون مصريون يؤكدون أن عناصر المسرح العربي من مؤلف جيد إلى ممثل جيد إلى مخرج ومصمم جيد لم تكتمل بعد.
المسرح بحاجة إلى نص عربي وليس مجرد مسوخ نراها في بعض الكتابات
الأبواب موصدة أمام المبدعين الحقيقيين رغم جودة ما يكتبون في غياب النقد الحقيقي
ثقافة الجمهور ذاته متدهورة فليس لدينا جمهور مسرحي على وعي كامل بقضايا وطنه

القاهرة - من أحمد مروان
أكد نقاد مسرحيون مصريون أن المسرح العربي يعاني بشدة من غياب النصوص المسرحية، وأيضا ندرة كتاب المسرح الذين كانوا يكتبون خصيصا للمسرح مثل توفيق الحكيم وعزيز أباظة وعبدالرحمن الشرقاوي، وغيرهم حيث كانت النصوص مزدهرة وتنشر ككتاب أدبي مسرحي. فالمخرجون يبحثون عن نصوص جيدة أو كتاب مسرح يعيدون له تألقه وازدهاره من جديد، واختلفت الآراء وتنوعت الأسباب حول طبيعة الأزمة.
يقول المخرج المسرحي عصام السيد: بالفعل تغيب النصوص المسرحية العربية الجيدة، مما جعل معزوفة المسرح العربي المتكامل ناقصة، فالمؤلف المسرحي العربي لا يعرف جمهوره جيداً، وبالتالي ما يكتبه لا يصل إليه. إن الكاتب المسرحي من الضروري أن يكون شديد الحساسية لما يشهده المجتمع من تطوّرات، وأن تكون لديه إرهاصات بالمستقبل واستشعار الأحداث، رغم أن الكاتب المسرحي العربي الذي لديه هذه القدرة أصبح عملة نادرة، النص المسرحي الذي نريده هو نص عربي بالدرجة الأولى يفجر الواقع ويعرض له، بحيث يحمل الخصائص النفسية والسمات المتعلّقة بالشخصية العربية، وليس مجرد مسوخ نراها في بعض الكتابات.

تعتمد المسارح القليلة الآن على القنوات الفضائية حيث تسجل أعمالها إذا كانت ذات قيمة أو بدون قيمة وتباع للقنوات

وأكد عصام السيد أن المسرح العربي المتكامل في حاجة إلى توافر العناصر المسرحية كاملة من مؤلف جيد إلى ممثل جيد إلى مخرج ومصمم جيد، معتقداً أن هذه معزوفة لم تكتمل بعد، ولا يزال الأمل معلقاً في أن تكتمل، موضحاً أن المشكلة يبدأ علاجها من معرفتها جيداً، وحتى لا ندور في حلقة مفرغة، فإن مشكلة النص في المسرح العربي هي الأساس الذي تتولّد منه بقية المشاكل.
ويؤكد د. أحمد إبراهيم، أستاذ الدراما بالمعهد العالي للفنون المسرحية: إن محاولة تقديم نص رصين في المسرح وسط هذا السيل العارم من الإسفاف والابتذال يُعدّ نوعاً من البطولة، فقد اتجه بعض كُتّاب المسرح إلى المكاسب المادية وأهملوا مناقشة القضايا السائدة في المجتمع، ولهم وجهة نظر في ذلك، وهي التسلية والترفيه عن الجمهور، والابتعاد عن الأفكار المأساوية أو القضايا المؤلمة التي تسبّب له الحزن والألم، ولذلك يتجه الجمهور إلى هذا النوع من المسرح القائم على الترفيه، وبالطبع يُعتبر ذلك عدم التزام ونوعاً من العبث، لأن المسرح التزام، والمسرح يقود الجماهير، والمسرح يضيء الوعي ويغيّر الأفكار، والقضية حقاً قضية نص جيد.

النصوص تغيب عن المسرح العربي
المخرج المسرحي عصام السيد: مشكلة النص في المسرح العربي هي الأساس

