باريس تراهن على إدارة ترامب لوقف حربي لبنان وغزة

وزير الخارجية الفرنسي يؤكد خلال لقائه نظيره الإسرائيلي أن النجاح العسكري لا يمكن أن يكون بديلا عن الرؤية السياسية.
إشكال دبلوماسي فرنسي - إسرائيلي في موقع تديره باريس في القدس
باريس تحتج على دخول الشرطة الاسرائيلية فضاء وطنيا فرنسيا

بيروت - رجحت باريس التي لا يبدو لدبلوماسيتها تأثير كبير في ملفات الشرق الأوسط أن يمهد فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية الطريق لوقف حربي لبنان وغزة، فيما يبدو رهانا على أن يحدث ذلك تغييرا باتجاه تسوية الأزمة التي عجزت هي عن تحقيق أي تقدم يذكر فيها رغم محاولات مستمرة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وأوضح وزير الخارجية الفرنسي جان - نويل بارو اليوم الخميس إنه يرى "أفقا" لوقف الحربَين في قطاع غزة ولبنان بعد فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية جديدة.

وقال بعد اجتماعه مع نظيره الإسرائيلي يسرائيل كاتس في القدس "أعتقد أن هناك آفاقا مفتوحة لوضع حد للمأساة التي غرق فيها الإسرائيليون والفلسطينيون والمنطقة بأكملها منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول".

وأشار الوزير إلى "النجاحات التكتيكية التي حققتها إسرائيل" بما في ذلك اغتيال زعيم حماس يحيى السنوار، متحدثا عن انتخاب "رئيس أميركي جديد لديه الإرادة لوضع حد للحروب التي لا نهاية لها في الشرق الأوسط"، معربا عن أمله في وجود "حل دبلوماسي في الأسابيع المقبلة".

وأضاف أن "القوة وحدها لن تكون كافية لضمان أمن إسرائيل"، مشيرا إلى أن "النجاح العسكري لا يمكن أن يكون بديلا عن الرؤية السياسية".

وبحسب الوزير الفرنسي "حان الوقت للمضي قدما نحو التوصل إلى اتفاق يسمح بتحرير جميع الرهائن ووقف إطلاق النار ودخول المساعدات الإنسانية إلى غزة والاستعداد لليوم التالي لانتهاء الحرب".

وأخفقت باريس في دفع الفرقاء اللبنانيين إلى التوصل إلى توافق ينهي متاهة الشغور الرئاسي الذي فاقم أزمات البلاد، بينما لم تؤد الزيارات المكوكية التي أداها جان إيف لودريان مبعوث الإيليزيه إلى بيروت إلى إحداث أي إختراقات في جدار الأزمة.

وبدا الرئيس إيمانويل عاجزا عن تحقيق أي نتائج ملموسة لتسوية ملف الصراع في الشرق الأوسط، ما شكّل إحراجا للدبلوماسية الفرنسية، بينما يذهب العديد من المراقبين إلى القول إن باريس تفتقر إلى النفوذ الذي يتيح لها تهدئة التوترات في المنطقة. 

وتعتبر فرنسا نفسها "إحدى القوى القليلة" التي تتحدث مع كل الأطراف وبينهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الرغم من الاختلافات وقادة لبنان الذي يربطها به تقارب تاريخي، ولكن أيضا مع إيران وحتى مع الجناح السياسي لحزب الله، وفق ما أكده لودريان في وقت سابق.

وفي سياق متصل أكد بارو أن "إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها"، لكنه أشار أيضا إلى الاستيطان والقيود المفروضة على المساعدات الإنسانية واستمرار الغارات الجوية في شمال قطاع غزة على اعتبار أنها خطر يهدد أمن الدولة العبرية.

وتخلل زيارة بارو إلى القدس اليوم الخميس إشكال دبلوماسي بين فرنسا وإسرائيل، بعد دخول أفراد مسلحين من الشرطة الإسرائيلية "من دون إذن" موقعا يضمّ كنيسة تديره باريس.

وندد بارو بـ"وضع غير مقبول" ورفض دخول موقع "الإيليونة" في جبل الزيتون، بينما أوقفت الشرطة الإسرائيلية عنصرين من الدرك الفرنسي في المكان.

وقال بارو أمام صحافيين "لن أدخل اليوم لأن عناصر الأمن الإسرائيلي حضروا مسلحين من دون إذن مسبق من فرنسا ورفضوا الخروج من الموقع".

وأردف أن هذا "المساس بسلامة موقع تحت إدارة فرنسية من شأنه أن يضعف روابط جئت بغرض توطيدها مع إسرائيل في وقت نحن جميعا بحاجة إلى دفع المنطقة باتجاه السلام".

وخلال مبادلات مشحونة، حاصر شرطيون إسرائيليون عنصرين من الدرك الفرنسي ممسكين بأحدهما بقوّة قبل أن يطرحوه أرضا وينقلوه في سيارة للشرطة وصرخ الدركي الذي عرّف عن نفسه عدّة مرات "لا تلمسني"، وفق صحافية وكالة فرانس برس في المكان.

وتمّ الإفراج لاحقا عن الدركيين من دون أن توضح الشرطة الإسرائيلية سبب دخولها إلى الموقع. ويقع مجمّع "الإيليونة" الذي يضمّ ديرا للرهبنة البنديكتية في جبل الزيتون في القدس الشرقية التي تحتلّها إسرائيل منذ 1967 وضمّتها إلى أراضيها.

وهو من المواقع الأربعة الخاضعة للإدارة الفرنسية في محيط القدس، إلى جانب قبور السلاطين وكنيسة القديسة حنّة (آن) ودير القديسة مريم للقيامة (القيادة الصليبية القديمة لأبو غوش).

وقال جان نويل بارو إن "الإيليونة... ليس موقعا تابعا لفرنسا فحسب بل إن باريس تقوم أيضا بإدارة أمنه وصيانته، وذلك بعناية كبيرة"، مشدّدا على ضرورة احترام "سلامة المواقع الأربعة التي تتولّى فرنسا مسؤولية إدارتها هنا في القدس".

وفي باريس، اعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أنها ستستدعي "في الايام المقبلة" سفير إسرائيل في باريس للاحتجاج على دخول الشرطة الاسرائيلية "مسلحة" و"من دون إذن" فضاء وطنيا فرنسيا في القدس هو كنيسة الإيليونة، حين كان وزير الخارجية الفرنسي يستعد لزيارتها.

وقالت الخارجية الفرنسية إن "سفير اسرائيل في فرنسا سيتم استدعاؤه الى الوزارة في الأيام المقبلة"، معتبرة أن وجود قوات الأمن الاسرائيلية في موقع الحج المذكور، وكذلك توقيف اثنين من عناصر الدرك الفرنسي لوقت قصير، هما أمر "مرفوض".

وفي 22 يناير/كانون الثاني 2020، شهدت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تدافعا أمام كنيسة القديسة حنّة وقال ماكرون لشرطي إسرائيلي بالإنكليزية ما مفاده "لا يروق لي ما فعلته أمامي".

ولعلّ الحادثة الأبرز تبقى تلك التي وقعت في 1996 عندما ثار الرئيس الراحل جاك شيراك غضبا أمام أحد الجنود الإسرائيليين بعدما اقترب منه كثيرا خلال مواكبته وصاح فيه بالإنكليزية "هل تريدني أن أعود إلى طائرتي؟"، قبل أن يطلب خروج العسكر من موقع كنيسة القديسة حنّة.