المصادفة والمخيلد تفتشان عن صورة المرأة في الأدب الذكوري

الكاتبة المصرية تؤكد أن المرأة كاتبة بفطرتها، فهي شهرزاد الحكايا والجدة التي تحكي لأحفادها ما يكون ذخيرة لهم عندما يكتبون أو يمسكون بالقلم.

انشغال النقد العربي بصورة المرأة في الأدب الذي يكتبه الرجل يشكل الهم الغالب عليه على مدار تاريخه الحديث وحتى القديم، وليس المرء بحاجة لإحصاء عدد الدراسات التي صدرت في هذا المجال. من هنا تأتي هذه الندوة "الآخر وتجلياته في إبداع المرأة" والتي أقيمت ضمن فعاليات البرنامج الثقافي لمؤسسة بحر الثقافي في معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الـ 28 وتحدثت فيها الروائية د. سهير المصادفة والناقدة السعودية د.إيمان عبدالعزيز المخليد. 
تساءلت المصادفة: هل تمت قراءة أعمال المرأة المبدعة، بنظرة حيادية؟ هل المجتمع فى العالم العربي يعترف بأن المرأة صارت كاتبة؟ وهل بالفعل المرأة لا تكتب إلا نفسها؟ وقالت: "أظن أن تجليات الآخر فى إبداع المرأة العربية، مثل تجليات الآخر فى إبداع الرجل العربي، فالقول بالابداع النسوي أو إبداع المرأة، يعني أن هناك أدبا ذكوريا، ونحن لا نقول، ولا يصح أن نقول إن ثمة أدبا ذكورىا، ولكن عندما تفقد الجملة معناها تختلف الموازين.
ورأت أن الإبداع نوعان سواء كتبته المرأة أو كتبه الرجل، إبداع جيد، وإبداع رديء. فى حالة الإبداع الرديء الذي تكتبه الكثير من النساء هذا يجب أن ينظر إليه بعين مُحبة، حيث إن المرأة لم تخرج من قمقمها إلا متأخرا جدا، ولكن عندما خرجت من القمقم، أصبح يوجد لها كتابات كثيرة، ومن المنطقي أن يكون 70% من هذه الكتابات كتابات أولية، مثل الطفل الذي يخطو خطواته الأولى يتعثر وينهض وهكذا، حتي يمتلك شخصية وذوقا خاصا. 
إذن سأتحدث عن تجليات الآخر لدى المرأة، لأرى أن الآخر يتجلي في أعمالها، مثلما يتجلى في أعمال الرجل. ونظرة للأدب العالمى وليس العربي فقط، ومن حُزنَ على "نوبل" الجائزة العالمية الكبري من الكاتبات، نلاحظ التالي، أن المفاهيم الكبري مكروهة ومطرودة من جنة كتابات المرأة، مثلا المرأة تكره الحروب كرهاً شديدا، وهذا وفقا لطبيعتها، فهي تسخر فى أدبها من الحروب ولا تحب الدفاع عن أي حرب حتي لو كانت حربا مقدسة. 
وإنما تتساءل سؤالا بديهيا لماذا يحارب الانسان أخاه الإنسان؟ منذ البداية هي لا تجد على الإطلاق أي مبرر للحروب بين البشر، وأيضا يتجلى الطرف الأهم في حياتها، وهو الرجل، فإذا كان الرجل في مجتمعنا يقهر المرأة، ويقلل من قيمة عطائها، فبالتأكيد وبحكم المنطق سينعكس هذا الرجل في كتاباتها بصورة تكاد تكون ساخرة من سطوته. هذا الرجل الذي في بعض المجتمعات لا يزال يمارس دوره في تعطيل مسيرة المرأة، قد نرى صورته في سطور المرأة المبدعة، بشكل لا يجعله مستريحا أو فرحا.
وأضافت المصادفة متسائلة: من الذي يجب أن يكون مستحوذا ومحافظا على صورته في الأدب بشكل عام؟ وقالت "نحن نكتب الأدب من أجل تحقيق رسائل كبرى، من أجل تحقيق العدالة والجمال والمحبة والسلام بين الناس، فإذا كانت هذه القيم الجمالية الفلسفية الأولى التي تمرسنها منذ الأزل غير متحققة لطرف، فلماذا يريد الطرف الآخر أن يكون سعيدا، وأن يكون موافقا على كل ما يمليه على هذا الطرف الذي يعتقد أنه الأضعف؟
المرأة ليست كائنا ضعيفا، وليست كائنا قادرا على تفجير كثير من إمكانياته، ولو تمت له بعض شروط الحرية لأنتج أعمالا ممتازة. المرأة كاتبة بفطرتها، المرأة هي شهرزاد الحكايا، هى الجدة التي تحكي لأحفادها ما يكون ذخيرة لهم عندما يكتبون أو يمسكون بالقلم. المرأة كاتبة بالسليقة فهي التي تؤلف الحكايا، وقيل إنها كثيرة الكذب لأنها كثيرة الحكي، وأهم عمل على ذروة الهرم الإبداعي السردي في العالم "ألف ليلة وليلة" سواء اختلفنا أو اتفقنا هي صاحبته. إنها شهرزاد الليالي والحكايا، هي التي تبدأ الحكي وهي التي لا يمكن أن يوقفها أحد إلا بعد أن تختم الحكاية، فإذا هي ليست دخيلة على الكتابة.
