
تغييرات في جهاز الاستخبارات.. شنقريحة يُعيد ترتيب أوراقه
الجزائر - على الرغم من أن المؤسسة العسكرية الجزائرية تحرص على إظهار التماسك والوحدة، إلا أن سجلها التاريخي والحالي يشير إلى وجود ديناميكيات معقدة وصراعات نفوذ بين مختلف الأجنحة والقوى الفاعلة. والاعلان عن تعيين الجنرال عبدالقادر آيت وعرابي المعروف بـ'الجنرال حسان'، مديرا جديدا لجهاز الأمن الداخلي الجزائري، خلفا للجنرال عبدالقادر حداد المعروف باسم 'الجنرال ناصر الجن'، هو حلقة جديدة في هذا المسلسل.
وتذهب معظم القراءات إلى أن تعيين الجنرال حسان على رأس جهاز الأمن الداخلي (المخابرات) دليل على وجود صراعات أو على الأقل ديناميكيات معقدة داخل المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية الجزائرية. وهناك عدة مؤشرات تدعم هذه الفرضية.
الجنرال حسان نفسه سُجن عام 2015 بتهم تتعلق بـ"عدم احترام التعليمات العسكرية وإتلاف وثائق عسكرية"، وهي تهم جاءت في سياق صراع نفوذ واضح بين قيادة الجيش آنذاك بقيادة الراحل الفريق قايد صالح وجهاز المخابرات (الجنرال توفيق) الذي كان الجنرال حسان أحد أبرز رجاله. وتبرئته لاحقا وعودته إلى منصب قيادي بهذا الحجم تُشير إلى أن موازين القوى تغيرت، وأن هناك إعادة ترتيب داخل أروقة السلطة.
وتشير إقالة سلفه الجنرال ناصر الجن بعد فترة قصيرة في المنصب إلى هذه التغييرات اذ لم يمكث في منصبه إلا 11 شهرا. وهذا التغيير السريع في مناصب قيادية حساسة كهذه غالبا ما يكون مؤشرا على عدم استقرار أو وجود تباينات في الرؤى والاستراتيجيات داخل القيادة العليا.

ولم يصدر أي بيان رسمي يوضح أسباب إقالة الجنرال ناصر الجن وتعيين الجنرال حسان. وهذا الغموض يفتح الباب أمام التكهنات والتحليلات وكثير منها يربط هذه التغييرات بصراعات داخلية على النفوذ أو خلافات حول مقاربة ملفات أمنية واستراتيجية معينة مثل ملف الساحل أو العلاقات مع فرنسا.
وثمة تضارب في التفسيرات حول أسباب التغيير المفاجئ، اذ يذهب البعض إلى اعتباره إعادة اعتبار لشخصيات "مُبعدة"، فعودة الجنرال حسان للخدمة بعد فترة من السجن والتهم التي وجهت إليه، هي جزء من نمط أوسع شهد عودة شخصيات عسكرية وأمنية أخرى كانت قد أُبعدت أو سُجنت في فترات سابقة (مثل الجنرال توفيق بعد وفاة قايد صالح). وهذا يُشير إلى أن هناك "جناحا" أو "تيارا" داخل المؤسسة العسكرية يعيد ترتيب أوراقه ويستعيد نفوذه.
وتربط بعض التحليلات هذه التغييرات برغبة في تعديل السياسة الخارجية للجزائر، خاصة في ما يتعلق بالعلاقات مع فرنسا ودول الساحل. وهذا الجانب يعكس وجود تباين في كيفية إدارة هذه الملفات الحساسة بين الفاعلين المختلفين داخل النظام.

وتحمل عودة الجنرال حسان لهذا المنصب الحساس عدة دلالات من بينها أنها قد تكون رسالة قوية من المؤسسة العسكرية، فهذا التعيين قد يُشير إلى تغيير في الاستراتيجية الأمنية، أو إلى رغبة في تعزيز قبضة الجيش على أجهزة الدولة الحساسة. كما أن نشر وزارة الدفاع الوطني لفيديو مراسم التنصيب يعكس رغبة في إضفاء الشفافية والتأكيد على أهمية المنصب.
كما يشير التعيين إلى رغبة المؤسسة العسكرية في الاعتماد على قيادات مجربة وذات كفاءة في مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة، سواء داخليا أو خارجيا.
ويعرف الجنرال آيت وعرابي (الجنرال حسان) بخبرته الطويلة في مكافحة الإرهاب، حيث كان يقود فصيلا أمنيا ميدانيا تابعا لجهاز المخابرات العسكرية بين عامي 1995 و 2015.
وعلى الرغم من عودة شخصيات ذات تاريخ مثير للجدل، قد يُنظر إلى هذه التغييرات على أنها تؤكد استمرار النهج الأمني الذي يهيمن على مفاصل الدولة في الجزائر وتفضيل النظام الحالي لاستمرارية الوضع القائم على حساب إصلاحات أعمق.
ويأتي هذا التغيير الذي أعلن عنه السبت ورافقته هالة إعلامية بترتيب من وزارة الدفاع وقيادة الجيش، في ظل تحديات أمنية إقليمية متزايدة، حيث تسعى الجزائر لتعزيز استراتيجيتها الأمنية لمكافحة الإرهاب وتأمين الحدود.
ووفق بيان صادر عن وزارة الدفاع الجزائرية، أشرف الفريق أول سعيد شنقريحة الذي يشغل أيضا منصب الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، على مراسم تسليم وتسلم المهام بمقر المديرية العامة للأمن الداخلي بالعاصمة الجزائرية.