تشنج سياسي جزائري يكشف تفاقم الأزمة مع فرنسا

قضية اعتقال السلطات الجزائرية للكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال تعتبر أحدث فصل في التوتر بين باريس والجزائر.

الجزائر – تحول اعتقال الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال بعد حديثه عن مغربية الصحراء الشرقية وإثارته لمعلومات تاريخية تؤكد أن فرنسا اقتطعت في حقبة الاستعمار جزء من أرض المملكة وضمته للجزائر، إلى مادة دسمة في الاعلام الجزائري الذي شن حملة على صنصال واتهمه بالخيانة كما وجه انتقادات عنيفة لمطالبة باريس نخبا وحكومة بالإفراج عن الكاتب السبعيني.

وعكست هذه القضية حالة الشد والجذب التي لا تهدأ بين الجزائر وباريس والتي تكشف بوضوح استمرار التشنج السياسي على خلفية أكثر من قضية خلافية بين البلدين: خلافات قديمة وأخرى ناشئة.

ويشكل اعتقال صنصال أحدث فصل من فصول التوتر بين الجزائر وفرنسا، بينما عكست التقارير الإعلامية حالة التشنج السياسي الذي لم يهدأ منذ زيارة الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون للمغرب وتجديد التزام بلاده بدعم الجهود الدولية للاعتراف بمغربية الصحراء وبمقترح الحكم الذاتي تحت سيادة المملكة حلا وحيدا للنزاع المفتعل من قبل الجزائر وجبهة بوليساريو الانفصالية.

وقد خصصت صحيفة الخبر المقربة من السلطة والتي تعبر تقاريرها عن موقف النظام الجزائري، حيزا واسعا لقضية اعتقال صنصال وللموقف الفرنسي من ذلك، معتبرة أن باريس "سقطت مجددا هي ونخبها في المستنقع العفن برعايتها لكل الأنشطة والأعمال التي تستهدف الجزائر ومقوماتها الهوياتية والحضارية".

وقالت الصحيفة إن فرنسا اختارت مجددا السير في الطريق الخطأ، متهمة باريس باستهداف الجزائر، مستحضرة مفردات من قبيل "الاستعمار القدم الجديد" وأن الأخير لا يخفي "انزعاجه من رؤية الشعب الجزائري يختار طريقه بعيدا عن إملاءات جلاد الأمس ويمضي دون التفات وراءه نحو ترسيخ الريادة في المنطقة، بحرا وجوا وبرا، ترسيخا للسيادة المسترجعة في 5 جويلية 1962، مهما بلغت التحديات والرهانات والتهديدات".

ونشرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية تقريرا تحت عنوان "صنصال، دمية التيار التحريفي المعادي للجزائر"، قالت فيه، إن "الجزائر تعد الضجة الكوميدية التي تثيرها بعض الأوساط السياسية والفكرية الفرنسية حول حالة بوعلام صنصال, دليلا إضافيا على وجود تيار حاقد ضد الجزائر. وهو لوبي لا يفوت أي فرصة للتشكيك في السيادة الجزائرية".

وتابعت "كما أدى توقيف بوعلام صنصال المثقف المزعوم المبجل من قبل اليمين المتطرف الفرنسي إلى ايقاظ محترفي السخط إذ هبت الأسماء المعادية للجزائر والمؤيدة للصهيونية في باريس هبة رجل واحد... قد صعدوا إلى الواجهة للدفاع عن هذا المحترف للتزييف والذي وقع في شر أعماله".

واستحضرت الوكالة في الوقت ذاته اسم كمال داود صاحب رواية 'حوريات' ضمن سياق نظرية المؤامرة على الجزائر، منددة أيضا بموقف الرئيس الفرنسي لتعبيره عن قلقه البالغ من اعتقال السلطات الجزائرية للكاتب بوعلام صنصال.

وقالت إن "فرنسا الماكرونية الصهيونية تشجب توقيف صنصال (في مطار الجزائر) لكنها لم تصرح للعالم عما إذا كانت لديها السيادة اللازمة التي تمكنها من اعتقال بنيامين نتنياهو إذا وطأت قدمه مطار شارل ديغول! وبما أن باريس تتحدث عن القانون وحقوق الإنسان، فإن الامتثال للقانون الدولي في حالة نتنياهو قد يكون ذلك بداية جيدة لها"، في عملية اسقاط لا وجه للمقارنة فيها بين صنصال ونتنياهو.

وهاجمت الوكالة الجزائرية الرئيس الفرنسي وما اعتبرته تناقضا في مواقفه بالقول "إن فرنسا في عهد ماكرون ليست غريبة عن التناقضات، فهذا الرئيس الذي يتحدث عن جرائم ضد الإنسانية في الجزائر بخصوص الاستعمار الفرنسي ويقر بالاعتراف التاريخي باغتيالات دولة طالت علي بومنجل وموريس اودان والعربي بن مهيدي ويقوم بتكليف سفيره بوضع اكليل من الزهور على قبر شهيدنا، هو نفسه الذي يدافع عن منكر يشكك في وجود الجزائر واستقلالها وتاريخها وسيادتها وحدودها "، في إشارة لبوعلام صنصال.

وتساءلت "أليس من الأجدر لفرنسا التي تشرع قوانين الذاكرة في كل مرة، خاصة لما يتعلق الأمر بمعاداة اليهود (قانون غيسو), أن تدين صنصال لمحاولته انكار وجود الأمة الجزائرية؟ قد يشكل هذا موضوعا جيدا للدراسة والتفاوض بالنسبة لبنجامين ستورا!"، المكلف بملف الذاكرة.

ونقلت صحيفة 'الخبر' عن بعض الفاعلين السياسيين قولهم إن السلطات الجزائرية تأخرت في اعتقال صنصال، متهمين إياه بالعمالة والخيانة وبالانخراط في حملة اليمين المتطرف على الجزائر.

وبدا واضحا من خلال تصريحات هؤلاء ومن تقرير وكالة الأنباء الجزائرية تسييس قضية الكاتب الفرنسي ممن أصل جزائري فقط لأنه أدلى بمعطيات معلومة حول مغربية الصحراء الشرقية ومسؤولية فرنسا التاريخية عن اقتطاع جزء من أرض المغرب لصالح الجزائر.

وتذهب معظم الآراء التي ساقتها 'الخبر' وغيرها من وسائل الاعلام الجزائرية في سياق واحد هو اتهام صنصال بـ"الخيانة والعمالة" فقط بسبب تصريحاته بينما مواقف الكاتب معروفة من ذي قبل ولم يتعرض قبلها للاعتقال أو للحملة الشرسة التي يتعرض لها بعد تصريحاته عن مغربية الصحراء الشرقية.