المعتصمون في بغداد: شخصية مستقلة لقيادة حكومة مصغرة أو التصعيد

معتصمو ساحة التحرير طالبوا الرئيس العراقي برهم صالح باتخاذ موقف مسؤول وواضح بترشيح اسم مستقل لمنصب رئاسة الوزراء المؤقت يقود حكومة انتقالية مصغرة.
إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية النظامية مطلب ملح
النواب فشلوا في الاتفاق على إعادة صياغة قانون الانتخابات
مطالب بتكوين حكومة تكنوقراط مصغرة في ظل برلمان مشتت

بغداد - حذّر معتصمو ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد، اليوم الخميس، من اختيار رئيس وزراء لا تنطبق عليه مواصفات الشارع المنتفض، ملوّحين بخطوات تصعيدية مع انتهاء المهلة الدستورية لتكليف مرشح يقود الحكومة الجديدة.

وقال بيان منسوب إلى المتظاهرين العراقيين الموجودين في ساحة التحرير، إحدى ساحات الاعتصام الرئيسية وسط بغداد، نشرته وسائل إعلام محلية، بشأن ما سمّوه المناورات الحاصلة بين الكتل السياسية بخصوص اختيار رئيس الحكومة الجديدة.
وذكر البيان أنه "بينما يترقب الشعب العراقي الطبقة السياسية وهي تناور الحركة الاحتجاجية بشأن مطالبها الحقة، نشير وبشكل واضح إلى أن ما يحدث في أروقة الطبقة هذه لا يتماشى أبدًا مع ما مر به الشعب وجماهيره المعترضة من أجل حياة كريمة".
وأضاف أن "ما يحدث حتى الآن يؤكد وبشكل واضح، اعتباطية هذه الطبقة وعدم جديتها، بل وحتى عدم احترامها لمطالب الجماهير ودمائهم منذ الأول من شهر أكتوبر/تشرين الأول".
وأوضح البيان أن المعتصمين والمتظاهرين في ساحة التحرير "لا يتبنون أي مرشح لمنصب رئيس الوزراء الانتقالي أو المؤقت، وكل ما يتم تداوله حتى الآن غير مقبول، ومرفوض من ساحات الاعتصام".
وطالب المعتصمون الرئيس برهم صالح، باتخاذ موقف مسؤول وواضح بترشيح اسم مستقل لمنصب رئاسة الوزراء المؤقت، للمضي بحكومة انتقالية مصغرة، تعمل لمدة أقصاها 6 أشهر، لتأمين انتخابات عادلة ونزيهة على وفق قانونين، للانتخابات ولمفوضية الانتخابات، يحقق مطالب المتظاهرين.
ودعا المعتصمون إلى "تفعيل دور القوات الأمنية باتخاذ موقف حازم وشجاع تجاه عمليات الخطف والاغتيالات التي تحدث في بغداد وفي المدن العراقية الأخرى، وخلاف ذلك فإن من أولويات الحكومة المقبلة النظر في إعادة هيكلة القوات المسلحة النظامية وكل المؤسسات الأمنية والمجيء بأفراد وقيادات جديدة".
والأربعاء، دعت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي"، القادة السياسيين إلى اختيار مرشح لتشكيل الحكومة المقبلة، يلبي تطلعات المحتجين المناهضين للنخبة السياسية الحاكمة منذ عام 2003.
وتأتي هذه الدعوة بالتزامن مع انتهاء المهلة الدستورية، الخميس، أمام صالح، لتكليف مرشح بتشكيل حكومة، في ظل مخاوف من الانزلاق إلى فراغ دستوري في ظل استمرار الاحتجاجات رغم عمليات اختطاف واغتيال ناشطين.

