انفتاح عراقي على سوريا رغم الاعتراضات الداخلية

زيارة عزت الشابندر لدمشق ولقاؤه بالرئيس السوري تأتي في خضم جهود من قبل سوريا لتعزيز التعاون الإقليمي والدولي خاصة في مكافحة داعش ودعم الاستقرار الأمني.
الخطوة جزء من استراتيجية السوداني لتعزيز دور العراق كفاعل إقليمي متوازن
نجاح سوريا في فك عزلتها تدريجيا يشجع العراق على تعزيز التعاون معها

دمشق - في خضم رغبة واضحة من قبل الحكومة العراقية لتعزيز التعاون مع سوريا، زار المبعوث الخاص لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، عزت الشابندر، العاصمة دمشق، حيث التقى الرئيس السوري أحمد الشرع، في خطوة تعكس توجهاً عراقياً نحو مزيد من الانفتاح على سوريا الجديدة، رغم استمرار تحفظات بعض القوى السياسية العراقية، ولا سيما الموالية لطهران، على هذا المسار.
وتأتي هذه الزيارة وسط مؤشرات على استعادة سوريا لبعض من استقرارها الأمني والسياسي، بعد التغيرات الجذرية التي شهدتها البلاد في أواخر عام 2024، والتي أطاحت بنظام الرئيس السابق بشار الأسد. كما تأتي في سياق النجاحات التي حققتها السلطات السورية الجديدة في انهاء العقوبات الأميركية، فضلاً عن انخراطها المتزايد في جهود مكافحة تنظيم داعش، ما يجعلها شريكاً مهماً لبغداد في الملفات الأمنية والحدودية والاقتصادية.
وفي هذا الإطار، استقبل الرئيس السوري أحمد الشرع، يوم الاثنين، عزت الشابندر في قصر الشعب الرئاسي في العاصمة السورية، بحسب ما أعلنت رئاسة الجمهورية السورية عبر منصة "إكس"، دون الكشف عن تفاصيل إضافية بشأن فحوى اللقاء. من جهتها، لم تصدر الحكومة العراقية أي بيان رسمي بشأن الزيارة حتى الآن.

ويأتي اللقاء بعد سلسلة من الاتصالات والزيارات المتبادلة، أبرزها لقاء سابق جمع الشرع والسوداني في منتصف أبريل/نيسان الماضي، بوساطة قطرية، حيث تناول الطرفان آنذاك سبل تفعيل التعاون الثنائي، والتأكيد على الروابط التاريخية بين البلدين، في ظل تحولات إقليمية واسعة أعادت رسم المشهد السياسي في المنطقة.
وفي أواخر أبريل/نيسان، أرسلت بغداد وفداً أمنياً رفيع المستوى بقيادة رئيس جهاز المخابرات العراقي حميد الشطري إلى دمشق، لعقد مباحثات مع القيادة السورية الجديدة بشأن تأمين الحدود المشتركة ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى مناقشة ملفات إنسانية واقتصادية، وهو ما اعتبر مؤشراً على رغبة بغداد في توسيع إطار التعاون مع دمشق.
وفي ظل عودة سوريا إلى واجهة العمل الإقليمي والدولي بعد سنوات من العزلة، ترى الحكومة العراقية في دمشق شريكاً ضرورياً لتعزيز الاستقرار في المنطقة، خاصة مع التهديدات الأمنية المتواصلة على الحدود، واستمرار خطر تنظيم داعش في بعض الجيوب الممتدة على طول الشريط الحدودي بين البلدين.
وتُعد هذه الخطوات جزءاً من استراتيجية رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لتعزيز دور العراق كفاعل إقليمي متوازن، يسعى لبناء علاقات مستقرة مع جميع جيرانه، بمن فيهم سوريا الجديدة، رغم ما يواجهه هذا التوجه من معارضة داخلية.
فقد أبدت قوى سياسية عراقية موالية لإيران تحفظها على انفتاح بغداد على دمشق ما بعد الأسد، معتبرة أن التعاون مع القيادة السورية الجديدة لا يخدم مصالح المحور الذي تقوده طهران، والذي ظل لعقود يدعم نظام بشار الأسد، قبل سقوطه على يد فصائل معارضة نهاية عام 2024.
وبرغم هذه التحفظات، يؤكد السوداني في مناسبات مختلفة أهمية دعم الشعب السوري في خياراته، وتقديم المساندة لسوريا خلال المرحلة الانتقالية، خصوصاً فيما يتعلق بملفات الأمن والاقتصاد وعودة اللاجئين. وكان السوداني قد أجرى في الأول من نيسان/ أبريل الماضي أول اتصال هاتفي مع الرئيس السوري أحمد الشرع، أكد فيه وقوف بغداد إلى جانب الشعب السوري، ورفضها لأي تدخلات خارجية، بما في ذلك التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية.
ويبدو أن العراق ينظر إلى التحولات في دمشق كفرصة لإعادة بناء علاقات قائمة على المصالح المشتركة، بعيداً عن الاستقطابات السياسية التي طغت على المشهد في العقد الأخير. في هذا السياق، زار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بغداد في مارس/ آذار، حيث التقى مسؤولين عراقيين وشارك في القمة العربية التي استضافتها بغداد في مايو/ أيار الماضي، ما عزز من الحضور السوري في المحافل العربية بعد غياب طويل.
وفي تصريحات سابقة، شدد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين على أن "العراق لا يضع شروطاً مسبقة للتعامل مع القيادة السورية الجديدة"، مشيراً إلى أن "القرار النهائي في يد الشعب السوري"، في تأكيد على موقف بغداد الداعم لوحدة وسيادة سوريا، بمعزل عن الخلافات الإقليمية.
وبينما تتسارع التحولات السياسية في المنطقة، تواصل بغداد رسم خارطة تحالفاتها وفق مقاربة تقوم على البراغماتية والانفتاح، ويُنتظر أن تشهد العلاقات العراقية السورية مزيداً من التطور خلال الفترة المقبلة، بما يعكس واقعاً سياسياً جديداً في منطقة الشرق الأوسط، تحاول فيه الحكومات إعادة ضبط علاقاتها على أسس جديدة تراعي المصالح الوطنية والاستقرار الإقليمي.