تحذيرات أممية من وقوع إبادة جماعية في السودان
الخرطوم – تصاعدت التحذيرات الدولية من تفاقم الأوضاع في السودان وتحولها إلى كارثة إنسانية تصل لحد الإبادة جماعية، في ظل استمرار الحرب الأهلية بين الجيش وقوات الدعم السريع، واتهامات متبادلة بانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم مروعة، وسط غياب بوادر جدية للحل السلمي.
وحذّرت مسؤولة رفيعة في الأمم المتحدة، الإثنين، من أن خطر وقوع إبادة جماعية في السودان لا يزال "مرتفعًا جدًا"، مشيرة إلى استمرار الهجمات ذات الدوافع العرقية، خصوصًا في إقليم دارفور. وقالت فرجينيا غامبا، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والمستشارة الخاصة بالإنابة للأمين العام أنطونيو غوتيريش بشأن منع الإبادة الجماعية، إن الطرفين المتحاربين في السودان "ارتكبا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان"، محذرة من مغبة استمرار هذا النمط من العنف دون تدخل دولي عاجل.
الطرفين المتحاربين في السودان ارتكبا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان
وأضافت غامبا، خلال جلسة لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، أن "ما يقلق تفويضي بشكل خاص هو الهجمات المستمرة التي تستهدف مجموعات عرقية معينة، لا سيما في منطقتي دارفور وكردفان"، موضحة أن قوات الدعم السريع والميليشيات العربية المتحالفة معها "تواصل شن هجمات بدوافع عرقية ضد قبائل الزغاوة والمساليت والفور"، وهي جماعات عانت من مآسي مشابهة خلال النزاع في دارفور قبل عقدين.
لكن في المقابل، وجهت منظمات حقوقية سودانية ودولية اتهامات إلى الجيش السوداني بارتكاب انتهاكات جسيمة في مناطق سيطرته، خاصة في ولاية الجزيرة التي شهدت حملات مداهمة واعتقالات واسعة، فضلاً عن استهداف المدنيين والبنى التحتية. وتتهم تقارير حقوقية الجيش باستخدام الطيران الحربي بشكل عشوائي في مناطق مأهولة بالسكان، مما تسبب في مقتل وإصابة مئات المدنيين.
وتحاول قيادات الجيش، وعلى رأسها قائد القوات المسلحة عبدالفتاح البرهان، تحميل قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" كامل المسؤولية عن اندلاع الحرب واستمرارها، معتبرين أن الحسم العسكري هو الطريق الوحيد لإعادة الاستقرار إلى البلاد. وقد كرر البرهان في أكثر من مناسبة أن الجيش "لن يسمح بتقسيم السودان ولن يفاوض من وصفهم بالميليشيات المتمردة".
وفي المقابل، يتمسك حميدتي بخطاب سياسي يدعو إلى الحوار والحل السلمي، وقد أعلن أكثر من مرة استعداده لوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات جادة تفضي إلى إنهاء الصراع، وهو ما تراه بعض الأطراف محاولة لكسب تعاطف المجتمع الدولي. ويؤكد قادة الدعم السريع أن الجيش يرفض كل المبادرات السلمية ويصر على الخيار العسكري رغم الكلفة الإنسانية الفادحة.
ويأتي هذا التصعيد في الخطاب السياسي والميداني في وقت يواصل فيه المدنيون دفع الثمن الأكبر. فمنذ اندلاع النزاع في أبريل/نيسان 2023، قُتل عشرات الآلاف ونزح نحو 13 مليون شخص من مناطقهم، أربعة ملايين منهم لجؤوا إلى دول الجوار. وتصف الأمم المتحدة الأزمة الإنسانية في السودان بأنها "الأسوأ في العالم"، مع تحذيرات متزايدة من خطر المجاعة وتفشي الأمراض نتيجة لانهيار النظام الصحي.
وكانت محكمة العدل الدولية رفضت الشهر الماضي دعوى رفعها السودان ضد دولة الإمارات، اتهمها فيها بالتواطؤ في ارتكاب إبادة جماعية من خلال دعم قوات الدعم السريع، وهي اتهامات نفتها الإمارات بشدة. وقالت المحكمة إنها لا تملك الاختصاص للنظر في القضية، ما أُعتبر انتكاسة لمحاولات الخرطوم تصعيد الملف على الساحة الدولية.
ومع استمرار المعارك وتعثر المساعي السياسية، تتزايد المخاوف من تحوّل الصراع في السودان إلى حرب استنزاف طويلة الأمد تهدد بتفكيك الدولة وتوسيع رقعة الإبادة الجماعية، في ظل عجز المجتمع الدولي عن اتخاذ خطوات فاعلة لوقف النزاع وحماية المدنيين.