اهتمام مصر بشراء دبابة 'لوكلير' الفرنسية يثير مخاوف إسرائيل
القدس - في خضم التصعيد المتواصل في قطاع غزة وتدهور العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، تتصاعد المخاوف الإسرائيلية من وتيرة التسلح المصري، وخاصة في ما يتعلق بتحديث القوات البرية وسلاح الدبابات، الذي ما زال يحتل موقعاً مركزياً في العقيدة العسكرية المصرية.
وأثار اهتمام القاهرة الأخير بالحصول على دبابات فرنسية متطورة من طراز "لوكلير" قلقاً ملحوظاً في الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية. واعتبرت وسائل إعلام عبرية أن مصر تُواصل تطوير "قوة الردع البرية" لديها بوتيرة غير مسبوقة، في وقت تشهد فيه المنطقة حالة من التوتر الشديد نتيجة استمرار الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة وتداعياتها الإقليمية.
وزيارة الفريق أحمد فتحي خليفة، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، مؤخراً إلى فرنسا، حيث تفقد أنظمة تسليح برية متقدمة برفقة نظيره الفرنسي، لم تمر مرور الكرام في تل أبيب. فبحسب موقع "نتسيف نت" العبري، المتخصص في الشأن الأمني، فإن الزيارة تُعد إشارة جديدة إلى ما وصفه بـ"التحول النوعي" في استراتيجية التسلح المصرية، والتي تضع في مقدمة أولوياتها تعزيز سلاح المدرعات والدبابات.
وكشف الموقع أن مصر أبدت اهتماماً خاصاً بالحصول على أحدث نسخة من دبابة "لوكلير" الفرنسية، المعروفة بقدراتها القتالية العالية وأنظمة الدفاع والتوجيه المتطورة، وهي خطوة تُقرأ إسرائيلياً كجزء من خطة أكبر تسعى القاهرة من خلالها إلى امتلاك جيل جديد من الدبابات، قادر على مواكبة تحديات العصر والاستعداد لسيناريوهات عسكرية معقدة في المنطقة.
المراقبون الإسرائيليون يرون أن المساعي المصرية لا تقتصر على فرنسا فقط، بل تتوزع بين عدد من الدول الكبرى في مجال الصناعات الدفاعية. فبالإضافة إلى الاهتمام الفرنسي، سبق لمصر أن أبدت رغبة في التزود بدبابة "كيه 2 بلاك بانثر" الكورية الجنوبية، ما يُظهر نهجاً واضحاً لتقليل الاعتماد على مصادر تقليدية للتسليح، وتنويع الشركاء الدوليين.
وفي هذا السياق، يشير تقرير "نتسيف نت" إلى أن القاهرة تضع شروطاً دقيقة في صفقاتها الدفاعية، وعلى رأسها نقل التكنولوجيا وإنشاء خطوط إنتاج محلية، ما يُسهم في تعزيز استقلالية منظومتها الدفاعية ويعكس التوجه الاستراتيجي نحو بناء قاعدة صناعية عسكرية محلية.
هذه التحركات تأتي في وقت حساس للغاية، إذ يلاحظ تصاعد التوتر المصري-الإسرائيلي على خلفية العدوان المستمر في غزة، وخصوصاً في ضوء الحشود العسكرية التي رصدت قرب الحدود المشتركة في سيناء. وقد أثار ذلك ردود فعل متباينة داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي باتت تنظر بعين القلق إلى ما تعتبره "تحولاً في الموقف المصري التقليدي" من الأحداث، وإمكانية ترجمة التوتر الدبلوماسي إلى استعدادات ميدانية.
وترى تحليلات إسرائيلية أن تركيز مصر على تحديث سلاح الدبابات لا يمكن فصله عن الحسابات الإقليمية، خاصة أن القوات البرية المصرية – بحسب المصادر ذاتها – هي الأضخم في المنطقة من حيث عدد المدرعات والدبابات، ما يجعل من أي تعزيز إضافي تهديداً محتملاً على المدى البعيد في حال تدهور العلاقات بين البلدين أكثر.
ورغم اتفاقية السلام بين البلدين التي تجاوزت أربعة عقود، فإن تل أبيب لا تُخفي قلقها من التغيرات التي تطرأ على التوجهات العسكرية في القاهرة. ويشير محللون إلى أن مصر باتت تولي أهمية أكبر لتطوير قدراتها القتالية البرية، ليس فقط لمواجهة التحديات الإرهابية في سيناء، بل أيضاً لتحصين حدودها الغربية والجنوبية، والاستعداد لأي سيناريو إقليمي، في ظل مشهد جيواستراتيجي معقد.
كما يعتقد أن العقيدة المصرية الجديدة ترتكز على عنصر المفاجأة والتكامل بين الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، مع تسليح متطور وتكثيف في التدريبات المشتركة، ما يُضفي طابعاً مقلقاً بالنسبة لإسرائيل، خاصة في ظل فقدان الثقة المتزايد بين الطرفين.
وانتقد زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، بشدة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وسياسات حكومته تجاه مصر، معتبراً أن النهج العدائي المتبع يهدد فرص الحفاظ على السلام بين البلدين.
وأشار لابيد إلى أن التصريحات المتكررة الصادرة عن مكتب رئيس الوزراء بشأن مزاعم التمويل القطري، إلى جانب ما وصفه بحملة مستمرة ضد مصر، من شأنها الإضرار باتفاقية السلام الموقعة بين القاهرة وتل أبيب.
وأضاف أن زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى مصر تعكس تداعيات هذه الحملة، التي قال إن الحكومة الإسرائيلية تشنها بدعم وتمويل قطري. وقال لابيد: "زيارة وزير الخارجية الإيراني للقاهرة والتصريحات بشأن التعاون المشترك تمثل جرس إنذار، فالحملة التي تقودها الحكومة ضد مصر تقوّض أسس السلام القائم منذ عقود".
وأكد لابيد أن هذا التوجه يحمل تبعات خطيرة، محذراً من أن استمرار التصعيد قد يضعف العلاقات الاستراتيجية بين الجانبين. وشدد على أن اتفاقيات السلام مع مصر تمثل رصيداً استراتيجياً مهماً لإسرائيل، داعياً الحكومة المقبلة إلى التحرك بسرعة وبمسؤولية من أجل إصلاح العلاقات واحتواء النفوذ الإيراني في المنطقة.
ورغم أن مصر تواصل التزامها الرسمي باتفاقيات السلام، إلا أن التصعيد في غزة والضغط الشعبي المتزايد داخل مصر لدعم الفلسطينيين، يُضيفان بُعداً إضافياً للتوجسات الإسرائيلية. فالتسليح المصري المتسارع، المدعوم بتحالفات دفاعية جديدة، قد يُشكل على المدى المتوسط تحدياً لهيمنة إسرائيل العسكرية في المنطقة، على الأقل في الجبهة الجنوبية.