ومن وجهة نظر الناقدة المسرحية د. هدى وصفي، أن الأزمة ليست أزمة نصوص، إنما الأزمة تتمثّل في تنفيذ الأعمال المسرحية الجيدة، ومدى ما يتوافر لها من إمكانات سواء على مستوى الرؤية الحقيقية كمعالجة نص ما، أو مستوى المسرح الذي سنقدّم عليه هذه الرؤية، أو مستوى الممثلين الذين بإمكانهم تجسيد هذه الرؤية، فهناك العديد من الفنانين سواء كانوا ممثلين أو مخرجين استطاعوا أن يكونوا أسماء كبيرة وسمعة كبيرة، لأنهم أعادوا صياغة نصوص مسرحية جديدة بتقنيات حديثة، وهناك أيضاً الكثير من المبدعين الذين اعتمدوا على مخطوطات مسرحية بسيطة، وبالتدريب وباستخدام التقنيات المميّزة استطاعوا أن يكونوا عالماً فنياً مميّزاً خاصاً بهم.
ويؤيّد نفس وجهة النظر، د. على جمال الدين، أستاذ الدراما بأكاديمية الفنون، فيقول: من واقع متابعتي للحركة المسرحية سواء في المعاهد أو في أكاديمية الفنون أو على مسرح القطاعين العام والخاص، فإنني أرى أنه لا توجد أزمة في انعدام النصوص المسرحية الجيدة، فهناك العديد من النصوص المسرحية الجديدة الجيدة التي تحاول أن تخوض تجارب تجريبية جديدة في أكثر من اتجاه، لكني أرى أن المشكلة الحقيقية والتي تعطي إحساساً عاماً بوجود أزمة هي غياب القنوات التي يمكن من خلالها توصيل الإبداع المكتوب إلى إبداع مشاهد، أي الخروج من طور القراءة إلى طور ظهور النص المسرحي على خشبة المسرح، إذا كنت تملك علاقات شخصية أو كنت من أهل الوسط، فنصوصك المسرحية ستجد طريقها للتمثيل على المسرح. إذن فكثيرًا ما نرى المبدعين الحقيقيين موصدة أمامهم الأبواب رغم جودة ما يكتبون، يتم كل هذا في غيبة من الصحافة الفنية، وغيبة النقد الحقيقي الذي باستطاعته أن يلفت الأنظار إلى وجود خلل.

النصوص تغيب عن المسرح العربي
غاب الكتاب المتخصصون أمثال توفيق الحكيم

في حين يرى د. وليد إسماعيل أستاذ النقد الأدبي بأكاديمية الفنون، أن أزمة النص المسرحي ليست مرتبطة بالمؤلف فقط، فهي مرتبطة بالمخرج أيضاً ومرتبطة بالمتلقي أو الجمهور، فالمخرج الجيد هو الذي يفهم ويعي قيمة النص المسرحي، كذلك فإن الجمهور يؤثّر على اختيار المخرج للنص وطريقة معالجته، إن ما يوجد الآن في المسرح ليس مسرحاً، لكنه أقرب إلى الملهى الليلي.

المسرح التزام، والمسرح يقود الجماهير، والمسرح يضيء الوعي ويغيّر الأفكار، والقضية حقاً قضية نص جيد

ويضيف د.وليد: وإذا عدنا إلى النص المسرحي الذي يبدعه المؤلف، نجد أن المؤلف قد أثّرت عليه المتغيّرات والأحداث المتلاحقة من حوله سواء كانت أحداثاً سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، فهذه الأحداث تحتاج إلى تأمل لاستيعابها والتعبير عنها. وفي رأيي أنه قد يكون الانفتاح على التجارب المسرحية العالمية والكتابات المسرحية العالمية طريقًا للخروج من هذه الأزمة، لكن بحيث أن تساير تلك التجارب مجتمعاتنا العربية. ويؤكد أن ثقافة الجمهور ذاته متدهورة، فليس لدينا جمهور مسرحي على وعي كامل بقضايا وطنه، فنحن نجد أن هذا الجمهور يقبل على الأعمال الهابطة التي ليس لها هدف سوى إثارة الضحك ووضع إمكانيات الممثل في خدمة الجمهور، لذلك علينا الاهتمام بالمسرح المدرسي والجامعي وتثقيف الطلاب وهم في المدارس عن معنى المسرح وثقافة المسرح. نحن في حاجة إلى جمهور أكثر ثقافة ووعياً وارتباطاً بقضايا وطنه وأمته، وليس الجمهور الذي لا يملك الرؤية أو الوعي.
يقول د.رأفت شرف الدين أستاذ الدراما بأكاديمية الفنون: علينا أن نعترف أن النصوص المسرحية أصبحت نادرة وإذا ألقينا نظرة على ما يحدث الآن على خشبة المسرح سنجد مهازل كثيرة حيث لا تعتمد الدراما على نص مكتوب لكاتب متخصص أكثر من اعتمادها على الارتجال والخروج على النص وقدرة الممثل على إضافة ما يضحك الجمهور دون هدف، وتعتمد المسارح القليلة الآن على القنوات الفضائية حيث تسجل أعمالها إذا كانت ذات قيمة أو بدون قيمة وتباع للقنوات. ظاهرة يجب أن نجد لها حلا وأعتقد أن مسرح الدولة تقاعس فليس هناك أعمال مسرحية لها تأثيرها القوي على الجمهور، ونحن نتساءل: أين كتاب المسرح؟ أين ذهبوا؟ (وكالة الصحافة العربية)