المقاتلون الأجانب يشكلون تحديا لبقاء الشرع في الحكم
دمشق - بعد ستة أشهر من دخول الفصائل المسلحة بقيادة أحمد الشرع إلى دمشق بالاعتماد جزئيًا على آلاف المقاتلين الأجانب للمساعدة في الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد، أصبح الشرع رئيسًا للبلاد إلا أن استمرار وجود هؤلاء المسلحين الأجانب، الذين قدموا من أماكن بعيدة مثل أوروبا وآسيا الوسطى قد يشكل الآن تحديًا كبيرا لبقائه السياسي.
وسلط تقرير لصحيفة واشنطن بوست الضوء على حجم التحديات التي يواجهها الشرع من المقاتلين الأجانب الذين عيّن بعضهم في مناصب عليا بوزارة الدفاع، واقترح منح العديد منهم من الرتب الدنيا الجنسية السورية، لكن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تطالب بطرد جميع هؤلاء المقاتلين الأجانب.
وبعد لقاء ترامب بالشرع في السعودية الشهر الماضي، غرّدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، قائلة إن ترامب حثّ الزعيم السوري الجديد على "أن يطلب من جميع الإرهابيين الأجانب مغادرة البلاد".
وعلاوة على ذلك، وبينما يبدو أن الشرع مصمم على الإبقاء على مجموعة من الحلفاء الأجانب من حوله، فإن بعض هؤلاء المسلحين المتشددين بدأوا بالفعل في إثارة المتاعب له. ووفقًا لجماعات رصد، فإن بعض المقاتلين الذين شاركوا في موجة عنف قبل شهرين في الساحل السوري، وقتلوا خلالها مئات من أبناء الطائفة العلوية، كانوا من المقاتلين الأجانب. وتُهدد هذه التوترات الطائفية بزعزعة استقرار المرحلة الانتقالية الهشة التي يمر بها الشرع.
منشورات لمقاتلين تقول إن صبرهم بدأ ينفذ. ويستعدون لقتال "طاغية جديد" ويسألون "هل هذا ما قاتلنا من أجله طيلة 14 عامًا"
وأكثر هؤلاء المقاتلين تشددًا بدأوا بالفعل في توجيه غضبهم نحو الشرع، رفيقهم السابق في السلاح الذي كان يُعرف طويلًا باسم "أبو محمد الجولاني"، لأنه لم يفرض بعد الشريعة الإسلامية، ويتهمونه بالتعاون مع الولايات المتحدة والقوات التركية لاستهداف الفصائل المتطرفة. وقال أحد المقاتلين الأوروبيين، مشترطًا عدم الكشف عن هويته، في مقابلة أُجريت معه في مدينة إدلب شمال البلاد "الجولاني يهاجمنا من الأرض، وأميركا من السماء".
وتدفق عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق خلال العقدين الماضيين، وانضم الكثير منهم إلى القتال ضد الأسد خلال الحرب التي استمرت نحو 14 عامًا. ومنهم من انضم إلى جماعات متطرفة مثل تنظيم داعش، بينما التحق آخرون بفصائل أقل تطرفًا. ويُقدّر الباحثون أن نحو خمسة آلاف مقاتل أجنبي لا يزالون في سوريا، وقد اندمج الكثير منهم في المجتمعات المحلية، خصوصًا في المنطقة الشمالية الغربية من البلاد، وتزوجوا من نساء سوريات وأنجبوا أطفالًا نشأوا هناك.
وقاتل الشرع نفسه كعضو في تنظيم القاعدة في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003، ثم أسّس لاحقًا جبهة النصرة في سوريا. وعندما أعادت الجماعة تشكيل نفسها تحت اسم "هيئة تحرير الشام" عام 2017، قطعت علاقتها بالقاعدة وبدأت بقتال فصائل إسلامية أخرى، مما عزز من قوتها كأقوى فصيل متمرد في البلاد.
ومع محاولة الرئيس الجديد التوفيق بين التحديات الصعبة التي يواجهها، فقد أُصدر للمقاتلين الأجانب أمر من الحكومة بالاختباء وعدم التحدث، بحسب محللين سياسيين وبعض المقاتلين أنفسهم.
وفي ثلاث زيارات سابقة لسوريا منذ سقوط الأسد التقى مراسلو صحيفة "واشنطن بوست" بمقاتلين أجانب في عدة مناطق من البلاد. ففي ديسمبر/كانون الأول على سبيل المثال، تمركزوا على طول الطريق المؤدي إلى مدينة حماة، وسيطر مقاتلون أتراك على طريق جبلي يؤدي إلى مقام زين العابدين، حيث دارت أعنف المعارك، فيما تجول مقاتلون عراقيون في المدينة كسياح. وفي مارس/آذار، تولّى مقاتل من آسيا الوسطى قيادة نقطة تفتيش كانت تمنع المرور إلى جبل قاسيون الشهير في دمشق. ثم في أوائل مايو/أيار، اختفى معظمهم إلى حد كبير على الأقل من نقاط التفتيش وشوارع وسط وجنوب سوريا.
