ايران التي لا تعرف المغرب

لا حاجة الى تأكيد ان المغرب لا يتخذ أي قرار قبل دراسة عميقة له. عندما يقطع العلاقات مع ايران مجددا، يفعل ذلك بعد دراسة عميقة للمسألة وبعد توافر ادلّة دامغة تبرّر مثل هذا القرار السيادي الذي يندرج في سياق الدفاع عن السيادة والتراب الوطني للمملكة، بما في ذلك الصحراء المغربية. هذا ما عبّر عنه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في شرحه للأسباب التي دفعت بلده الى اتخاذ قرار بطرد السفير الايراني من الرباط.

نعم، يعرف المغرب جيدا ما الذي يفعله. فبعد اتهام "حزب الله" بتدريب مقاتلين من جبهة "بوليساريو" وتسليحهم، لا يرد المغرب على لبنان، يدرك تماما الوضع الحسّاس للبنان، البلد المغلوب على امره. يردّ المغرب على ايران من خلال معرفته التامة انّ "حزب الله" لا يمكن ان يقدم على أي خطوة من دون تعليمات من طهران. لم يعد سرّا ان الحزب شريك في الحرب على الشعب السوري من منطلق مذهبي ليس الّا. كذلك ان الحزب متورط فوق اذنيه الى جانب الحوثيين في اليمن. لديه نشاط في العراق، كما لديه نشاط في البحرين يستهدف ضرب الاستقرار في تلك المملكة. هذا غيض من فيض فقط.

ليس الحزب في النهاية سوى ميليشيا مذهبية ولواء في "الحرس الثوري" الايراني ولا شيء آخر غير ذلك. بكلام أوضح، الحزب أداة إيرانية في لبنان وخارج لبنان مثلما انّ "بوليساريو" أداة جزائرية تستخدم في حرب استنزاف تستهدف المغرب الذي استعاد سيادته على الصحراء في العام 1975 بعد انسحاب المستعمر الاسباني منها.

ما لا بدّ من الإشارة اليه أيضا انّ "حزب الله" لا يستطيع تدريب عناصر من "بوليساريو" وارسال أسلحة الى هذا التنظيم من دون موافقة الجزائر. ولا يستطيع ذلك من دون ضوء اخضر إيراني. الاهمّ من ذلك كلّه ان المغرب يعرف تماما طبيعة النشاط الذي تمارسه ايران في المنطقة وحتّى في بلدان المغرب العربي. لكن ايران لا تعرف شيئا عن طبيعة بلدان تلك المنطقة ومجتمعاتها وتظن ان في استطاعتها استغلال قضية الصحراء المغربية وهي قضيّة جزائرية – مغربية ولا شيء آخر غير ذلك، من اجل التغلغل في المنطقة.

لم تتنبه الجزائر الى خطورة ما تفعله ايران، علما انّها تشكو بدورها من وجود نشاط ذي طابع مذهبي موجه من طهران في أراضيها. يستهدف هذا النشاط المواطنين الجزائريين الذين ينتمون في اكثريتهم الساحقة الى اهل السنّة. ولكن يبدو ان كلّ شيء يهون بالنسبة الى الجزائر عندما يتعلّق الامر بإيذاء المغرب. تناست الجزائر فجأة ما تتعرض له وخطورة ما تقوم به ايران على الوحدة الوطنية في وقت يمرّ البلد في ازمة سياسية عميقة. صار "حزب الله" مرحبّا به في الجزائر ما دام هذا الوجود موجّها الى المغرب.

سبق للمغرب ان قطع علاقاته مع ايران في آذار – مارس من العام 2009 لاسباب مرتبطة أساسا بنشاط مذهبي في أراضيه تقف خلفه طهران. عادت العلاقات بين البلدين في خريف العام 2016، أي ان القطيعة استمرّت سبع سنوات. كان المغرب يأمل بان تكون ايران تعلّمت شيئا من دروس الماضي ومن ان السلطات المغربية لا يمكن ان تتهاون مع أي نشاط يصب في الإساءة الى الوحدة الوطنية في بلد ينتمي معظم سكانه الى المذهب السنّي المالكي.