وختم المعتصمون بيانهم محذرين أنه "في حال إصرار الكتل السياسية على تبني شخصية سياسية متمثلة برئيس وزراء لا تنطبق سيرته مع مواصفات الشارع المنتفض، ستتخذ الاحتجاجات خطوات تصعيدية من شأنها الضغط وبشكل فعال ومغاير على السلطات التنفيذية والتشريعية".
وأجبر المحتجون البرلمان على قبول استقالة حكومة عادل عبدالمهدي، في الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري، بعد أكثر من عام على توليها السلطة.
ويطالب المحتجون باختيار رئيس وزراء جديد مستقل ونزيه، لم يتولّ من قبل أي مناصب رفيعة في الدولة، وبعيد عن التبعية للخارج، من أجل تشكيل حكومة تكنوقراط مؤقتة (خبراء مستقلين) تمهد لإجراء انتخابات نيابية مبكرة.

وفي حال لم يتمكن البرلمان عند منتصف ليل الخميس من منح الثقة إلى شخصية جديدة لرئاسة الوزراء، ينص الدستور على أن يقوم رئيس الجمهورية برهم صالح مقام الرئيس المستقيل، لمدة 15 يوماً.

ولكن قبل ذلك، سيكون أمام البرلمان مهمة، وهي أن تقدم الكتلة البرلمانية الأكبر اسماً إلى رئيس الجمهورية الذي يقدمه بدوره إلى مجلس النواب للتصويت عليه.

وتبقى مسألة الكتلة الأكبر معضلة. ومفهوم الكتلة الأكبر هو الائتلاف الذي يضم أكبر عدد من النواب بعد الانتخابات، وليس بالضرورة أن يكون التحالف الفائز بأكبر عدد من المقاعد بعد الاقتراع.

ولم تكن الكتلة الأكبر واضحة بعيد الانتخابات التشريعية في أيار/مايو 2018، وجاءت تسمية عبدالمهدي رئيساً للوزراء حينها بتوافق سياسي جرى خلال ساعات، بعيد انتخاب صالح رئيساً للجمهورية.

غير أن المهمة اليوم صعبة على أي مرشح ينال ثقة البرلمان، ويكون قادراً على تلبية مطالب الشارع وسحب المحتجين، بعد أكثر من شهرين من التظاهرات التي أسفرت عن مقتل نحو 460 شخصاً وإصابة أكثر من 20 ألفاً بجروح.

وفي حال انعدام التوافق، يبقى الخيار الدستوري في حالة الفراغ أن يصبح صالح رئيساً للوزراء بحكم الأمر الواقع لمدة 15 يوماً وفق المادة 81 من الدستور، على أن يكلف خلالها مرشحاً جديداً.

والبرلمان الحالي هو الأكثر انقساماً في تاريخ العراق الحديث. وقد فشل النواب الأربعاء في الاتفاق على إعادة صياغة قانون الانتخابات، وهو الإصلاح الأكبر الذي قدمته السلطات إلى المحتجين، ورفعوا الجلسة حتى يوم الاثنين، فيما طالب المحتجون بجلسة "علنية تبين مواقف النواب والكتل السياسية إزاء المطلب الرئيسي آلذي قامت لإجله الانتفاضة".

ومنذ موافقة مجلس النواب في الأول من كانون الأول/ديسمبر الحالي على استقالة حكومة عبد المهدي، بدأت بورصة السياسة تداول أسماء عدة، بعضها كان جدياً، وأخرى كانت أوراقاً محروقة لاستبعادها.

لكن ثلاثة أسماء طرحت مؤخراً في "المزاد"، وهي وزير التعليم العالي قصي السهيل، ووزير العمل والشؤون الاجتماعية السابق محمد شياع السوداني، ورئيس جهاز المخابرات الوطني مصطفى الكاظمي.

والسهيل عضو سابق في تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وانضم في ما بعد إلى كتلة دولة القانون، التي يتزعمها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

وإن كانت حظوظ السهيل مرتفعة في الساعات الأخيرة، إلا أن كون المشاورات في العراق كصندوق أسرار تخرج منه المفاجأة في الوقت بدل الضائع، يجعل من الصعب التكهن بشكل نهائي.

