انسحاب أميركي من مجلس حقوق الإنسان في سابقة عالمية

الولايات المتحدة تنسحب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بسبب ما وصفته بالتحيز المزمن ضد إسرائيل وغياب الإصلاح.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرحب بالقرار الأميركي
الولايات المتحدة توفر الحماية لإسرائيل منذ أمد بعيد في الأمم المتحدة
واشنطن تضغط من أجل تسهيل طرد الدول ذات السجل السيئ في مجال حقوق الإنسان

واشنطن - انسحبت الولايات المتحدة الثلاثاء من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بسبب ما وصفته بالتحيز المزمن ضد إسرائيل وغياب الإصلاح، وهو تحرك حذر نشطاء من أنه قد يجعل تعزيز حقوق الإنسان على مستوى العالم أكثر صعوبة.

وأعلنت السفيرة الأميركية بالمنظمة الدولية نيكي هيلي قرار الانسحاب بينما كانت واقفة إلى جانب وزير الخارجية مايك بومبيو بمقر الوزارة في واشنطن.

وانتقدت هيلي روسيا والصين وكوبا ومصر لعرقلتها الجهود الأميركية الرامية لإصلاح المجلس "المنافق والأناني". وانتقدت كذلك الدول التي تشارك الولايات المتحدة القيم والتي حثت واشنطن على البقاء لكنها "لم تكن راغبة في تحدي الوضع الراهن بجدية".

وانسحاب واشنطن هو أحدث رفض أميركي للتواصل المتعدد الأطراف بعد انسحابها من اتفاقية باريس للمناخ والاتفاق مع القوى الكبرى بشأن برنامج إيران النووي لعام 2015.

ويأتي كذلك في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة انتقادات شديدة لاحتجازها أطفالا جرى فصلهم عن آبائهم المهاجرين عند الحدود المكسيكية الأميركية. ووصف الأمير زيد رعد بن الحسين مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان هذه السياسة الاثنين بأنها "غير رحيمة".

وقالت هيلي "انظروا إلى عضوية المجلس فسترون ازدراء مروعا للحقوق الأساسية"، مستشهدة بفنزويلا والصين وكوبا وجمهورية الكونجو الديمقراطية. ولم تذكر السعودية التي ضغطت جماعات حقوقية من أجل تعليق عضويتها في 2016 بسبب مقتل مدنيين في حرب اليمن.

ومن بين الإصلاحات التي كانت تضغط الولايات المتحدة من أجل تبنيها تسهيل طرد الدول ذات السجل السيئ في مجال حقوق الإنسان. ويلزم حاليا تصويت بأغلبية الثلثين في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تضم 193 دولة لتعليق عضوية إحدى الدول.

كما قالت هيلي "التركيز غير المتناسب على إسرائيل والعداء الذي لا ينتهي تجاهها دليل واضح على أن المجلس يحركه التحيز السياسي وليس حقوق الإنسان".

ورحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالقرار الأميركي.

وتوفر الولايات المتحدة الحماية لحليفتها إسرائيل منذ أمد بعيد في الأمم المتحدة. وباستشهادها في قرار انسحابها بما تقول إنه تحيز ضد إسرائيل، فإن إدارة الرئيس دونالد ترامب قد تزيد من حجج الفلسطينيين بأن واشنطن لا يمكن أن تكون وسيطا محايدا بينما تستعد لطرح خطة سلام للشرق الأوسط. ونقلت واشنطن أيضا سفارتها من تل أبيب إلى القدس بعد اعترافها بها عاصمة لإسرائيل في مخالفة لسياسية أميركية متبعة منذ عقود.

والولايات المتحدة حاليا في منتصف فترة عضوية مدتها ثلاث سنوات في المجلس الذي مقره جنيف ويضم 47 عضوا والذي لطالما هددت بالانسحاب منه إذا لم يتم إصلاحه.

"سياسة مضللة"

وتنتقد الجماعات الحقوقية إدارة ترامب لعدم جعلها حقوق الإنسان أولوية في سياستها الخارجية. ويقول منتقدون إن هذا يبعث برسالة مفادها أن الإدارة تغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في بعض بقاع العالم.

وقال الأمير زيد بعد أن أعلنت هيلي انسحاب الولايات المتحدة من المجلس "في عالم اليوم كان على الولايات المتحدة أن تعزز (مشاركتها) لا أن تنسحب". وقال بومبيو "مجلس حقوق الإنسان يمكن من الانتهاكات بإعفاء المخالفين من المسؤولية من خلال الصمت وبالتنديد دون وجه حق بمن لم يرتكبوا جرما".

ويقول دبلوماسيون إن الانسحاب الأميركي قد يقوي شوكة دول مثل كوبا وروسيا ومصر وباكستان التي تقاوم ما تراه تدخل الأمم المتحدة في قضايا سيادية. وذكرت هيلي أن الانسحاب ليس "تراجعا عن التزاماتنا بشأن حقوق الإنسان".

أول عضو ينسحب من المجلس

وحذرت 12 جماعة حقوقية وإغاثية، منها هيومن رايتس فيرست وأنقذوا الأطفال وكير، بومبيو من أن انسحاب واشنطن "سيجعل من الصعب تعزيز أولويات حقوق الإنسان ومساعدة ضحايا الانتهاكات حول العالم".

وقال جميل دكوار مدير برنامج حقوق الإنسان بالاتحاد الأميركي للحريات المدنية إن اتباع ترامب "سياسة الانعزالية المضللة إنما يضر المصالح الأمريكية فحسب".

كما قال الاتحاد الأوروبي إن القرار الأميركي "يجازف بتقويض دور الولايات المتحدة كمدافعة عن الديمقراطية وداعمة لها على الساحة العالمية". وقال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون إن الانسحاب مؤسف وإن المجلس "أفضل أداة لدى المجتمع الدولي للتصدي للإفلات من العقاب".

أول عضو ينسحب

يجتمع مجلس حقوق الإنسان ثلاث مرات في العام لبحث الانتهاكات الحقوقية في أنحاء العالم. وكلف محققين مستقلين ببحث الأوضاع في دول منها سوريا وكوريا الشمالية وميانمار وجنوب السودان. وقرارته ليست ملزمة قانونا لكنها تحمل سلطة أخلاقية.

وعندما أنشئ المجلس عام 2006 قاطعته إدارة الرئيس الأميركي آنذاك جورج دبليو بوش. وفي عهد الرئيس باراك أوباما انتخبت الجمعية العامة للأمم المتحدة الولايات المتحدة في المجلس لدورتين متتالتين وهو حد أقصى للدورات المتتالية. وبعد غياب عام، انتخبت واشنطن مجددا في 2016 لفترتها الثالثة الحالية.

وقال مسؤولو الأمم المتحدة إن الولايات المتحدة ستكون أول عضو ينسحب من المجلس.

وقالت هيلي قبل نحو عام إن واشنطن تراجع عضويتها في المجلس. ويضع المجلس على جدول أعماله بندا ثابتا يتعلق بالانتهاكات التي يشتبه بأنه إسرائيل ترتكبها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو بند تطالب واشنطن بحذفه.

وصوت المجلس الشهر الماضي لصالح إجراء تحقيق في سقوط قتلى في قطاع غزة واتهم إسرائيل بالاستخدام المفرط للقوة. وصوتت الولايات المتحدة واستراليا وحدهما "بلا".

وقال كين روث المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش "مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يلعب دورا مهما في دول مثل كوريا الشمالية وسوريا وميانمار وجنوب السودان، لكن كل ما يهتم به ترامب فيما يبدو هو الدفاع عن إسرائيل".