انفتاح على حزب الله يفجر أزمة بين إخوان لبنان

النائب عن الجماعة الإسلامية في بيروت عماد الحوت يقود تمردا داخل التنظيم الاخواني رفضا لانعطافة تشهدها الجماعة منذ انتخاب أمينها العام الجديد محمد طقوش نحو علاقة مع جماعة نصرالله المدعومة من إيران.

بيروت - فجرت انعطافة الجماعة الإسلامية (السنّية) والتي تعتبر امتدادا لتيار الإخوان المسلمين في لبنان نحو علاقات أوثق مع حزب الله الشيعي، خلافات وتباينات تلامس حدّ التمرد، عبّر عنها بعض القادة في الجماعة التي تأسست بين نهايات الخمسينات ومطلع ستينات القرن الماضي على يد فتحي يكن وفيصل المولوي تأثرا بفكر حسن البنا وسيد قطب في مصر ومصطفى السباعي في سوريا والكتب المترجمة والمعربة لأبي الأعلى المودودي في باكستان.

والانفتاح على علاقات مع حزب الله يعكس في الوقت ذاته العلاقة الوثيقة بين حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية 'حماس' وهي أيضا امتداد لفكر جماعة الإخوان المسلمين المصرية في غزة والضفة الغربية، في التقاء ايديولوجي مربك يشقه اختلاف المذهب والولاء بحكم ارتباط الجماعة الشيعية اللبنانية بولاية الفقيه في إيران.

ومن بين القياديين في الجماعة الإسلامية اللبنانية الذي صرح علنا بابتعاد الجماعة عن قاعدتها الشعبية والتعرض لرقابة لصيقة على تحركاته وصلت حدّ الضيق، النائب عماد الحوت الذي قد يضطر في النهاية للاستقالة من التنظيم، في حين تقول مصادر أخرى إن "الاختلافات في وجهات النظر لا تزال تحت السيطرة".

وبحسب تقرير أوردته صحيفة 'الأخبار' اللبنانية المقربة من حزب الله، فإن التجارب على مرّ القيادات أظهرت أن الجماعة الإسلامية "ليست تنظيما حديديا"، ولكنها أيضا "ليست تنظيما كرتونيا"، مشيرة إلى أن 6 أشهر من انتخاب محمد طقوش على رأس الأمانة العامة للتنظيم كانت كافية لتأكيد قدرته على جسر هوة الخلافات بأقل كلفة ممكنة وجمع "الطوابق المتضاربة" داخل 'عائشة بكار' مقر الجماعة.

وأشارت الصحيفة اللبنانية إلى أنه يخوض معركة حزم في مواجهة الجيوب التي تعتزم التمرد، لكنه لم يفلح حتى الآن في القضاء عليها نهائيا.  

والمؤكد في خضم هذه التطورات أن التقارب مع حزب الله وهو أمر موضع خلاف مستمر داخل الجماعة، تسبب في هذا الشرخ وحركة التمرد التي بدأت تتشكل، في حين يواصل طقوش جهوده لرأب الصدع وكبح التمرد.

النائب عماد الحوت يبدو كمن لم يستوعب صدمة انفتاح الجماعة على حزب الله وهو المعروف بمواقفه المناهضة للجماعة الشيعية وهو الذي قال يوما "حزب الله يعاني من أزمة ضمير لأنه يمارس ما كانت تمارسه إسرائيل في الجنوب ويحتل جزءا من الأراضي السورية"، في تعليقه على تدخل حزب الله عسكريا في الحرب الأهلية السورية.

والحوت كما تقول "الأخبار" واحد من القيادات الاخوانية ممن لم يستوعبوا كيفية تنقل التنظيم من ضفة إلى أخرى بعد ما اشتد عود الجناح المحسوب على حركة حماس في الداخل والتي يبدو أنه كان لها تأثير على مواقف الجماعة، بينما ينفي البعض هذا الأمر معتبرين أن تأثير حماس في عدد من الملفات.

