
انسحاب قوة 'برخان' يطلق العنان لداعش في شمال شرق مالي
باماكو - ترك انسحاب قوة عملية برخان الفرنسية من مالي هامش مناورة كبير لتنظيم الدولة الإسلامية بعد أن كان قد تعرض لنكسات ميدانية في العامين الماضيين، حيث تفيد الأنباء بأن التنظيم المتطرف عاد بقوة لتوسيع نطاق نفوذه وشن هجمات دموية في شمال شرق البلاد في ما يعرف بالمثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو وسط أنباء عن وقوع مذابح بحق المدنيين وعمليات انتقامية ونهب وحرق للممتلكات.
وتشهد مالي منذ أيام حالة من الاضطراب الأمني على خلفية مواجهات ضارية بين القوات النظامية وجماعات مسلحة موالية لها من جهة وبين جهاديين من جهة ثانية في المثلث الحدودي، فيما تأتي هذه التطورات بينما تشهد دول مجاورة تصاعدا لعنف الجماعات المتطرفة.
وشنت الجماعات المسلحة والجيش المالي هجوما على الجهاديين لاستعادة مدينة على الحدود مع النيجر، لكن المنطقة بأكملها تعد مسرحا لأعمال عنف منذ أسابيع يدفع المدنيون بسببها ثمنا باهظا.
وتعتبر معركة الأيام الماضية للسيطرة على أنديرامبوكاني حيث كان الجهاديون ينشطون بحرية، أحد جوانب التدهور الأمني الخطير الذي تحدثت عنه جهات مختلفة حول ميناكا (شمال شرق) وفي المنطقة المضطربة المعروفة باسم المثلث الحدودي.
وأصبح جزء كبير من المنطقة في محيط ميناكا تحت سيطرة الجماعات المبايعة لتنظيم الدولة الإسلامية والتي تسعى لفرض قوانينها على السكان، وفقا للمصدر نفسه.
وتتزامن هذه الأعمال العدائية مع الانسحاب العسكري الذي تنفذه فرنسا وحلفاؤها الأوروبيون بطلب من المجلس العسكري الحاكم، الذي عدل بوصلته صوب روسيا.
وخلال أيام، دارت معارك بين القوات النظامية والجماعات المسلحة المحلية خاصة الطوارق مع الجهاديين للسيطرة على أنديرامبوكاني، حسب ما أفادوا على مواقع التواصل الاجتماعي. ومن الصعب حاليا القول من تغلب على الأرض.
لكن المعلومات الشحيحة الواردة من هذه المنطقة الضخمة النائية التي لا يمكن الوصول إليها جراء انعدام الأمن والمقطوعة عن شبكات الاتصالات، تفيد عن مقتل مئات المدنيين وآلاف النازحين في الأشهر الماضية في منطقتي ميناكا وغاو غربا.
وتتحدث المعلومات أيضا عن اشتباكات بين المقاتلين وأيضا عن وقوع مذابح. والمدنيون في مرمى النيران ويقتلون للاشتباه في انحيازهم للعدو ويتعرضون للخطف أو يحرمون من سبل عيشهم بسبب الدمار، فيما أفادت الأمم المتحدة بتصاعد الأعمال الانتقامية من قبل الطوارق ضد الفولاني المتهمين بمساعدة الجهاديين.
واعتبر رئيس بعثة الأمم المتحدة في مالي القاسم واني أثناء زيارته لميناكا في 31 مايو/ايار أن "الوضع مأساوي للغاية".

وقال عبدالوهاب آغ أحمد محمد رئيس سلطات ميناكا المؤقتة عبر الهاتف إن "جزءا كبيرا من منطقة ميناكا يخضع الآن لسيطرة الجهاديين".
وقال موسى أغ أشاراتوماني زعيم حركة إنقاذ أزواد إحدى الجماعات التي تقاتل الجهاديين إن "عدة مئات من المدنيين قتلوا ونزح ما بين 20 و30 ألف شخص في الفترة الممتدة بين مارس (اذار) مايو (ايار)".
وأفاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقريره الأخير بأن القتال في دائرة أنديرامبوكاني "أسفر بحسب بعض التقارير عن مقتل مئات المدنيين ونهب وإحراق محلات تجارية ومركبات وتخريب شبكات الهاتف". وبحسب تقديراته، تسبب العنف في فرار نحو 32 ألف شخص.
ويبدو أن مدينة أنديرامبوكاني المضطربة التي يبلغ عدد سكانها 20 ألف نسمة، هي نقطة ساخنة. وكان الجيش المالي قد ابتعد عن المدينة نهاية عام 2019 عندما أعاد تموضعه في مواجهة تصاعد الهجمات الجهادية الدامية.
وأعلن تحالف يضم مجموعات موالية السبت أنه استعاد "السيطرة الكاملة" على أنديرامبوكاني مع الجيش و "دحر" الجهاديين. ومنذ ذلك الحين، يبدو أن أنديرامبوكاني انتقلت من معسكر إلى آخر.
ولا يزال الضباط الكبار في السلطة متكتمين نسبيا بشأن الوضع في محيط ميناكا وغاو، بينما يتحدثون بانتظام عن "الفرار الجماعي" للجهاديين بسبب تكثيف العمليات.
وأكد مسؤول عسكري طلب عدم الكشف عن هويته أن "الدولة تدرك خطورة الوضع في منطقة ميناكا ويتم اتخاذ كافة الإجراءات لضمان عدم سقوط المنطقة بأيدي الجهاديين".
وتظاهر العشرات من سكان ميناكا الاثنين حاملين لافتات تندد بـ"الصمت أمام مذبحة المدنيين في ميناكا وغاو" وطالبوا بالمساعدة. كما طالبوا الدولة بإعادة نشر قواتها في القطاع.
وذكر الأمين العام للأمم المتحدة أن الحدود الثلاثة كانت "منطقة ذات أولوية" لعمليات برخان وحلفائها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، مشيرا إلى أنه في هذه المنطقة وفي مناطق أخرى، زاد عدد "الهجمات محددة الأهداف والعشوائية ضد المدنيين بشكل ملحوظ بعد الإعلان عن الانسحاب الوشيك للقوات الدولية".
ويقول عثمان ديالو الباحث في منظمة العفو الدولية في مالي إن الوضع "يعكس الواقع الجديد بشكل جيد". على الرغم من إرسال قوات مؤخرا إلى أنديرامبوكاني، فإن انسحاب قوة برخان "يترك هامش مناورة أكبر لتنظيم الدولة الإسلامية الذي مني بهزائم تكتيكية عديدة خلال العامين الماضيين"، مضيفا "لا يزال رد الحكومة غير متكافئ بعد ثلاثة أشهر من أولى الهجمات".