الغالبية الساحقة من المقاتلين الأجانب الذين بقوا تحت راية هيئة تحرير الشام حتى تقدمهم نحو دمشق، تم احتواؤهم بطريقة أو بأخرى
وقال جيروم دريفون، كبير المحللين في شؤون الجهاد والنزاعات الحديثة في مجموعة الأزمات الدولية: "الحكومة حاولت عزلهم". وأضاف "لكن هناك مشكلة حقيقية في تنفيذ مطلب الولايات المتحدة. هم يقولون 'أخرجوا كل الإرهابيين'، لكن هذا يطرح سؤالًا من هم الإرهابيون في هذه الحالة؟"
وتم تصنيف فقط بضع عشرات من هؤلاء المقاتلين كإرهابيين من قبل الأمم المتحدة، وفي كثير من الحالات، لا تملك الحكومات الأصلية سوى معلومات محدودة عن أنشطة مواطنيها في سوريا.
وتابع دريفون متسائلًا "وحين يقولون لهم ’اخرجوا‘، حسنًا، إلى أين؟" وأضاف "بلدانهم لا تريدهم".
واليوم، يُقاتل غالبية المقاتلين الأجانب تحت راية هيئة تحرير الشام، الجماعة الإسلامية التي يقودها الشرع، أو تحت راية الحزب الإسلامي التركستاني، المتحالف معها بشكل غير رسمي. ويعيش معظمهم في محافظة إدلب، المنطقة التي حكمتها هيئة تحرير الشام كدولة شبه مستقلة خلال السنوات الأخيرة من حكم الأسد.
ونقلت الصحيفة الأميركية مشاهد من محافظة إدلب، حيث كان الرجال يتنقلون بسرعة عبر الشوارع المزدحمة على دراجاتهم النارية لشراء الخبز والمواد الغذائية، ويتجهون جماعات إلى المساجد للصلاة كان من السهل تمييز العديد منهم كأجانب، ويبدو أن أغلبهم من آسيا الوسطى. بعضهم كان يرتدي الزي العسكري، وآخرون ملابس عادية. أما الذين وافقوا على إجراء مقابلات، فأصرّوا على إخفاء الهوية، تنفيذًا للأوامر التي تمنعهم من الحديث إلى وسائل الإعلام.
وقال مقاتل فرنسي، وافق على التحدث بشرط أن يتم تعريفه باسمه الأول فقط مصطفى إنه سافر من باريس للانضمام إلى القتال ضد قوات الأسد في عام 2013، أولًا ضمن فصيل صغير يتكوّن في معظمه من مصريين وفرنسيين، ثم لاحقًا مع جبهة النصرة، النسخة السابقة من هيئة تحرير الشام التي كانت في ذلك الوقت مرتبطة بتنظيم القاعدة.
وفي محل الحلاقة الخاص به ذي الواجهة الزجاجية وسط إدلب، قال الحلاق محمد كردي، 35 عامًا، إنه يبدأ مواعيده دائمًا بسؤال الزبائن عن بلدانهم الأصلية. وأضاف "كان لدينا... أشخاص من بيلاروسيا، والشيشان، وأوزبكستان، وأماكن أخرى." وأردف قائلاً إنه أحيانًا يسأل عن زبائن توقفوا عن المجيء. "كنا نكتشف أن الكثير منهم قد قُتلوا".
ويقول خبراء يراقبون الجماعات الإسلامية إن المقاتلين الأجانب، كمجموعة، أصبحوا أقل تطرفًا بمرور الوقت، رغم أن معظمهم لا يزال محافظًا بشدة.
وقال عروة عجوب، باحث دكتوراه في جامعة مالمو يدرس هيئة تحرير الشام "الغالبية الساحقة من الذين بقوا تحت راية هيئة تحرير الشام حتى تقدمهم نحو دمشق، تم احتواؤهم بطريقة أو بأخرى".
ولم يُبدِ أي من المقاتلين الذين أُجريت معهم مقابلات رغبة في مغادرة سوريا، بسبب احتمالية اعتقالهم أو حتى الحكم عليهم بالإعدام في بلدانهم الأصلية. وقال المقاتل الفرنسي مصطفى إن العودة إلى باريس ليست خيارًا. وأضاف "أنا مطلوب في معظم الدول الأوروبية". وقال آخر "ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه".
