بتبّون أو من دونه.. لا تغيير في الجزائر

لن يتغيّر شيء في بلد يصرّ على البقاء في أسر الشعارات وعقد الماضي.

ما وراء تقديم موعد الإنتخابات الرئاسية الجزائرية؟ يطرح السؤال نفسه في ضوء تحديد يوم السابع من أيلول – سبتمبر المقبل لإجراء هذه الإنتخاب، أي قبل ثلاثة أشهر من موعدها الطبيعي. ليس معروفا هل تغيير موعد الانتخابات يعكس رغبة في التخلص من الرئيس عبدالمجيد تبون أم لا؟

الأكيد أن ما تشهده الجزائر يُعتبر أمرا طبيعيا في بلد غير طبيعي، وذلك في ضوء التصرفات المعتادة للنظام العسكري الذي يتحكّم بالبلد. يسعى النظام القائم منذ الإنقلاب العسكري، الذي أوصل (في العام 1965) هواري بومدين إلى السلطة، إلى الهرب من مواجهة واقع معيّن فرض نفسه. يتمثّل هذا الواقع في أن الجزائر لم تستطع أن تكون يوما بلدا طبيعيا على الرغم من توافر كلّ العناصر التي تسمح بذلك، خصوصا في ضوء ما تمتلكه من ثروات كبيرة.

جاء في بيان صدر عن الرئاسة الجزائرية، إثر اجتماع ترأسه الرئيس تبون وحضره رئيس الوزراء ورئيسا غرفتيْ البرلمان ورئيس أركان الجيش (سعيد شنقريحة) ورئيس المحكمة الدستورية: "قرر رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، السيد عبدالمجيد تبون، إجراء انتخابات رئاسية مسبقة يوم 7 أيلول - سبتمبر 2024".

هل تعود الانتخابات المبكرة إلى الوضْع الصحي للرئيس الجزائري الذي يبلغ الـ78 من العمر، أم للعجز عن تحقيق اختراقات داخلية وإقليمية ودولية كان العسكر يعتقدون أنّ في إستطاعتهم تحقيقها عبر شخص تبّون؟ لا لوم على الرئيس الجزائري وحده في هذا المجال، خصوصا إذا أخذنا في الإعتبار أنّه لم يسمح له بالتحرك سوى ضمن هامش سياسي ضيّق. في الواقع، يمكن لهذا العجز أن يكون من بين أسباب الرحيل المفترض لتبون عن السلطة. لكنّه قد تكون هناك أسباب أخرى من بينها الحاجة إلى الإستعانة بشخص آخر لتمرير الوقت بغية ضمان بقاء الأمور على حالها إلى ما نهاية.

في الخارج فشلت الجزائر في تحقيق اختراقات إقليمية ودولية. إقليميا يظهر ذلك من خلال تراجع دورها في مالي والنيجر وضعف تأثيرها في ليبيا، وعجزها عن مجاراة مبادرات المغرب وتحركاته الديبلوماسية التي مكنته من الحصول على اعتراف واسع بمبادرته لحل قضية الصحراء من بوابة الحكم الذاتي الموسع الذي طرحه الملك محمّد السادس منذ سنوات عدّة.

إعترفت الولايات المتحدة بمغربيّة الصحراء، كذلك معظم الدول العربيّة، خصوصا دول مجلس التعاون الخليجي ودول إفريقية تحترم نفسها فتحت قنصليات في العيون. يبدو أن أوروبا تسير في هذا الإتجاه بعد الموقف الإسباني الذي اعتبر أن ما يعرضه المغرب بمثابة موقف واقعي وعملي لا أكثر ولا أقل. هذا ما ستلمسه فرنسا عاجلا أم آجلا وتعترف به بعد أن تجد نفسها مضطرة إلى التوقف عن ممارسة لعبة تتسم بالتردّد ليس إلّا.