فالأسبوع الماضي، كان الاسم الأكثر تداولاً هو السوداني، الذي أعلن استقالته من حزب الدعوة وكتلة دولة القانون التي ينتمي إليها أيضاً. لكن أسهمه تراجعت بين ليلة وضحاها، من دون معرفة الأسباب.

وأكدت مصادر مقربة من المرجعية الدينية الشيعية العليا في النجف، أن السوداني حاول مقابلة آية الله علي السيستاني، لكنه لم ينجح في ذلك، ما اعتبره البعض فيتو.

لكن المرجعية أعلنت سابقاً عدم مشاركتها في أي مشاورات أو مفاوضات وسحب يدها من مباركة أي اسم يطرح، خلافاً للسنوات الـ16 الماضية، حين اضطلعت بدور حاسم غير مباشر في رسم المسار السياسي للبلاد.

يبقى اسم الكاظمي داخل درج رئيس الجمهورية برهم صالح، الذي "يراهن على اللحظات الأخيرة" لتقديم مرشحه، وهو ما يضمنه له الدستور، وفق مصادر سياسية.

لكن الصعوبة تكمن في أن الكاظمي محسوب على الولايات المتحدة، ما يجعل من الصعب أن يحظى بموافقة طهران، إلا في حال تسوية.

في الجهة المقابلة، قدم النائب الليبرالي فائق الشيخ علي، المعروف بانتقاده للفساد المستشري في مفاصل الدولة، ترشيحه رسمياً إلى رئيس الجمهورية.

وقال الشيخ علي في كتاب ترشحه الذي نشره على تويتر "أتقدم إلى فخامتكم بالترشح لتكليفي تشكيل حكومة مهنية متخصصة غير متحزبة بعيدة عن المحاصصة الطائفية والعرقية".

وكان هذا النائب أجرى تصويتاً على تويتر قبل تقديم ترشيحه، استفتى خلاله آراء الناس، ودعمه 73 في المئة من أصل ما يقارب مئة ألف مشارك، في الترشح.

ويعتبر الشيخ علي نائباً مثيراً للجدل، خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اشتهر بتغريداته التي تتضمن الكثير من التلميحات ضد سياسيين من خصومه. وسبق أن رفع البرلمان الحصانة عنه بتهمة "تمجيد البعث".

يقدم الشيخ علي نفسه مرشحاً باسم الشارع، الذي يبقى حكماً في العملية السياسية، ويشترط أن يكون رئيس الوزراء الجديد مستقلاً، ومن غير المضطلعين بأي دور سياسي منذ العام 2003.

والأربعاء، علق محتجون صور الشيخ علي عليها علامات حمراء في ساحات الاعتصام بساحة التحرير، في إشارة إلى رفضهم ترشيحه.

وبينما تستمر الفجوة بين المسؤولين والمتظاهرين في الاتساع، بعد نحو شهرين ونصف الشهر من الاحتجاجات والعنف، تثير الصواريخ التي تتساقط بين الفينة والأخرى على قواعد عسكرية تؤوي جنوداً أميركيين، قلق واشنطن.

ومنذ 28 تشرين الأول/أكتوبر، وقعت عشرة هجمات بصواريخ ضد قواعد تضم عسكريين أميركيين أو السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء الشديدة التحصين وسط بغداد. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن أي من تلك الهجمات، لكن واشنطن تتهم غالبا الفصائل المسلحة الموالية لإيران.

وازداد قلق الولايات المتحدة من تلك الهجمات، خصوصاً وأنها تنوي إرسال ما بين خمسة إلى سبعة آلاف جندي إضافي إلى الشرق الأوسط.

وأكد مصدر أمني عراقي الاثنين "دخول أرتال عسكرية أميركية محملة بالأسلحة إلى المنطقة الخضراء، بعد الحصول على موافقات رسمية".

وأضاف المصدر الذي طلب عدم كشف هويته أن "الأرتال العسكرية مكونة من 15 ناقلة تحمل عجلات هامر مع أعتدة وأسلحة أميركية".