تركيا تُصعّد تدخلها في سوريا بذريعة 'مكافحة النوايا الانفصالية' للأكراد

تحذيرات وزارة الدفاع من تداعيات النوايا الانفصالية لقسد على الأمن الإقليمي يشير لإمكانية توسيع الجيش التركي لعملياته في الشمال السوري.

أنقرة/دمشق - تواصل تركيا تدخلها في الشأن السوري بذريعة حماية أمنها القومي ومنع ما تصفه بـ"النوايا الانفصالية" لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والمجالس الكردية في الشمال السوري، في خطوة تعتبرها أطراف سورية محلية وإقليمية عاملاً معرقلاً لجهود إعادة الاستقرار إلى البلاد.
وجاء آخر موقف رسمي تركي في هذا السياق من وزارة الدفاع، التي أكدت الأربعاء أن "مطالب الحكم الذاتي في سوريا، والتصريحات المؤيدة لها، تمثل تهديداً مباشراً لوحدة الأراضي السورية وسيادتها، وتزعزع الاستقرار الإقليمي" مضيفة أن "سلامة الأراضي السورية ووحدتها السياسية تشكل أولوية أساسية بالنسبة لتركيا"، مشددة على رفضها القاطع لأي مشاريع فيدرالية أو لا مركزية تتعارض مع هذا الهدف فيما اعتبرت هذه التصريحات بداية لتدخلات عسكرية تركية جديدة في الشمال السوري.

سلامة الأراضي السورية ووحدتها السياسية تشكل أولوية لتركيا

وتُتهم أنقرة بتوظيف ذريعة محاربة "الكيانات الانفصالية" للتغطية على تحركات عسكرية وسياسية تهدف إلى توسيع نفوذها الجغرافي في الشمال السوري، حيث تنتشر قواتها منذ سنوات بدعم من فصائل سورية معارضة. وقد نفذت أنقرة منذ عام 2016 عدة عمليات عسكرية كبرى تحت مسميات "درع الفرات"، و"غصن الزيتون"، و"نبع السلام"، قالت إنها تستهدف وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقسد، التي تصنفها كـ"منظمة إرهابية".
ورغم أن تركيا تؤكد أن تدخلها لا يستهدف سيادة سوريا، فإن هذا الوجود العسكري، إلى جانب سعيها لإنشاء "منطقة آمنة" بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، يُنظر إليه من قبل الاكراد كخرق وتهديد متصاعد. وقد أعربت الرئاسة السورية، الأحد، عن رفضها القاطع لـ"أي محاولات فرض واقع تقسيمي أو إقامة كيانات ذات طابع انفصالي"، معتبرة أن وحدة سوريا أرضاً وشعباً "خط أحمر لا يمكن تجاوزه".
ويأتي هذا التصعيد في التصريحات المتبادلة بين أنقرة و"قسد" في وقت حساس تمر به البلاد، بعد الانهيار الكامل للنظام السابق في ديسمبر/كانون الأول 2024، وصعود سلطة انتقالية جديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع مدعومة من أنقرة. وقد فتحت هذه المرحلة الباب أمام جهود دولية ومحلية لإعادة توحيد مؤسسات الدولة، وتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات حرة بإشراف دولي.
لكن هذه الجهود مهددة بسبب استمرار حالة الاستقطاب في الشمال، حيث تُتهم "قسد" بالسعي لفرض نموذج حكم ذاتي مستنسخ عن تجربة إقليم كردستان العراق، مدعومة من واشنطن، التي تحتفظ بعدد محدود من القوات الخاصة في المنطقة لحماية ما تسميه "الشركاء المحليين في الحرب على الإرهاب".
في المقابل، ترى قوات سوري الديمقراطية أن مطالبها بالفيدرالية أو اللامركزية لا تعني الانفصال، بل تهدف لتأمين حقوق مكونات شمال وشرق سوريا، بما في ذلك الأكراد والعرب والآشوريين. وقد عقدت مؤخراً اجتماعاً مع الرئيس الشرع نتج عنه اتفاق أولي على التهدئة والتنسيق حول مستقبل الدولة، لكن سرعان ما توترت الأجواء مجدداً بسبب تصريحات قيادات في "قسد" تتحدث عن "ترسيخ واقع فيدرالي" في مناطقها، ما اعتبرته دمشق خرقاً للاتفاق.
ويرى محللون أن استمرار تركيا في التدخلات العسكرية والسياسية، تحت شعار "منع الانفصال"، يعرقل فرص الاستقرار الفعلي في سوريا، ويزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي، خاصة في ظل صراع المصالح بين أنقرة وواشنطن في الملف الكردي.
وتتزايد التحذيرات من أن هذه السياسات قد تجر البلاد إلى مواجهات جديدة في مناطق الشمال، في وقت تبدو فيه مؤسسات الدولة الهشة بحاجة إلى الدعم لا إلى مزيد من الانقسامات، وسط تحديات اقتصادية وإنسانية متفاقمة.
كما يؤكد البعض أن استعادة الاستقرار في سوريا لن تتم إلا عبر حل سياسي شامل يضمن وحدة الأراضي السورية، ويعالج المطالب المحلية في إطار سيادي موحد، مع إنهاء جميع أشكال التدخلات الأجنبية، سواء العسكرية أو السياسية.