الهجمة على النساء عنوان مستجدات الوضع السياسي في العراق

فثورة النساء تنجح حينما تبدأ بكنس جماعات الإطار والتيار والحشد. الجماعات تدرك جيدا هذه الحقيقة، لذلك تبارز بالتنافس على مذبح النساء.

في مقال لمايكل نايتس في أيار الماضي في مجلة (فورين افيرز- Foreign Affairs) القريبة من دوائر القرار الخارجي الاميركي، وصف حكومة السوداني، بانها حكومة دمية بيد ميليشيات الإسلام السياسي او تحالف التنسيقي الذي يقوده نوري المالكي الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامي ورئيس الوزراء السابق الذي سلم ثلث مساحة العراق في حزيران/يونيو من عام 2014 الى عصابات داعش بطيب خاطر، بالرغم الإشادة بالحكومة من قبل الادارة الاميركية وفرنسا وألمانيا.

الجميع يعرف بالعالم، ان العراق أسوأ بلد في تقديم الخدمات الى مواطنيه، وأن جواز سفره هو اسوأ ثالث جواز في العالم الى جانب سوريا وافغانستان، ويتقدم في سلم الفساد الى المراتب المتقدمة في العالم حسب مرصد منظمة الشفافية الدولية اذ يحتل مركز 149 من أصل 163 دولة في العالم، وتعتبر من الدول الفاشلة في العالم، حسب تعريف "الدولة" في الأدبيات السياسية للنظام الرأسمالي العالمي والقاموس البرجوازي، وتعني بـ"الدولة الفاشلة" بأنها غير قادرة على حماية مواطنيها. أما البطالة تتجاوز 27% حسب ارقام وزارة التخطيط، في حين يصف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وصول نسبة البطالة في أي بلد الى أكثر من 6% يعني ان "السلم المجتمعي" يهدده خطر حقيقي. وفي خضم هذه الأرقام وهذه الأوضاع، تقف حكومة السوداني موقف المتفرج " المحايد" الذي ليس له القدرة على التصفيق لتشجيع أي طرف في الصراع الدائر بين ميليشيات التيار الصدري وتحالف الميليشيات الذي اسمه السياسي او الحركي الإطار التنسيقي، فالاستعراض العسكري للميليشيات وحرق السفارة السويدية وتعميم الفوضى وضرب ابراج الكهرباء كي يقطع التيار الكهربائي لأيام على غالبية مدن العراق حيث تتراوح درجات الحرارة بين 48-52 مئوية، هو المشهد الذي يلقي بظلاله على المجتمع.

بيد ان لهذا الصراع وكي يحسم لصالح طرف معين؛ كلا الطرفين يدركان ان مكانتهم الاجتماعية في حضيض، أي مكانة أيديولوجيتهم وانتمائهم السياسي إلى جماعات الإسلام السياسي، وفي نفس الوقت يعلمان بأنهما غير قادرين على انهاء الاخر او حسم السلطة بشكل نهائي، لذلك يتبارزان على المنافسة في إخفاء هويتهما وماهيتهما المتعفنة والرجعية والفاسدة من جهة، ومن جهة يحاولان وبنفس الآليات لتصدر المشهد عبر خنق الحريات والهجمة على النساء والمدنية في المجتمع.

وبعد الانتهاء من حملة "المحتوى الهابط"، أعلنت هذه المرة مسابقة جديدة وهي التطبيل والتزمير الأخير حول خطورة "الجندر" على المجتمع العراقي، وجاء إطلاق صافرة بدء المباراة في جامعة البصرة وهي تابعة لوزارة التعليم العالي التي تستوزرها ميليشيات عصائب اهل الحق الذي يرأسها قيس الخزعلي، وبعد ذلك لتجتاح مثل وباء كورونا وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ثم ظهور جماعات نكرة بأسماء مختلفة تابعة للميليشيات لتطلق تهديداتها ضد النساء، ثم القيام بالاستعراض العسكري للميليشيات، وقبل تلك الحملة كان التيار الصدري يحرق السفارة السويدية ويستعرض قوته ولكن تحت عنوان قريب لانتمائهم الأيديولوجي وهو "حرق القرآن".

إن خلط الأوراق هو تكتيك سياسي لهذه الجماعات من خلال افتعال قضايا ثانوية وتحويلها الى أوهام مشكلة اجتماعية كبيرة غير موجودة بالأساس مثل "الجندر" وقبله كان حرق القرآن والعلم العراقي، وهو تكتيك لتصدر المشهد السياسي وإعادة الإنتاج الاجتماعي لهذه الجماعات تحت يافطة الدفاع عن التقاليد الإسلامية وتقاليد المجتمع والأخلاق، وبالتالي إعادة البريق عبر القوة والقمع الى نفوذهم السياسي وسلطتهم المتأرجحة والحيلولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من اسلمة المجتمع.

الهجمة على النساء كانت دائما جزء اصلي من هوية جماعات الإسلام السياسي، واينما تحررت المرأة فلا مكان لتلك الجماعات، او كما يقول علماء البيئة وقد عبرنا عنها في مناسبات عديدة، عندما تجد نحل في مكان معين يعني ان نسبة التلوث في ذلك المكان قليلة او لا توجد بالمرة فهو بيئة نقية.

