بريطانيا تعتذر لمتشدد ليبي وزوجته عن تسليمهما للقذافي

رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي تتقدم باعتذار لعبدالحكيم بلحاج القيادي السابق في الجماعة الليبية المقاتلة (سلفية جهادية) وزوجته لدور مخابرات بلادها في تسليمهما في 2004 لنظام العقيد الليبي (الراحل) معمر القذافي.

بلحاج وزوجته يحصلان على تعويض مالي سخي
بلحاج يتحدث عن تعويض رمزي عن سنوات التعذيب
لندن ترضخ أخيرا للاعتذار بعد فشلها في التصدي لدعاوى قضائية

لندن - اعتذرت بريطانيا لعبدالحكيم بلحاج القيادي السابق بالجماعة الليبية المقاتلة (سلفية جهادية موالية للقاعدة) وزوجته فاطمة بودشار على الدور الذي لعبه جواسيس بريطانيون في 2004 في نقلهما من تايلاند إلى ليبيا، حيث تعرض بلحاج للتعذيب على يد موالين للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.

وتعرض بلحاج الذي كان معارضا معروفا لنظام القذافي وزوجته الحبلى آنذاك فاطمة بودشار للاختطاف في تايلاند عام 2004 على يد عملاء بالمخابرات المركزية الأميركية قاموا بنقلهما بشكل غير قانوني إلى طرابلس بمساعدة جواسيس بريطانيين.

وكتبت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في رسالة إلى بلحاج وزوجته تم إعلانها الخميس "تصدق الحكومة البريطانية روايتكما. ما كان ينبغي معاملة أي منكما بها الشكل".

وأضافت في الرسالة "أسهمت أفعال الحكومة البريطانية في احتجازكما وتسليمكما ومعاناتكما نيابة عن حكومة جلالة الملكة أعتذر دون تحفظات".

وكانت بودشار التي ظلت محتجزة في ليبيا بعد تسليمها حتى أفرج عنها قبل الولادة بقليل، داخل البرلمان البريطاني في لندن مع ابنها لسماع المدعي العام البريطاني وهو يتلو بيانا عن القضية.

وشكر بلحاج ماي على اعتذارها في بيان مكتوب أرسله محاموه بعد وقت قصير من إعلان الاعتذار.

وقال في البيان "اليوم يوم تاريخي، ليس بالنسبة لي ولزوجتي فقط... المجتمع العظيم لا يمارس التعذيب أو يساعد آخرين على التعذيب وعندما يرتكب أخطاء يقر بها ويعتذر".

ورفع بلحاج وبودشار دعاوى قضائية ضد وزير الخارجية البريطاني السابق ومسؤول كبير سابق بالمخابرات وإدارات ووكالات حكومية مختلفة، بهدف الحصول على اعتذار وتعويضات رمزية.

وحاولت الحكومة البريطانية التصدي للاتهامات أمام القضاء، لكن المحكمة العليا سمحت العام الماضي لبلحاج وزوجته بمقاضاة المتهمين.

وقال المدعي العام جيريمي رايت للبرلمان إن كل الدعاوى القضائية تم سحبها في إطار تسوية شاملة ونهائية خارج نطاق القضاء.

ووافقت الحكومة في إطار التسوية على دفع 500 ألف جنيه استرليني (676 ألف دولار) لبودشار تعويضا عما عانته. وقال رايت إن أحدا ممن وجهت إليهم الاتهامات لم يقر بالمسؤولية.

وقضى بلحاج ستة أعوام سجينا بعد تسليمه إلى ليبيا. ولطالما قال إنه يسعى إلى العدالة والاعتذار أكثر من التسوية المالية.

وقاد بعدها فصيلا إسلاميا مسلحا ساعد في الإطاحة بالقذافي في 2011، وهو الآن سياسي، لكن تقارير غربية وليبية تشير إلى أن القيادي السابق في الجماعة الليبية المسلحة يتخذ من السياسة غطاء لتبييض صفحة الجماعة المتشددة التي مارست العنف.

كما واجه بلحاج صاحب النفوذ الواسع في ليبيا بعد الثورة العديد من الاتهامات بالإرهاب وبأنشطة ارهابية في تونس ايضا، لكنه نفى نفيا قاطعا صحتها.

ومارست المخابرات المركزية الأميركية تحت إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش ما يعرف باسم "التسليم الاستثنائي" أو نقل مشتبه بهم من دولة لأخرى دون إجراءات قضائية، وذلك بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001. وتردد أن دولا أخرى ساعدت في بعض الحالات. وقوبل هذا الأمر بإدانة واسعة في أنحاء العالم.

ويقول بلحاج إنه اعتقل في البداية في الصين ثم جرى نقله إلى ماليزيا ثم إلى موقع تابع للمخابرات المركزية الأميركية في تايلاند.

وتم تسليمه لعملاء المخابرات الأميركية ليتم نقله جوا إلى جزيرة دييجو جارسيا البريطانية في المحيط الهندي ومنها إلى طرابلس وذلك في وقت حرصت فيه بريطانيا والولايات المتحدة على بناء علاقات مع القذافي.