وبينما عبّر معظم من أُجريت معهم المقابلات عن دعمهم لتطبيق تدريجي للشريعة الإسلامية، أبدت مجموعة صغيرة من المتشددين تذمرها من بطء العملية. وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، انتقد هؤلاء السلطات الجديدة ووصفوها بأنها غير إسلامية، بسبب عدم تطبيق الشريعة، ولقاءاتها مع قادة غربيين يعارضونهم أيديولوجيًا.
وقال الشيخ الكويتي علي أبو الحسن، وهو مسؤول ديني سابق في جبهة النصرة، على قناته في "تلغرام" هذا الشهر "المهاجرون أصبحوا عبئًا على الجولاني، بعدما كانوا مصدر قوته... سيتخلص منهم ما إن يؤمّن بديلاً".
ويزيد من سخط المتشددين اعتقادهم بأن الشرع تعاون مع الولايات المتحدة وتركيا في استهداف خلايا تابعة لتنظيم الدولة والقاعدة عبر غارات جوية، بينما كان يعمل على ترسيخ سيطرة هيئة تحرير الشام، أولاً في إدلب ثم في دمشق.
وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في ديسمبر/كانون الأول "لقد ساعدونا كثيرًا... على مدى السنوات الماضية تعاونوا معنا في تقديم المعلومات الاستخباراتية".
وفي الشهر التالي، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن الحكومة السورية الجديدة استخدمت معلومات استخباراتية أميركية لإحباط مخطط لتنظيم الدولة كان يستهدف مقامًا دينيًا شيعيًا خارج دمشق.
وقال برودريك ماكدونالد، زميل باحث في كلية كينغز بلندن، والذي يركّز في عمله الميداني على المقاتلين الأجانب "نرى منشورات تقول إن صبرهم بدأ ينفذ. بعضهم يتحدث عن استعداده لقتال طاغية جديد". وأضاف "هم ينظرون إلى الوضع ويسألون: هل هذا ما قاتلنا من أجله طيلة 14 عامًا؟"
وفي مسجد داخل إدلب، وصف مقاتل أوروبي من فصيل حراس الدين المنحل، الشرع بأنه عدو لا يقل خطرًا عن الولايات المتحدة، وقال "هم يعطون إحداثياتنا للأميركان لقصفنا".
وفي الوقت الحالي، تتوخى الحكومة الحذر في أن تُظهر نفسها وكأنها تستهدف المقاتلين الذين ظلوا موالين لها، أو أن تثير غضب المتشددين الذين بدأوا يفقدون الأمل.
وقال جيروم دريفون "لا يريدون خيانتهم، لأنهم في النهاية لا يعرفون ما الذي قد يفعلونه. قد يختفون، أو ينضمون إلى جماعات أخرى، أو يبدؤون بإثارة العنف الطائفي، وقد تسوء الأمور أكثر".
وبدلًا من المواجهة، تحاول السلطات، وضع إرشادات واضحة لكيفية تصرف الأجانب. يُطلب منهم تجنب التحريض على العنف الطائفي أو السياسي، والامتناع عن الدعوة إلى شن هجمات على دول أخرى، بحسب دريفون.
كما تسعى حكومة الشرع إلى دمج معظم المقاتلين الأجانب ضمن الجيش الجديد للبلاد. يقول دريفون "الفكرة هي أن تضعهم داخل هيكل عسكري، ما يسهل السيطرة عليهم بهذه الطريقة". لكن التقدّم في هذا المجال كان بطيئًا.
وقد عيّن الشرع بالفعل ستة أجانب في مناصب عليا بوزارة الدفاع وهي خطوة قال الخبراء إنها تهدف إلى تحصينه من الانقلابات المحتملة، عبر وضع المناصب الأمنية، بما فيها قيادة الحرس الرئاسي، في أيدي موالين أجانب لا يملكون قاعدة سلطة مستقلة. لكن هذه التعيينات أثارت جدلًا واسعًا، سواء بين السوريين أو في العواصم الغربية.
ووفقًا لما نقلته وكالة رويترز، فقد أبلغت حكومة الشرع الإدارة الأميركية، في رسالة أُرسلت قبل عدة أسابيع من زيارة ترامب إلى السعودية، أنها أوقفت منح الرتب العسكرية العليا للأجانب، لكنها لم توضح ما إذا كانت الترقيات السابقة قد أُلغيت.
وفي بيان صدر في 24 مايو/أيار، أشاد توماس باراك، المبعوث الأميركي الجديد إلى سوريا، بحكومة الشرع، قائلًا إنها اتخذت "خطوات ملموسة" بشأن قضية المقاتلين الأجانب، دون أن يقدّم تفاصيل إضافية.
وعلّق برودريك ماكدونالد على ذلك قائلًا "لقد سار الشرع على هذا الخط الفاصل لفترة طويلة من أجل تحقيق التوازن بين جماهيره المختلفة... وهذا الآن اختبار كبير له".