جاء قطع العلاقات مع ايران هذه المرّة من بوابة أخرى هي بوّابة "بوليساريو"، أي البوابة الجزائرية. جاءت في وقت تعمل فيه الجزائر من اجل إقامة بنية تحتية لـ"بوليساريو" في الصحراء المغربية مستغلّة المنطقة المنزوعة السلاح في بير لحلو، وهي منطقة تشرف عليها القوات التابعة للأمم المتحدة المعروفة باسم "مينورسو".

كان على ايران التنبه الى ان المغرب غير مستعد لاي تساهل عندما يتعلّق الامر بترابه الوطني وسيادته على اقاليمه الصحراوية. الدليل على ذلك مسارعة وزير الخارجية الجزائري الى زيارة نيويورك ووضع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش امام مسؤولياته.

لم يعد سرّا ان ايران تسعى في هذه المرحلة الى امتلاك اكبر عدد من الاوراق تستخدمها في سياق لم يعد خافيا على احد. يتمثّل هذا السياق في اظهار انّها قوة إقليمية مهيمنة تمتلك مشروعا توسّعيا في الخليج العربي والشرق الاوسط وصولا الى شمال افريقيا. كذلك ليس سرّا ان هذا النشاط الايراني ليس موجودا في المغرب فقط، علما ان المغرب عرف كيف يضع له حدودا في وقت باكر، بل هو موجود في الجزائر وتونس أيضا. ما لا يمكن تجاهله أيضا ان ايران سعت في الماضي القريب الى ان يكون لديها نشاط ذو طابع مذهبي في مصر والسودان مستغلّة الاخوان المسلمين في هذين البلدين.

مرّة أخرى، ان المغرب يعرف تماما ما الذي يفعله ولا يمكن ان يقدم على أي خطوة في حجم قطع العلاقات مع بلد آخر من دون ادلّة دامغة. لكن ما لا تعرفه ايران ان لا فائدة من استخدام قضيّة الصحراء وجبهة "بوليساريو" من اجل ممارسة أي نوع من الضغوط على المغرب. اذا لم تكن ايران ومن يضع نفسه في خدمتها يدرك ذلك، يمكن العودة الى ثمانينات القرن الماضي. في تلك المرحلة، دخل على خطّ دعم "بوليساريو" العقيد معمرّ القذّافي السعيد الذكر. عمل القذّافي كلّ جهده من اجل ان يكون شريكا في الحرب الجزائرية على المغرب وما لبث ان انسحب منها بعد اكتشافه انّ لا فائدة من ذلك وان من الأفضل لـ"جماهيريته" إقامة علاقات طبيعية مع مملكة لا تريد الاذى لاحد بل كلّ ما تريده هو بناء المغرب وتوفير مشاريع تنمية تساعد في إيجاد فرص عمل للمغاربة وتحسين أوضاعهم المعيشية فضلا عن رفع مستوى التعليم ومتابعة الحرب على الفقر الذي يعتبره الملك محمّد السادس في أساس الإرهاب والتطرّف. لماذا لا تتعلّم ايران من تجربة القذّافي الذي استعاد رشده فجأة واكتشف ان لا طائل من دعم "بوليساريو" وما شابها من تنظيمات لا تصلح لاكثر من ان تكون أدوات؟

لم يقدّم المغرب للبنان واللبنانيين سوى الخير. يشهد على ذلك تاريخ العلاقة بين البلدين. كيف يمكن لحزب يعتبر نفسه لبنانيا ان يكون جزءا من حرب على المغرب؟ انّه بالفعل امر غريب يقدم عليه "حزب الله". لكن منذ متى اخذ "حزب الله" مصلحة لبنان واللبنانيين في الاعتبار؟ هل لديه من هدف غير ان يكون في خدمة ايران التي لديها حسابات لا علاقة لها لا بالعقل ولا بالمنطق ولا في مصلحة الايرانيين وايران نفسها حيث نظام في حال هروب دائمة الى خارج حدوده.