تعزيز التعاون العسكري بين الصين ومصر يثير مخاوف إسرائيل وأميركا
القاهرة - تعكس المناورات الجوية المشتركة بين الصين ومصر تصاعداً في مستوى التعاون العسكري بين البلدين، وهو تعاون لا يقتصر فقط على تبادل الخبرات والتدريبات بل يمتد ليشمل صفقات تسليح وتنسيقاً استراتيجياً متزايداً. وتُعد هذه التدريبات التي أُجريت فوق أهرامات الجيزة رسالة واضحة إلى أطراف إقليمية ودولية، مفادها أن القاهرة بدأت تنوّع شركاءها الدفاعيين بعيداً عن المحور التقليدي الذي تقوده واشنطن، وهو ما من شأنه أن يثير قلق الولايات المتحدة، الحليف العسكري الأكبر لمصر، والتي لطالما لعبت دوراً مركزياً في دعم المؤسسة العسكرية المصرية سواء عبر المساعدات أو صفقات الأسلحة النوعية.
من جهة أخرى، فإن إسرائيل تتابع هذا التقارب الصيني المصري بعين القلق، خاصة في ظل تمركز وحدات عسكرية مصرية متزايدة في شبه جزيرة سيناء، والتي تعد حساسة من الناحية الأمنية بالنسبة لتل أبيب. فقد عبّر مسؤولون إسرائيليون في أكثر من مناسبة عن تخوفهم من تصاعد القدرات العسكرية المصرية، خاصة الجوية، في هذه المنطقة التي تمثل أهمية استراتيجية للجانبين منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد. وفي حال استمرت القاهرة في تعزيز علاقاتها الدفاعية مع بكين، فقد يتغير ميزان القوى التقليدي في شرق المتوسط، وهو ما سيزيد من تعقيد حسابات الأمن الإقليمي.
ونشر الجيش الصيني أمس الاثنين مقاطع مصورة لمقاتلاته النفاثة وطائراته الهليكوبتر وطائرات النقل وهي تحلق على ارتفاع شاهق فوق الصحراء، وأشاد بأول تدريبات جوية مشتركة مع مصر، ووصفها بأنها "إشارة إلى تعميق العلاقات العسكرية وتحول التحالفات".
وتأتي التدريبات المشتركة مع أحد أكبر شركاء الولايات المتحدة في مجال الأمن في الوقت الذي تتجه فيه واشنطن بشكل متزايد إلى التركيز على الداخل في عهد الرئيس دونالد ترامب، مما يسمح للصين بتعميق العلاقات في أنحاء شمال أفريقيا واستثمار مليارات الدولارات في مشروعات أمنية.
وورد في التعليق الصوتي المصاحب لمقطع مصور بثته شبكة تلفزيون الصين الدولية التابعة للتلفزيون المركزي الصيني (سي.سي.تي.في) "في حين تتطلع مصر إلى ما هو أبعد من شراكتها التقليدية مع الولايات المتحدة، فإن عهدا جديدا من التعاون يحلق في سماء القاهرة". وعرض المقطع طائرة نفاثة تقلع أثناء الليل.
وقالت صحيفة غلوبال تايمز، المملوكة لصحيفة الشعب الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الحاكم، نقلا عن خبراء إن تدريبات "نسور الحضارة 2025" أرست الأساس لمختلف أشكال التعاون المحتمل بين جيشي البلدين في وقت تسعى فيه مصر إلى تحديث عتادها العسكري".
ويقول محللون إن التدريبات التي تستمر 18 يوما تساعد مصر أيضا على ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية كبرى بين الدول العربية وشمال أفريقيا وسط الاضطرابات الإقليمية المتزايدة.
ويثير تصاعد التعاون العسكري بين الصين ومصر قلقاً متزايداً في إسرائيل، التي تعتبر أي تعزيز للقدرات الدفاعية المصرية، خاصة بدعم من قوى كبرى منافسة للولايات المتحدة، تهديداً محتملاً لتفوقها العسكري في المنطقة. وتخشى تل أبيب من أن يؤدي هذا التقارب إلى تحول في العقيدة العسكرية المصرية وتحديث لمنظوماتها القتالية بعيداً عن الرقابة أو الضمانات الأمريكية التقليدية، بما في ذلك إدخال تكنولوجيا صينية متقدمة في مجالات الطائرات بدون طيار، أنظمة الدفاع الجوي، والاستخبارات. كما أن تمركز قوات مصرية كبيرة في سيناء، بدعم تدريبي أو تقني من الصين، يضع اتفاقية كامب ديفيد تحت اختبار سياسي وأمني جديد، خاصة في ظل غياب التنسيق الثلاثي المعتاد بين القاهرة وتل أبيب وواشنطن.
أي قوة إقليمية كبيرة تحتاج إلى قوات جوية
وقال إريك أورلاندر، المؤسس المشارك لمشروع الصين-الجنوب العالمي "إنها دبلوماسية عامة رائعة (للصين)، لا سيما في الشرق الأوسط... هذا ما يدفع الناس إليهم من أجل شراء طائرات مسيرة، وصواريخ أرض-جو، وأسلحة خفيفة، ووسائل نقل، غيرها" مضيفا "أي قوة إقليمية كبيرة تحتاج إلى قوات جوية، إليس كذلك؟".
وحذر أورلاندر من أن تغيير أنظمة المقاتلات النفاثة مكلف جدا، وأن واشنطن قد تقرر حجب الدعم العسكري المالي عن القاهرة إذا زادت مشترياتها من التقنيات الصينية. لكن الولايات المتحدة، الشريك الأمني الرئيسي لمصر وإسرائيل والأردن والسعودية ودول الخليج منذ أواخر السبعينات، خفضت بشكل كبير الإنفاق الخارجي في عهد ترامب.
وتعهدت الصين بضخ مليارات الدولارات من الاستثمارات الجديدة لمشروعات مثل تصنيع الأقمار الصناعية في مصر القادرة على إنتاج معدات مراقبة عسكرية.
وقالت القوات الجوية الصينية في بيان بمناسبة اختتام التدريبات إنها تمثل "نقطة بداية جديدة ومعلما مهما في التعاون العسكري بين البلدين".