بين تأكيد ونفي.. اعتقال إيران دبلوماسيين أجانب ضجيج إعلامي

طهران تدرك تأثير الإعلان عن اعتقال الحرس الثوري أجانب بتهمة التجسس وقد اختبرت تأثير ذلك في خضم جمود محادثات فيينا النووية حين وقعت معاهدة مع بلجيكا لتبادل السجناء، أثارت حفيظة الولايات المتحدة وجدلا واسعا في بروكسل.
تساؤلات بعد إعلان طهران توقيف دبلوماسيين أجانب
إيران تحتجز 12 شخصا من مزدوجي الجنسية كورقة مساومة مع الغرب
طهران تضغط ولو باعتقالات وهمية في خضم جمود مفاوضات فيينا

طهران - بين تأكيد إيران ونفي عواصم غربية اعتقال دبلوماسيين أجانب، يسود الغموض في غمرة بلوغ مفاوضات فيينا النووية غير المباشرة بين طهران وواشنطن، مرحلة الجمود تبددت معه آمال إنعاش الاتفاق النووي للعام 2015.

وأثار إعلان وسائل الإعلام الإيرانية الأربعاء توقيف دبلوماسيين أجانب في تاريخ لم يحدد، عدة تساؤلات بعدما نفت دول معنية أن يكون مواطنون لها معتقلين راهنا في إيران، بينما يسود اعتقاد بأن الأمر مجرد ضجيج إعلامي في أسلوب تتبعه طهران التي تدرك حساسية هذا الملف وقد اختبرت ذلك بالفعل حين وقعت معاهدة مع بلجيكا لتبادل السجناء، ما أثار حفيظة الولايات المتحدة وجدلا واسعا في بروكسل.

ويرى خبراء أن السؤال الأساسي المطروح يتصل بتاريخ التوقيف الذي يبدو أنه لم يحصل في الآونة الأخيرة.

ويعتقد أيضا أن الإعلان الإيراني على صلة ربما بالتغييرات الأخيرة التي أجراها الحرس الثوري باستبدال رئيس المخابرات رجل الدين حسين طائب بآخر عسكري بعد أن اهتزت صورة التشكيل العسكري الأقوى في طهران على وقع فشل عمليات استخباراتية داخلية وخارجية من ضمنها عجزه عن إحباط اغتيال عدد من ضباطه وكذلك اعتقال تركيا شبكة من عملائه كانت تخطط لخطف أو قتل إسرائيليين في اسطنبول.

وتريد إيران من خلال هذا الضجيج الإعلامي تلميع صورة الحرس الثوري بعد النكسات الأخيرة التي أظهرته على عكس الصورة التي يحظى بها كحامي للثورة الإسلامية وكسد منيع ضد الاختراقات الخارجية.

وأكدت بولندا الخميس أن أحد علمائها معتقل في إيران منذ سبتمبر/أيلول، لكن النمسا وبريطانيا أكدتا أن أيا من دبلوماسييهما ليس موقوفا.

وتتزامن هذه التطورات مع استمرار التوتر بين إيران والقوى الغربية في ما يتصل بالجهود الهادفة إلى إحياء اتفاق 2015 الذي يحد من برنامج إيران النووي وإعلان اعتقال مواطنين غربيين في هذا البلد في الأسابيع الأخيرة.

والأربعاء، تحدث التلفزيون الرسمي الإيراني ووكالة فارس للأنباء عن اعتقال الحرس الثوري لثلاثة دبلوماسيين بتهمة التجسس، لكن المصدرين لم يدليا بأي معلومات عن تاريخ حصول الاعتقالات. وبين الدبلوماسيين المعنيين، أشار التلفزيون إلى جيل ويتاكر مساعد السفير البريطاني في طهران.

وردا على ذلك، كتب سفير المملكة المتحدة في طهران سايمن شيركليف بسخرية في تغريدة "الأنباء عن اعتقال المسؤول الثاني في السفارة مثيرة جدا للاهتمام"، موضحا أن ويتاكر "غادر إيران في ديسمبر 2021 في ختام مهمته".

