تركيا تثبت نفوذها في سوريا من بوابة التعاون العسكري والأمني وإعادة الإعمار

وزير الدفاع التركي يربط إعادة تقييم الوضع بتحقيق السلام والاستقرار في سوريا وزوال خطر الإرهاب في المنطقة تماما.

أنقرة – قال وزير الدفاع التركي يشار غولر إن تركيا تقدم التدريب والمشورة للقوات المسلحة السورية وتسهم كذلك في تعزيز دفاعاتها، إلا أنه لا توجد لديها خطط لسحب قواتها المتمركزة هناك أو نقلها على الفور، وهو ما يؤكد أن تركيا تسعى إلى تثبيت وجودها في البلاد الى أجل غير مسمى لتحقيق مصالحها في المنطقة.

وتركيا حليف أجنبي رئيسي للحكومة السورية الجديدة منذ أطاحت قوات من المعارضة، حظي بعضها بدعم أنقرة لسنوات، بالرئيس السوري السابق بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول، وبسقوط الأسد انتهى حكم عائلته الذي استمر خمسة عقود.

ووفق ما ذكر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعتبر تركيا الرابح الأكبر من سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وهو ما يتفق معه العديد من المحللين خصوصا بالنسبة إلى عويم التيارات الإسلامية في المنطقة مرة أخرى بعد تعثر مشاريعهم وسقوط أنظمة حكمهم، وتأسيس قواعد عسكرية، وتسييس ملف اللاجئين السوريين، وتفكيك الخطر الكردي، ودعم جهود محاربة تنظيم داعش، وتوظيف انسحاب محتمل للولايات المتحدة من سوريا، وتراجع دور إيران في تفاعلات الإقليم، وتقاسم ضمني للنفوذ مع إسرائيل في سوريا، والمساهمة في جهود إعادة إعمار سوريا، والانخراط في صناعة الطاقة (النفط والغاز الطبيعي) السورية.  

وتتهيأ أنقرة لتعزيز نفوذها الاقتصادي والاستراتيجي في سوريا عبر بوابات إعادة البناء والاستثمار في البنية التحتية والصناعات الحيوية.

ووعدت تركيا بالمساعدة في إعادة إعمار سوريا وتسهيل عودة ملايين اللاجئين السوريين من الحرب الأهلية، ولعبت دورا رئيسيا الشهر الماضي في رفع العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على سوريا.

ويعكس هذا التوجه طموح تركيا في ترسيخ موقعها كمحور إقليمي رئيسي قادر على لعب أدوار متعددة في ساحات سياسية واقتصادية شديدة التعقيد.

ويثير النفوذ التركي الجديد في دمشق القلق في الدوائر الإسرائيلية ويهدد باندلاع مواجهة أو ما هو أسوأ في سوريا بين القوتين الإقليميتين.

وقال غولر في إجابات مكتوبة على أسئلة من رويترز إن تركيا وإسرائيل تواصلان محادثات فض النزاع للحيلولة دون وقوع أي صدام عسكري بينهما في سوريا. ونفذت إسرائيل أحدث غاراتها الجوية على جنوب سوريا في وقت متأخر الثلاثاء.

وأكد وزير الدفاع التركي أن الأولوية العامة لتركيا في سوريا هي الحفاظ على سلامة أراضيها ووحدتها والقضاء على الإرهاب، مشيرا إلى أن أنقرة تدعم دمشق في هذه الجهود.

وقال غولر "بدأنا في تقديم خدمات التدريب والمشورة للقوات المسلحة السورية مع اتخاذ خطوات لتعزيز قدرة سوريا الدفاعية"، دون الخوض في تفاصيل تلك الخطوات.

وأضاف غولر، الذي عيّنه الرئيس رجب طيب أردوغان في هذا المنصب قبل عامين، أنه من السابق لأوانه مناقشة إمكان انسحاب أو نقل أكثر من 20 ألف جندي تركي من سوريا.

وتسيطر أنقرة على مساحات شاسعة من شمال سوريا وأقامت عشرات القواعد هناك بعد عدة عمليات عبر الحدود في السنوات القليلة الماضية ضد المسلحين الأكراد الذين تعتبرهم إرهابيين.

وقال غولر "لا يمكن إعادة تقييم هذا الوضع إلا عندما يتحقق السلام والاستقرار في سوريا ويزول خطر الإرهاب في المنطقة تماما وعندما تصبح حدودنا آمنة بالكامل ويعود النازحون بسلام".

وتأمل أنقرة في أن يتم تنفيذ الاتفاق الذي وقّعه الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، مع قائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، مظلوم عبدي، القاضي باندماج الأخيرة في مؤسسات الدولة السورية، من أجل تجنُّب عمليات عسكرية جديدة قد تعرقلها واشنطن، بدعوى الاتفاق ذاته.

وأرسلت تركيا رئيس مخابراتها إبراهيم كالين، كأرفع مسؤول يزور دمشق بعد أيام قليلة من سقوط الأسد وسارعت إلى التنسيق مع حكومة دمشق الجديدة في مختلف المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية لضمان نفوذها في البلاد.

وتراقب مسألة الانسحاب الأميركي من سوريا، وتسعى إلى دفع الجدول الزمني للانسحاب، وإقناع الولايات المتحدة بقدرة إدارة دمشق، بدعم منها، على التصدي لبقايا تنظيم داعش الإرهابي، والسيطرة على السجون التي توجد بها عائلات عناصر التنظيم، والخاضعة لسيطرة "قسد" حتى الآن.

وتتهم تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، إسرائيل بتقويض السلام وإعادة الإعمار في سوريا بعملياتها العسكرية هناك في الأشهر القليلة الماضية، وتوجه أيضا نقدا شديدا، منذ أواخر 2023، للهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة.

لكن القوتين الإقليميتين تعملان بهدوء على إنشاء آلية لفض النزاع في سوريا.

ووصف غولر المحادثات بأنها "اجتماعات على المستوى الفني لإنشاء آلية لفض النزاع لمنع وقوع أحداث غير مرغوب فيها” أو صراع مباشر، بالإضافة إلى “هيكل للتواصل والتنسيق".

وقال "جهودنا لتشكيل هذه الآلية وتطبيقها بالكامل مستمرة. ومع ذلك، يجب ألا ننسى أن آلية فض النزاع ليست تطبيعا".