 كان تعطيل المرأة الكاتبة مثل تعطيل المرأة العاملة ونحن مثلا .. لا نسأل لماذا في الأدب؟ دعونا نتحدث عن المشهد المصري في أوائل القرن العشرين وحتي منتصفه، لماذالا يُسأل كلاسيكيو الستينيات من الكتابات الكبرى مثلا عن صورة المرأة وتجلياتها.
وأوضحت المصادفة "إذا اتفقنا على وجود بعض الفروق البيولوجية، والتي أرصُدها على أنها بالفعل يجب أن تُدرس مستقبلا، حول طبيعة مشاعر المرأة في كتاباتها، مثل كراهيتها للحرب ومثل سخريتها منها، أذكر أن رواية "الصائد صفر" للكاتبة الفرنسية باسكال روز، تحكي عما تخلفه الحرب في نفوس البشر، فالبطلة لورا كارلسون مات والدها في الحرب العالمية الثانية، من دون أن تراه، وكان يعمل بالبحرية الأميركية، عندما قتله أحد الانتحاريين اليابانيين، ولم تستطع الفتاة أن تتخلص من الخوف الدائم الذي يطاردها، لأن روح انتحاري من هؤلاء تطارد الفتاة، وأينما ذهبت تسمع صوتاً صاخباً لا يسمعه غيرها، ولا تستطيع الهرب منه". 
ولفتت إلى إن المرأة الكاتبة لا تعرف التمايزات بين البشر ولم تنحز لجنس أو لون أو نوع من البشر، بل انحازت للإنسانية بشكل عام، وهذا يتجلي في كتاباتها، كونها صانعة الحياة، سادنتها، المرأة من تربي الأجيال التي  تعمر الارض، والتي قال الله سبحانه وتعالي عنها في القرآن أنها ستكون خليفته في الأرض من أجل تعميرها، وليس تدميرها أو إعلان التمايز على الأخر أو التفوق العنصري وإلى آخره من الفروقات سواء كان في الجنس أو الوطن او إلى آخره. إن مشروعها السردي جاء وفقا لتمايزاتها البيولوجية التي هي معاكسة للرجل الذي يسعى للسطوة والسيطرة. المرأة منحازة إلى البشرية لأنها ساندة الحياة.
أما د. إيمان عبدالعزيز المخليد المحاضرة في جامعة الأمير سلطان بن عبدالعزيز فقد استعرضت رؤيتها لصورة المرأة لتنتقل إلى قراءة تحليلية في رواية "أنثى العنكبوت" للكاتبة قماشة العليان كاشفة للمرأة الرواية وقدرتها على التعبير عن ذاتها وذوات الآخرين.
قالت المخليد "تمردت الرواية النسوية على الصورة النمطية التي يكتبها الرجل عن المرأة، وحصرها في هذه الصورة النمطية، ولا تقارن بالروايات التي يكتبها الرجل، فالمرأة لم تكن للرجل موضوعا أو ذاتا قائمة بذاتها، وكان الرجل يحصرها في صور نمطية مسيئة تتنوع وتتعدد لتؤكد نظرته الذكورية لوجودها، فهناك الصورة التي تضعها في صورة الكيد والخداع والنميمة وأخرى تضعها في صورة المرأة التى تستحق أن ينال منها الرجال لسوء أخلاقها التي تتعارض مع قيم المجتمع الذكوري. 
وأخيرا هناك صورة المرأة التابعة التي تعتمد على الرجل في سبيل المعيشة، ولكن حين انتقلت المرأة من وضعية الموضوع إلى وضعية الذات الفاعلة المبدعة، وبدأت في ممارسة الكتابة قامت بثورة عارمة ضد الصور التي رسمها لها الرجل، وتجلى تمرد المرأة في الرواية بأن جعلت من ذاتها البطل الرئيسي الذي تقوم عليه الأحداث وأصبح الرجل هو الظل، وأصبحت تقدم شخصياتها وبطلاتها الأنثوية بصورة إيجابية نامية متطورة، تجعلهن يمتلكن وعيا خاصا بذواتهن ووضعهن الاجتماعي وبعلاقتهن بالثقافة النسوية.
وطبقت المخيلد رؤيتها على رواية "أنثى العنكبوت" للكاتبة قماشة العليان التي تتناول فيها عن الواقع العربي السعودي الذي يمارس قيود العادات والتقاليد الاجتماعية على المرأة، وذلك من خلال قصة فتاة عاشت في قهر وظلم المجتمع الذكوري طوال حياتها كأخواتها وأمها من قبلها، وذلك بتصوير جبروت الأب الذي جنى على أبنائه الواحد تلو الآخر ذكورا وإناثا.