وقبله، أكدت وزارة الخارجية البريطانية أن المعلومات عن "توقيف حالي" لأحد دبلوماسييها في إيران "عارية من الصحة تماما".

ومن المستبعد جدا أن تكون وسائل الإعلام الإيرانية قد بثت تلك الأنباء عن جهل أو من باب الخطأ المهني وهو أمر وارد لكن ليس بالنسبة لمثل هذه الملفات الحساسة. وحتى مع فرضية الخطأ كانت تلك الوسائل ستقوم بالتصحيح والتنويه لما ورد سهوا أو خطأ في معلوماتها.

ولكن إيران وبعد بثت تلك الأنباء المربكة في توقيتها ومضامينها، التزمت الصمت وكأنها تؤكد صحة ما نشرته وسائل إعلامها.

ويحتمل أيضا أن الأمر مجرد ضجيج دعائي لإرباك الخصوم الغربيين أو بالون اختبار لردود أفعالهم بينما تضغط طهران لانتزاع مكاسب جديدة في خضم المفاوضات النووية التي يدفع الأوروبيون لإنعاشها.    

وكانت وكالة فارس قد ذكرت الأربعاء أن الدبلوماسي البريطاني "طرد من البلاد" بعد توقيفه. وعرض التلفزيون مقطعا مصورا غير مؤرخ يظهر رجلا قيل إنه جيل ويتاكر لافتا إلى اعتقاله فيما كان يلتقط "صورا في منطقة محظورة كانت تشهد تدريبا عسكريا" في صحراء شهداد في محافظة كرمان بجنوب شرق البلاد.

وأكدت الوكالة أن "دبلوماسيي السفارات الأجنبية الموقوفين كانوا يتجسسون في إيران". كذلك بث التلفزيون الرسمي صورا لرجل آخر تم توقيفه ذكر أنه "ماتسي فالشاك رئيس دائرة الميكروبيولوجيا في جامعة نيكولاس-كوبرنيك" في وسط بولندا، مضيفا أن "هذه الجامعة مرتبطة بالنظام الصهيوني" في إشارة إلى إسرائيل.

لكن المتحدث باسم الجامعة المذكورة في تورون قال إنها "مسألة قديمة"، لافتا إلى أن فالشاك الباحث البولندي، أوقف في إيران "في سبتمبر/أيلول".

وقال التلفزيون الإيراني إنه "توجه إلى منطقة شهداد الصحراوية كسائح فيما كانت تشهد تجارب صاروخية. وقد أخذ منها عينات من صخور".

وتحدث التلفزيون أيضا عن "توقيف شخص آخر هو رونالد غيشير زوج المستشارة الثقافية في سفارة النمسا"، بتهمة "تصوير منطقة عسكرية في طهران".

وفي فيينا، أكدت الخارجية النمسوية أن "جميع الموظفين وعائلاتهم في طهران هم بخير ولم يتم توقيف أحد".

وتعتقل إيران أكثر من اثني عشر مواطنا غربيا، معظمهم من حاملي الجنسيتين. ويعتقد أنها تسعى إلى الحصول على تنازلات من الغرب مقابل الإفراج عنهم.

في مارس/اذار الماضي تم الإفراج عن إيرانيتين بريطانيتين هما نزانين زغاري راتكليف وأنوشه اشوري بعدما حكم عليهما بالسجن في اتهامات واظبا على نفيها.

وفي موازاة عملية الإفراج هذه، أعلنت لندن أنها سددت لطهران دينا قديما بقيمة 394 مليون جنيه استرليني (470 مليون يورو) من دون أن تقيم صلة بين القضيتين.

وبدأت مفاوضات قبل أكثر من عام بين طهران والقوى الغربية في محاولة لإحياء الاتفاق الدولي حول برنامجها النووي والذي وقع العام 2015. لكن هذه المباحثات معطلة منذ مارس/اذار. وردت طهران على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق وإعادة العمل بالعقوبات الأميركية بحقها عبر العودة تدريجا عن التزاماتها التي ينص عليها الاتفاق.