قاد تمسك تبون، لأسباب مرتبطة بموقف المجموعة العسكريّة الحاكمة، بسياسة متشنّجة إلى مزيد من التوتير للعلاقة الجزائريّة - الأوروبيّة، على الرغم من عدم رغبته الشخصيّة في ذلك. هذا ما دفع باريس إلى توجيه دعوة جديدة له للقيام بزيارة تأجلت طويلا مرة تلو الأخرى. ربّما تراهن فرنسا مرّة أخرى على أنّ تبون يستطيع إتخاذ مبادرات بعيدا عما يرسمه له العسكر. مثل هذا الرهان أقرب إلى السذاجة من أي شيء.

باتت علاقة الجزائر بأوروبا علاقة يسودها التذبذب، بشكل عام، بسبب الأزمة المفتعلة مع إسبانيا وهي أزمة بدأت بقطع الجزائر الغاز عن هذا البلد من منطلق أن خط أنابيب الغاز يمرّ بالأراضي المغربيّة. فشل الرئيس الجزائري في الرهان على الانتماء إلى ما يسمّى حلف الشرق مع الصين وروسيا. اكتشف في مرحلة لاحقة أن لا وزن يذكر لبلاده لدى بكين وموسكو كما كان يقدّر ويتوقع. لم تدعما انضمامه إلى مجموعة "بريكس".

هل يدفع تبون ثمن الفشل الجزائري على كل صعيد، بما في ذلك داخليا وإقليميا ودوليا كي يكون كبش فداء للعسكر؟ ذلك هو الأمر المرجح في وقت يبدو واضحا أن لا شيء تغيّر في الجزائر منذ الإنقلاب العسكري لبومدين ورفاقه في ما كان يسمّى مجموعة وجدة (أقامت مجموعة وجدة، قبل الإستقلال في 1962 في هذه المدينة المغربيّة التي نشأ فيها وترعرع عبدالعزيز بوتفليقة).

من يحكم الجزائر مجموعة في حال هروب مستمرة إلى أمام من الأزمة التي يعاني منها البلد. من بين مظاهر هذا الهروب المستمر الحملة غير المبررة على المغرب من جهة والعداء لفرنسا والغرب، عموما، في مناسبة وغير مناسبة من جهة أخرى.

يدفع عبدالمجيد تبون حاليا ثمن هذا الهروب. هذا لا يعني أنّه لا يمكن أن تحصل مفاجأة وأن يعود إلى السلطة وإلى موقع رئيس الجمهوريّة. لكنّ الأكيد أن تحديد موعد مبكر للإنتخابات الرئاسيّة يعني أن العسكر حسموا أمرهم في إتجاه خيار آخر يصلح غطاء أكثر فاعليّة للمرحلة المقبلة.

بقي تبون أو رحل تبون. لن يتغيّر شيء في بلد يصرّ على البقاء في أسر الشعارات وعقد الماضي على الرغم من إمتلاكه لإمكانات كبيرة، بما في ذلك ثروة انسانيّة. تبدو الحاجة أكثر من أي وقت إلى تجاوز عقد الماضي، بما في ذلك عقدة المغرب الذي تصرّ الجزائر على بقاء الحدود البرّية مغلقة معه منذ العام 1994. يكون ذلك بدءا بالإعتراف بأن مشكلة الصحراء المغربيّة مشكلة مفتعلة، وهي بين الجزائر والمغرب، ولا علاقة لها بحق تقرير المصير، فيما ليست "بوليساريو" سوى أداة تستخدم في شن حرب إستنزاف على البلد الجار. متى يحصل مثل هذا التغيير من المتاجرة بقضية الصحراء والصحراويين، يصبح في الإمكان الكلام عن تغيير حقيقي في الجزائر يؤمن للجزائريين انفسهم حق تقرير المصير... بقي عبدالمجيد تبون رئيسا للجمهوريّة أم وجدت المجموعة العسكريّة بديلا منه!