تركيا.. لا حقّ في التعليم لسبعين ألف طالب شيوعي

الإجراءات تهدف إلى إعادة تشكيل الجامعات لتكون أماكن خالية من أي آراء معارضة وتظهر القضية شأنها شأن قضايا أخرى عديدة بجامعة البوسفور وجامعات أخرى في أنحاء تركيا.

بقلم: دينيز يورت

يواجه الطلاب والأكاديميون الأتراك أوقاتا عصيبة. فتطبيق تشريع قمعي، في ظل لهجة عدائية وتهديدات من حزب العدالة والتنمية، يكشف عما وصفها أحد الطلاب، بأنها محاولة لإبعاد كل الأصوات المعارضة من الجامعات والمدارس الثانوية.

والكلمات الفظة التي وجهها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لطلاب بجامعة البوسفور (بوغازي) المرموقة في إسطنبول لاعتراضهم على احتفالات في حرم الجامعة بشأن النجاح التركي في عفرين بشمال غرب سوريا، توضح أحد أوجه الأسلوب القمعي الذي تنتهجه الحكومة تجاه التعليم الأكاديمي.

قال الرئيس إن الطلاب "شيوعيون" و "إرهابيون" ولا ينبغي السماح لهم بالدراسة في الجامعات التركية. وسارعت الشرطة إلى احتجاز أكثر من 20 طالبا قال العديد منهم إنهم تعرضوا للضرب خلال احتجازهم.

إنّ هذا يشبه نهجا شوهد في يناير 2016 عندما وقع أكثر من 2000 أكاديمي على التماس يطالب القوات المسلحة التركية بوقف الأنشطة التي تهدد حياة المدنيين، خلال الصراع مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق تركيا. ووصف أردوغان الموقعين على الالتماس بأنهم "محبون للإرهابيين" ويمثل 148 منهم حاليا أمام القضاء، وصدرت أحكام على ثلاثة منهم في شهر فبراير الماضي.

إنّ ما ينطبق على نحو ثلث المحتجزين في البلاد من أحكام السجن أو الاحتجاز لفترات طويلة انتظارا للمحاكمة، ستكون بالطبع نهاية المطاف بالنسبة للطلاب. وبفضل مرسوم صدر في ظل حالة الطوارئ المطبقة حاليا في تركيا منذ محاولة الانقلاب العسكري في يوليو 2016 فإن الفترات التي يقضيها الطلاب خلف القضبان قد تضرهم بشدة، أو تعوقهم نهائيا عن استكمال تعليمهم، مثلما اكتشف إمره بكير الطالب الصحفي بجامعة أنقرة.

قال بكير "لقد سلبوا مني أهم حقوقي الأساسية وهو الحق في التعليم". وقضى بكير تسعة أشهر في السجن بعد إلقاء القبض عليه لحضوره مؤتمرا صحفيا انتقد سياسات الحكومة بحرم جامعة أنقرة في مارس من العام الماضي.

لكل المواطنين الحق في الحصول على تعليم وفقا للفقرة 42 من الدستور التركي. لكن المرسوم 667، الذي صدر في ظل حالة الطوارئ المطبقة منذ يوليو 2016، حرم من الناحية الفعلية الأتراك المتهمين بجرائم مرتبطة بـ "منظمات (إرهابية)" من هذا الحق بمنعهم من حضور الامتحانات.

يشرح العقاب الذي لحق ببكير لحضوره مؤتمرا صحفيا طلابيا التعريف الفضفاض الذي تصنف به الحكومة مثل هذا الجرائم. فالشهور التسعة في السجن والامتحانات التي فاتته نتيجة لذلك، كلفت بكير عامين من تعليمه. كان موعد تخرجه سيحل في 2019 لكنه تأجل على 2021. مع وجود نحو 70 ألفا  - نحو الثلث – من السجناء الأتراك مسجلين في برامج مساوية للتعليم الثانوي، أو التعليم عن بعد، فإن عدد الأتراك المتضررين من المرسوم ضخم للغاية.

أطلقت السلطات سراح بكير في ديسمبر 2017 انتظارا لمحاكمته، ليواجه المزيد من المصاعب. فقد جرى تخفيض منحته الدراسية بسبب إلقاء القبض عليه. ولذلك سيحتاج الطالب للحصول على عمل لاستكمال دراسته. ورغم ذلك، يمكن أن يعد بكير من بين المحظوظين. فبعض الطلاب السجناء طردوا على أساس أنهم لم يحضروا دروسا إجبارية في دراساتهم. ولم تلتمس مؤسساتهم التعليمية العذر لهم رغم احتجازهم.

قال بكير معلقا على الإجراءات التي اتخذت ضده "لم يقوموا بذلك معنا بمحض الصدفة. لقد حُرمنا من حقنا في التعليم لأننا لم نتمكن من الدراسة.. لقد حُرمنا من حقوقنا الأساسية طوال فترة السجن". وقال بكير إن ذلك كان جزءا من جهود حكومية لسحق كل المعارضة. وأوضح "أكثر المؤسسات انتقادا للحكومة هي الجامعات. لكنهم طردوا بالفعل عددا كبيرا من الأكاديميين المعارضين".

يتربص بهذه الأصوات المعارضة رؤساء جامعات عينتهم الحكومة وفقا لإجراء جرى تطبيقه في ظل حالة الطوارئ بشهر أكتوبر من عام 2016.

وجود رؤساء الجامعات هؤلاء لاستئصال الأصوات المعارضة من القمة وصل لذروته بأدلة ملفقة ضد الطلاب، حسب ما قالته إحدى المحاميات لـ "أحوال تركية". قالت جولان كاليلي التي تتابع عن كثب القضايا المرفوعة ضد الطلاب المقبوض عليهم إن المدعين يصلون إلى قاعات المحاكم، ومعهم شهادات لا ينبغي أبدا قبولها كأدلة.

تطعن كاليلي في الشهادات قدر استطاعتها، وقد ساعدها ذلك في تأمين إطلاق سراح بعض الطلاب المدعى عليهم. وبجانب ما يفرضه هذا الوضع من سابقة تنتقل إلى تحقيقات أخرى، تتحدث كاليلي عن زيادة في أدلة زائفة أخرى على نحو صارخ.

قالت "في إحدى القضايا جرى تسجيل المعلومات عن عدد من الطلاب يدرسون في كليات مختلفة في أنحاء المدينة جميعها في نفس الساعة. في هذا الملف كان المخبر متهورا بدرجة كافية لدرجة أنه ترك ملحوظة تبلغ الشرطة أن تخطره عندما يجري إلقاء القبض على المشتبه بهم". وقالت إن من بين التهم الموجهة للطلاب التحضير لتنفيذ هجمات بقنابل وأنها (التهم) تستند جميعها على ما ينقله مبلغون مشتبه بهم على نحو كبير. كما اكتشف بكير، يتسبب هذا في إبقاء الطلاب في الحجز لمدة تصل إلى عام قبل محاكمتهم.

قال بكير إن كل هذه الإجراءات تهدف إلى إعادة تشكيل الجامعات لتكون أماكن خالية من أي آراء معارضة. وتظهر قضيته، شأنها شأن قضايا أخرى عديدة بجامعة البوسفور وجامعات أخرى في أنحاء تركيا، أنه وبالرغم من كل المخاطر فإن الطلاب ما يزالون يملكون الشجاعة على المقاومة.

عن أحوال تركية