انتهاكات إيران النووية تنتقل من فوق الأرض إلى تحتها

تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية يكشف أن طهران نقلت سلسلة من أجهزة الطرد المركزي المتطورة في محطة فوق الأرض إلى أخرى رئيسية لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض في أحدث انتهاك للاتفاق النووي.
إيران توتر العلاقة مع الرئيس الأميركي الجديد قبل أن يتولى مهامه
كل السيناريوهات مطروحة للردّ على إيران في ما تبقى من حكم ترامب
إيران تعلق آمالا كبرى على ساكن البيت الأبيض الجديد للخروج من مأزق العقوبات
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تطالب إيران بتوضيحات حول موقع نووي أثار شبهات

فيينا - كشف تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران انتهت من نقل أول سلسلة من أجهزة الطرد المركزي المتطورة في محطة فوق الأرض بموقعها الرئيسي لتخصيب اليورانيوم إلى أخرى تحت الأرض في انتهاك جديد لاتفاقها النووي مع القوى الكبرى.

وجاء نقل الأجهزة للمحطة تحت الأرض والتي شُيدت في ما يبدو لتحمل القصف الجوي عقب إحراق ورشة لتصنيع أجهزة الطرد المركزي فوق الأرض في نطنز في يوليو/تموز، فيما وصفته طهران بأنه عمل تخريبي. وكشف التقرير كذلك عن إنتاج إيران من اليورانيوم المخصب.

وهذه الخطوة هي أحدث إجراء ضمن أخرى عديدة اتخذتها إيران لخرقها عمدا الاتفاق الذي أبرمته مع القوى الكبرى عام 2015 ردا على انسحاب واشنطن منه في 2018 ومعاودتها فرض عقوبات على طهران. وينص الاتفاق على عدم إمكانية استخدامها إلا الجيل الأول من أجهزة آي.آر-1.

وقال دبلوماسي كبير "انتهوا من تركيب السلاسل الثلاث وبدؤوا تركيب سلسلة أخرى"، مضيفا أن هذه الأجهزة الأكثر كفاءة وإنتاجا لم تعمل بعد. والسلسلة هي مجموعة متصلة من أجهزة الطرد المركزي.

ويبلغ مخزون إيران من اليورانيوم منخفض التخصيب حاليا 2.4 طن وهو ما يتجاوز بكثير الحد الأقصى الذي ينص عليه الاتفاق وهو 202.8 كيلوغرام.

وكانت طهران قد أبلغت وكالة الطاقة الذرية في وقت سابق بأنها ستنقل ثلاث مجموعات من أجهزة تخصيب اليورانيوم من محطة تجريبية فوق الأرض في موقع نطنز النووي إلى محطة تحت الأرض.

كمية اليورانيوم منخفض التخصيب الآن 12 ضعف الحد المسموح به
كمية اليورانيوم منخفض التخصيب الآن 12 ضعف الحد المسموح به

وذكر التقرير اليوم الأربعاء أن إيران قامت بتركيب وتوصيل سلسلة من أجهزة الطرد المركزي من طراز آي.آر-2إم لكنها لم تُغذ السلسلة بغاز سادس فلوريد اليورانيوم، وهو المادة الأولية لأجهزة الطرد المركزي.

وأشار التقرير إلى أن الجمهورية الإسلامية بدأت تركيب سلسلة أجهزة طرد مركزي من طراز آي.آر-4 في المحطة تحت الأرض لكن ليس السلسلة الثالثة من طراز آي.آر-6.

ويستهدف اتفاق 2015 تمديد الوقت الذي ستحتاجه إيران لإنتاج ما يكفي من المادة الانشطارية اللازمة لإنتاج قنبلة إذا اختارت فعل ذلك إلى عام على الأقل بدلا من شهرين إلى ثلاثة حاليا.

وذكر التقرير أن إيران أبلغت الوكالة بأنها تستهدف في نهاية المطاف "تركيز" جميع أنشطتها للتخصيب والتطوير وهو مصطلح يشير عادة إلى أجهزة الطرد المركزي المتطورة، في منطقة محطة التخصيب تحت الأرض.

