اليوبيل الماسي للإعلان العالمي لحقوق الانسان

يعيش العالم اليوم بعد خمس وسبعين عاما من بزوغ اسمى ميثاق انساني في متاهات لا حصر لها ولا افق واضخ لمحددات مواجهتها والتخلص منها.

احتفلت الأمم المتحدة في العاشر من يناير/كانون الأول بأيقونة المواثيق التي تفاخر برعايتها منذ خمس وسبعين عاما، وهي التي انشـأـت لجنة خاصة برعاية جمعيتها العامة لتواكب عن كثب كل ما يتصل بقضايا حقوق الانسان عالميا ووطنيا، حتى باتت لهذه اللجنة أيضا لجان فرعية تهتم بالتفاصيل الكثيرة التي تنشأ. ورغم ذلك الاهتمام يثار السؤال حول فعالية العمل والمتابعة المنبثقة عن اعلان يعتبر الأكثر اهتماما بين المواثيق الدولية.

فالميثاق يحمل في ثنايا مواده الثلاثين اطارا شاملا لمختلف المجالات التي تحيط بحياة البشر ومستلزماتها في العيش الكريم، بدءا من حق الحياة مرورا بالحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية، وصولا الى متفرعات تكاد لا تحصى، وهي مشمولة في سبعين اتفاقية دولية شارعة تنظم كل شاردة وواردة في القضايا ذات الصلة، والمترجمة الى 500 لغة، علاوة على برامج إعلامية تشمل مؤتمرات ومتابعات دولية في مختلف بقاع العالم.

والامر لم يقصر على ذلك الكم الهائل من ضخامة الأدوات وآليات المتابعة، ليتم انشاء مجلس حقوق الانسان الذي أُتبع الى الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد جدل كبير حول إمكانية ابقائه كجهاز مستقل على قدم المساوة مع الأجهزة الرئيسة للأمم المتحدة كمجلس الامن ومحكمة العدل الدولية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ورغم تبعيته للجمعية العامة ظل هذا المجلس متسما بطابع خاص لامس آليات المحاكم الدولية في بعض اوجهها، لكنه لم يصل الى مصاف المؤسسات القضائية الدولية بفعل تسييس عمله وعدم قدرته على الانفصال عن بيئة الضغوط التي تمارس عادة في مثل تلك المؤسسات.

اذن، رغم الإحاطة الواسعة بقضايا حقوق الانسان، لم تصل المجتمعات الدولية الى الوضع الأمثل الذي رسمته تلك البيئات القانونية رفيعة المستوى، بخاصة ان الإعلان نفسه وما نشأ عنه، استند في الأساس الى اعلانين مهمين رياديين في هذا المجال، هما المبادئ الواردة في إعلان استقلال الولايات المتحدة عام 1776، وإعلان فرنسا لحقوق الإنسان والمواطن عام 1789؛ اذ لا زالت الشعوب والمجتمعات تعاني من ظروف قاسية جدا يصل بعضها في الالفية الثالثة الى ظروف اشبه بالعبودية، ذلك حتى في بعض المجتمعات التي تعتبر نفسها متقدمة ووصلت في كثير من جوانب حكمها وحياتها لمرحلة الرفاهية، الا ان التدقيق في كثير من الجوانب يثبت عكس ذلك.

اليوم تعاني البشرية من اضمحلال وسائل العيش الكريم وحق الحياة بمستويات لائقة، بل لا زالت كثير من المجتمعات تسجل حالات عوز وفقر ومرض، ما ذهب بها شظف الحياة الى سلوكيات اخطر من أسبابها وتمظهرت بالعنف والقتل والإرهاب وغيرها من المظاهر التي حاولت مواثيق حقوق الانسان محاربتها ومكافحتها.

والأخطر من ذلك، تداعيات التذمر والاحتجاجات في بعض المجتمعات التي استغلت بشكل خاطئ، حيث كانت التدخلات الخارجية مثلا لحماية المجتمعات والشعوب غير موفقة، وتركت تداعيات سلبية كبيرة تفوق بأحجامها وانواعها ما تعاني منه هذه الشعوب، بل بات بعضها يتحسر على ظروفه السابقة بالنظر لسوء ما وصلت به أوضاعه وسلوكياته.

يعيش العالم اليوم بعد خمس وسبعين عاما من بزوغ اسمى ميثاق انساني، في متاهات لا حصر لها ولا افق واضخ لمحددات مواجهتها والتخلص منها، وثمة من يقول اننا بحاجة لمقاربات مختلفة فيها الكثير من الواقعية والابتعاد عن عالم المثل التي غاصت بها تلك المواثيق ولم تتمكن من تحقيق القليل القليل مما تطمح له البشرية. وايا يكن الامر فان اليوبيل الماسي للإعلان ينبغي ان يشكل حافزا مركزيا لايجاد طرق بديلة لتجاوز تلك المعاناة التي باتت لا تطاق في كثير من المجتمعات في الدول حتى الغنية قبل الفقيرة، ما يجعلنا فعلا امام تحديات كبيرة ينبغي مواجهتها قبل فوات الاوان.