وفي العراق تتقدم حركة النساء ومنذ انتفاضة أكتوبر، ولذلك، بالرغم من الصراع الدائر بين التيار الصدري وجماعة الاطار التنسيقي على الانفراد بالسلطة من اجل النهب والسرقة، إلا أن استراتيجيتهما تتطابق، ففي الانتفاضة طالب مقتدى الصدر بالفصل بين النساء والرجال ونظم حملة أخلاقية ضد النساء والتشهير بهن في ساحات الانتفاضة، وفي نفس الوقت كانت الميليشيات التابعة لإيران التي تقف اليوم خلف حكومة السوداني تخطف النساء وتغتالهن.

أنهما يكرهان النساء، ولهما الحق، فثورة النساء تنجح حينما تبدأ بكنس هذه الجماعات، وتدرك جيدا هذه الحقيقة، لذلك يتبارزان بالتنافس على مذبح النساء.

حكومة السوداني تقف حائرة أمام كل هذه الأوضاع، وهي التي تؤيد جميع المواثيق الدولية التي تحرم العنف ضد النساء، وبوصلتها ضائعة، وهي تعكس حال المعادلة السياسية في العراق وتوازن القوى، فهي نشطة إعلاميا بـ التبجح حول حقوق الانسان ومكافحة الفساد والقضاء على الميليشيات، في حين تقف خائرة القوى أمام الميليشيات التي تهدد النساء بشكل خاص والمجتمع بشكل عام.

أي بعبارة أخرى، ما يحدث اليوم في العراق من هجمة شرسة على النساء وتحت عنوان "الجندر" يعكس واقع الازمة السياسية المتفاقمة في العراق، وقد تحدثنا مفصلا في مقال قبل ذلك عن "الوضع السياسي في العراق في مرآة قانون الموازنة" وتحاول القوى الإسلامية بسلطتها ومعارضيها، عن طريق هذه الهجمة بحرف الأنظار عن ازمتها السياسية وتسويق تصوير خادع وكاذب لطمس الصراع المتفاقم بين أجنحة العملية السياسية وخاصة بين اطراف الإسلام السياسي الشيعي، وعلى الصعيد الإقليمي تشعر هذه الجماعات بتهديد حقيقي على نفوذها، فالتموضع الأميركي الجديد الذي بدأ يحاول اخذ زمام المبادرة بنشر قوات جديدة في منطقة الخليج وزيادة عديد قواته في المنطقة تحت يافطة حماية أمن الخليج من الإرهاب الإيراني، وتشكيل قوة ميليشياتية جديدة في سوريا من العشائر وقسد للحيلولة دون تأهيل نظام بشار الأسد المدعوم بقوات عسكرية على الأرض من إيران وروسيا، وفرض عقوبات على 12 بنكا عراقيا بتهمة غسيل الأموال وتهريبها الى ايران وتنامي الدور الإقليمي السعودي.

وكذلك الهجمة على النساء لا يقتصر على العراق، بل تزامن أيضا في لبنان وفي اليمن، وفي ايران بدأت تطلق الحكومة الإيرانية تهديداتها من جديد ضد النساء غير المحجبات بعد ان خرستْ وبلعت لسانها ولجمت ميليشياتها على اثر الهبة الجماهيرية جراء قتل مهسا اميني ورفع شعار "المرأة، الحياة، الحرية"، أي ما يجري في العراق جزء من حملة منظمة إقليميا وتعكس حال مكانة الإسلام السياسي الشيعي ووضعها السياسي، إلا أنه في العراق يأخذ طابعا اخر كما اشرنا بسبب أوضاعه السياسية.

في العراق، فجماعات الإسلام السياسي الشيعي والسني، الجعفري والقاعدة وداعش، لها تجربة مريرة مع المجتمع لإرساء مشروعهم، فمنذ غزو واحتلال العراق وتسليمه الى الأحزاب والقوى الإسلامية التي تربعت على السلطة منذ ذلك اليوم، وقبله كانت هناك حملة ايمانية لنظام صدام حسين، فشل الإسلام السياسي من تحويل المجتمع العراقي الى قندهار طالبان، بالرغم من كل عمليات القتل والتصفيات الجسدية والصيحات في المساجد والجوامع وتهديدات الميليشيات وتخصيص فضائيات لتأليه وتخليد دونية المرأة، واستغلال المناسبات الدينية لتحميق المجتمع وتشريع وسن القوانين المعادية للنساء، إلا أن الحركة التحررية في المجتمع تضرب جذورها في عمق الأرض وفي التاريخ الحديث للنشوء الدولة العراقية الحديثة.

وأخيرا علينا كتحرريين وتقدمين أن نفضح تكتيكات وسياسات هذه الجماعات ونكشف الحقيقة امام المجتمع، وعليهم ان يفهموا ان الإسلام السياسي كمشروع سياسي اصبح منتهي الصلاحية او كما تكتب على علب المواد الغذائية (Expire)، وان كل هذه الأعمال التي يقومون بها هي من أجل نفخ الروح في جسد ليس فيه روح، وكما يُقال، إن إكرام الميت دفنه.