ويأتي الكشف عن أحدث الانتهاكات الإيرانية بينما تعلق طهران آمالا كبيرة على الإدارة الأميركية الجديدة بعد اعلان فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية لينهي بذلك عهد الرئيس الجمهوري دونالد ترامب الذي أقرّ سياسة الضغوط القصوى على الجمهورية الإسلامية منذ انسحابه في مايو/ايار 2018 من الاتفاق النووي للعام 2015  وأعاد فرض عقوبات قاسية على إيران لكبح أنشطتها النووية والصاروخية وأنشطتها التخريبية في المنطقة.

وتحاول إيران عكس الهجوم بممارسة ضغوط على الشركاء الدوليين في الاتفاق النووي، وذلك بالتراجع عن التزاماتها النووية.

لكن لايزال أمام ترامب حتى يناير/كانون الثاني 2021 لمغادرة البيت الأبيض ما لم تطرأ مفاجآت في الطعون الانتخابية التي قدمها فريقه.

وخلال الفترة المفترضة لبقائه رئيسا للولايات المتحدة يمكن للرئيس الأميركي المنتهية ولايته أن يتخذ حزمة من العقوبات أشد قسوة وقد حصن العقوبات التي اقرّها على إيران قانونيا، بحيث يحتاج أي رئيس سيخلفه في المنصب إلى قانون جديد لإلغاء الاجراءات العقابية.

ولايزال الجمهوريون يسيطرون على مجلس الشيوخ بينما يسيطر الديمقراطيون على مجلس النواب.

ومن شأن الانتهاكات النووية الإيرانية الجديدة أن تعقد مهمة ساكن البيت الأبيض الجديد في حال اختار مسارا مخالفا لمسار الضغوط القصوى التي انتهجها سلفه.

وكان بايدن نائبا للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما حين وقع الأخير على الاتفاق النووي للعام 2015 إلى جانب القوى الكبرى (فرنسا وألمانيا وبريطانيا وروسيا والصين).

وأبدت الإدارة الديمقراطية السابقة نهجا ليّنا في التعاطي مع الملف النووي الإيراني لجلب طهران لطاولة المفاوضات إلى أن تم بالفعل بعد جولات من المحادثات التوصل للاتفاق التاريخي الذي اعتبره ترامب لاحقا "اتفاقا كارثيا".

وطلبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إيران تقديم توضيحات حول موقع نووي أثار لديها شبهات، معتبرة أنّ المعلومات التي تلقتها بشأنه "تفتقر للمصداقية من الناحية التقنية".

وبعد عدة أشهر من التمنع، أبدت طهران تعاونا من خلال السماح للمفتشين في سبتمبر/أيلول بالوصول إلى موقعين يشتبه في أنهما شهدا في الماضي أنشطة نووية غير مصرح عنها.

ولم تتوفر بعد نتائج التحليلات حول الموقعين اللذين أخذت منهما عينات في سبتمبر، لكن موقعا ثالثا يثير تساؤلات وهو الذي أشارت إليه الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريرها.

اسرائيل اتهمت ايران في السابق بأن لها انشطة نووية سرية
اسرائيل اتهمت ايران في السابق بأن لها انشطة نووية سرية

وجاء في التقرير أنه على الرغم من تقديم السلطات الإيرانية بعض المعلومات حول الموقع "أبلغت الوكالة إيران أنها لا زالت تعتبر أن الرد الإيراني يفتقر للمصداقية من الناحية التقنية".

وأعربت وكالة الأمم المتحدة عن أسفها "للوقت الضائع"، مطالبة "بتفسيرات كاملة وسريعة من إيران بشأن وجود جزيئات يورانيوم بشرية المنشأ (ناتجة عن أنشطة بشرية) في موقع غير معلن".

وفي حين لم تحدد الوكالة في تقريرها الموقع المذكور، أشارت مصادر دبلوماسية إلى أنه يقع في منطقة تورقوزآباد في طهران. وكانت إسرائيل قد اتّهمت إيران بممارسة أنشطة ذرية سرية فيه.