النائب عماد الحوت يرفض اي علاقة مع حزب الله
النائب عماد الحوت يرفض اي علاقة مع حزب الله

ويبدو أن الحوت كما تنقل عنه بعض المصادر أنه غير راض على الأداء السياسي للجماعة التي فوضته ليكون نائبا عنها في البرلمان اللبناني ما يلزمه بعدم الخروج سياسيا عن خط ورؤية التنظيم. كما لا يبدو أنه راض عن وضعه تحت الرقابة اللصيقة ومنعه من الإدلاء بتصريحات  قبل فحصها وتدقيقها وأن عمليات "ضبطه" أصبحت على المكشوف كما تقول 'الأخبار'.      

وتجلى ذلك علنا حين ذكّره قياديون في الجماعة وعلى مسامعه أنه تم اختياره لتمثيلها في المجلس النيابي رغم أنه لم يجتز اختبار الأرقام وأن "العقلانية فقط استدعت اختياره حتى لا تتأثر القاعدة الشعبية بالتباينات الحاصلة في الانتخابات ولا تتزعزع المؤسسات الداخليّة قبل انتخاب القيادة الجديدة".

وتقول الصحيفة اللبنانية إن الحوت يدرك أن "أموال حماس هي التي أبقت الجماعة واقفة على رجليها ومكّنته من أن يُنتخب نائبا عن بيروت. كلّ ذلك، يجعل منه (الحوت) أضعف من مقاومة مخرز القيادة".

وكانت قيادة الجماعة الإسلامية قد طلبت من عماد الحوت الانضباط سياسيا والالتزام بسقفها وأن "يصُفّ بالصف" بعيدا عن أرائه الشخصية لأنه يمثل حزبا في البرلمان ولا يمثل نفسه وعليه أن يعكس مواقف الجماعة وتوجهاتها.

وشكلت انعطافة الجماعة الإسلامية على علاقات مع حزب الله بوادر الأزمة وحركة التمرد الناشئة التي يسعى محمد طقوش لوأدها، بينما كانت كل مواقف الحوت في كفة وهذه المسألة في كفة أخرى إذ لم يقدر على 'هضم' هذا الانفتاح وهو المعرف بمواقفه المتشددة من الجماعة الشيعية.

وتقول مصادر إن ما يزعج الحوت أكثر هو تحول قيادة الجماعة لممارسة الإقصاء وكبت الآراء حدّ تكميم الأفواه والتضييق على تحركاته في خطوة تشير بوضوح إلى قصقصة الأجنحة داخل 'عائشة بكار'. ومن بين ما تعرض له منعه من المشاركة في مأدبة عشاء اقامها السفير السعودي لدى بيروت وليد بخار بعد اجتماع لدار الفتوى في سبتمبر/أيلول من العام الماضي ضمّ النواب السنّة.

واشتكى النائب الممثل للجماعة الإسلامية في مجالس مغلقة من تعرضه لمضايقات ومراقبة لصيقة لتحركاته، وفق مصادر قالت إنه بدأ يفكر في الاستقالة من الجماعة على اعتبار قناعته بأنه يمثل رأي القاعدة الشعبية للتنظيم.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت مسألة استقالة الحوت مطروحة بالفعل أم لا، لكن قيادات في الجماعة الاخوانية يقولون إن الأمر لم يطرح بعد من دون أن ينكروا وجود خلافات بين نائب بيروت والقيادة، مشددين على أن الخلافات لم تخرج عن السيطرة.

ويرجح كذلك أن الحوت يفكر في تأسيس حزب سياسي من رحم الجماعة وهي فكرة مطروحة حتى داخل التنظيم من عهد أمينه العام السابق الشيخ إبراهيم المصري (قاد الجماعة بين 2010 و2016)، لكن الفكرة لم تنضج بعد وسط محاذير سياسية وقيود داخلية.

وتقول 'الأخبار' اللبنانية، إن الجماعة الإسلامية ماضية بهدوء في انعطافتها نحو حزب الله دون أن يؤثر ذلك على قاعدتها الشعبية أو "الأجنحة المُعارضة النابتة في داخلها"، بينما لم تتردد بعد معلومات عن لقاء قريب بين الأمين العام للجماعة الشيخ محمد طقوش وأمين عام حزب الله حسن نصرالله، لكن ثمة ترتيبات جارية دون ضجيج وهو أمر يشير بوضوح إلى أن القنوات بين الجماعتين مشرعة.