والجماعة الليبية المقاتلة تنظيم مسلح يحمل فكر السلفية الجهادية أنشأته مجموعة من الشباب الليبيين الذين عادوا إلى ليبيا بعد أن شاركوا في الحرب الأفغانية السوفييتية.

وقام التنظيم بعمليات مسلحة في مواقع مدنية وأمنية بليبيا في تسعينات القرن الماضي بهدف إسقاط نظام العقيد معمر القذافي، إلا أن القوات المسلحة الليبية وأجهزة الأمن قضت عليهم واعتقلت مجموعة كبيرة منهم.

 وفي العام 2009 قام زعماء الجماعة بمراجعة أفكارهم وقدموا اعتذارا للدولة الليبية، الأمر الذي أدى إلى إطلاق سراحهم.

وقام بتشكيل النواة الأولى للتنظيم علي العشبي رفقة ثمانية أفراد آخرين سنة 1982، إلا أن أجهزة الأمن الليبية لم تمهلها الكثير من الوقت وقضت على التنظيم بمقتل أفراد التنظيم التسعة.

وفي العام 1989 قام عوض الزواوي بإعادة تشكيل التنظيم إلا أن الأمن الليبي تصدى له أيضا، فقام محمد المهشهش بالسعي إلى تأسيس "حركة الشهداء الإسلامية" وكان له ذلك في العام ذاته.

والتحق عدد من الشباب الليبي المتأثر بالقادة المؤسسين للقتال في أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي. وفي العام 1990 اتفق "الأفغان الليبين" على تأسيس الجماعة الليبية المقاتلة بنية إسقاط نظام الحكم في ليبيا.

وانخرطت الجماعة الليبية المقاتلة في القتال صفا واحدا مع تنظيم القاعدة ضد السوفيييت والمجموعات الأفغانية المعادية لطالبان.

وفي العام2007 أعلن أيمن الظاهري في بيان مشترك مع أبوالليث الليبي انضمام الجماعة لتنظيم القاعدة تحت امرة أسامة بن لادن (زعيم القاعدة الراحل) وقد قامت الجماعة بعد ذلك بعد مباحثات قادها علي الصلابي بدور في تفعيل مصالحة بين الحكومة من جهة وبين قادة الجماعة المقاتلة من جهة أخرى، أصدرت على اثرها الجماعة الإسلامية المقاتلة مراجعاتها في كتاب ضخم عنونته "دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس" وهو يمثل مراجعة جوهرية لأفكار الجماعة السابقة السلفية الجهادية.

وقد صرح قادة الجماعة بعدها بأن هناك تباين فكري مع القاعدة وذلك لأن الهدف الأول للجماعة الليبية هو إسقاط نظام الحكم في ليبيا، بينما كانت أولويات أسامة بن لادن تتجه إلى أهداف أخرى لا تساعد على تحقيق الجماعة الليبية لهدفها، إلا أن التعاون التام كان يسود العلاقة رغم هذه الخلافات.

ورصد الأمن الليبي تنظيم الجماعة المقاتلة في العام 1995، وذلك بعد أن لاحق عددا من أفراده في مواجهة جرت في إحدى ضواحي مدينة بنغازي بشرق ليبيا.

واعتبرت قيادات التنظيم خارج البلاد أن الأمن الليبي كشف عن التنظيم قبل أن تكون الظروف مناسبة للجماعة، إلا أنها اضطرت إلى الظهور إلى العلن أواخر العام 1995 في مدينة درنة.

 وبعد عدد من عمليات المداهمة والمواجهة انتهى التنظيم إلى مقتل واعتقال عدد كبير من أفراده وأصبح وجوده المسلح منتهيا في عام 1999.

وفي عام 2009 طوت الدولة الليبية والجماعة المقاتلة صفحة الماضي بظهور "الدراسات التصحيحية" والتي تم إجرائها بإشراف سيف الإسلام القذافي نجل معمر القذافي.

 وقد حاور قيادات التنظيم داخل السجون الليبية عدد من الشخصيات التي تحظى بمكانة عند الجماعة المقاتلة مثل عضو جماعة الإخوان المسلمين علي الصلابي الذي تربطه صلات قوية بقيادات الجماعة المقاتلة.

كما ساهم في هذا الحوار القيادي السابق بالتنظيم نعمان بن عثمان. وبعد هذه المراجعات أفرجت السلطات الليبية عن أفراد الجماعة المعتقلين بعد أن قدموا اعتذارهم للدولة وكان من بين المفرج عنهم القادة الستة للتنظيم الذين ساهموا في إجراء الدراسات التصحيحية.

وفي ثورة 17 فبراير/شباط شارك أكثر من 800 مقاتل من الجماعة الليبية المقاتلة في الثورة الليبية و أغلبهم كانوا قادة ميدانيين في المعارك بسبب خبرتهم في الحروب في أفغانستان والبوسنة و منهم قائد المجلس العسكري في طرابلس عبدالحكيم بلحاج الذي حصل الخميس على اعتذار رسمي من الحكومة البريطانية والذي أسس لاحقا حزبا سياسيا.