وكان المدير العام للوكالة رافايل غروسي قد أعرب بالفعل عن قلقه في مارس//آذار بشأن هذا الموضوع بقوله إن "العثور على أثر لليورانيوم أمر مهم للغاية، فهذا يعني أن هناك إمكانية لأنشطة ومواد نووية لا تخضع للمراقبة الدولية ولا نعرف مصدرها أو مصيرها".

وتستمر طهران أيضا في تكديس اليورانيوم وإن تباطأت وتيرة ذلك بشكل طفيف، فقد تجاوزت كمية اليورانيوم منخفض التخصيب الآن 12 ضعف الحد المسموح به وفق الاتفاق النووي المبرم مع الدول الكبرى في عام 2015، وفقا للتقرير.

في 2 نوفمبر/تشرين الثاني، وصلت الكمية إلى 2442.9 كيلوغراما مقابل الحد المسموح به البالغ 202.8 كيلوغرام (أو 300 كيلوغرام من مكافئ سداسي فلوريد اليورانيوم). وفي التقرير السابق الذي يعود إلى شهر سبتمبر/ايلول، كان هذا المخزون 2105.4 كيلوغرامات.

وهكذا، تواصل إيران إنتاج اليورانيوم ردا على الانسحاب الأميركي من الاتفاقية الموقعة عام 2015 في فيينا وإعادة إدارة دونالد ترامب فرض وتشديد العقوبات التي أغرقت البلاد في ركود عميق.

وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن انتخاب جو بايدن يوفر للولايات المتحدة إمكانية "التعويض" عن "أخطائها الماضية".

وأضاف الأربعاء أن "هدفنا رفع ضغط العقوبات عن كاهل شعبنا. كلما سنحت فرصة مناسبة، سنتصرف بناء على مسؤولياتنا. لا يجب على أحد أن يفوّت أي فرصة".

وفي حال رفع العقوبات، وفقط في هذه الحالة، وعدت إيران بالعودة إلى الوفاء بالتزاماتها التي تعهدت بها بموجب اتفاقية 2015 التي تم التوصل إليها بعد سنوات من المفاوضات الشاقة.

ومنذ انسحاب الولايات المتحدة منها في عام 2018، باتت الاتفاقية معلقة بخيط رفيع فيما يتمسك بها الأوروبيون الموقعون عليها وهم ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إلى جانب روسيا والصين.

وتتجه كل الأنظار الآن نحو رئيس الولايات المتحدة المنتخب جو بايدن الذي وعد "بتغيير المسار" بعد حملة "الضغوط القصوى" التي مارسها دونالد ترامب الذي اتهمه بايدن بأنه ساهم في جعل "إيران أقرب إلى القنبلة الذرية".

وقال غروسي في تصريحات نقلتها الصحافة النمساوية في أكتوبر/تشرين الأول إن "كمية اليورانيوم المخصب تتزايد شهرا بعد شهر"، لكنه أضاف أن هذا المخزون "أقل بكثير" مما كان عليه في عام 2015، مشيرا إلى أن إيران ليس لديها في هذه المرحلة الوسائل اللازمة لتصنيع القنبلة.

وردا على سؤال إن كان سيمثل انتخاب جو بايدن "قفزة دبلوماسية"، قال مصدر دبلوماسي في فيينا إنه "سيكون من المثير للاهتمام أن نرى" ما سيكون عليه موقف البعثة الأميركية خلال اجتماع مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية المقرر عقده الأسبوع المقبل.

لكنه حذر من الإفراط في الحماس، قائلا إن الأمر يحتاج إلى "بعض الوقت" قبل أن يحدث "تغيير كامل للوضع ... هناك عدد كبير من الإجراءات القانونية التي يتعين على الإدارة الأميركية أن ترفعها".

كما أن الفترة المؤاتية ستكون قصيرة لأن أقل من خمسة أشهر ستفصل تنصيب جو بايدن في 20 يناير/كانون الثاني عن الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 18 يونيو/حزيران وهو ما قد يعني، وفق ما يقول مراقبون، نهاية تحالف الإصلاحيين والمعتدلين الذي تشكل حول روحاني.