'تلميذ القرية' يقدم صورة واقعية للسينما التربوية

المخرج المغربي ياسين أيت فقير يكشف كواليس تجربته الفنية في التعبير عن التوترات النفسية والاجتماعية، ويؤكد على أهمية الصورة في توجيه رسالة تربوية تأملية تعزز الوعي حول قضايا الضغط الاجتماعي في المدارس.

الرباط - ينطلق مهرجان الإمارات السينمائي للأفلام في دورته العاشرة بصورته الجديدة، إذ يفتح أبوابه هذا العام لقبول الأفلام الروائية والرسوم المتحركة والوثائقية والأفلام التي تبلغ مدتها دقيقة واحدة، بالإضافة إلى الأفلام القصيرة الضخمة التي تضم مخرجين يمثلون أكثر من 30 دولة حول العالم، من بينهم المغرب، بفيلم "تلميذ القرية" للمخرج ياسين أين فقير، والذي تدور أحداثه حول الخوف من العقاب في شخصية الطفل "إيدير" حيث يضطر للكذب على أبيه بعد حصوله على نقطة متدنية في نهاية الدورة الأولى الدراسية.

ويعد العمل من الأفلام التربوية الهادفة، كما يحظى المخرج بمشاركة أخرى في الدورة 25 لمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والروائية، وفي هذا السياق كان "لميدل إيست أونلاين" حوار مع المخرج المغربي ياسين ايت فقير حوله كواليس فيلمه الروائي القصير.

وفيما يلي نص الحوار:

من أين استوحيت قصة "إيدير" وخوفه من عقاب والده في قالب تربوي؟

من واقع التعليم الذي أصبح فيه المتعلمون يتخبطون في عدة مشاكل نفسية واجتماعية، ومزاولتي لمهنة التدريس، ويأتي السبب بالإضافة إلى كل هذا، في صياغتي لمشروع متكامل يعنى بآليات إدراج ثقافة الصورة في الحقل التربوي.

ما العناصر السينمائية التي استخدمتها لتعزيز تجربة المشاهد للتفاعل مع خوف "إيدير" وضغوطات المجتمع عليه؟

تمت مراعاة المستوى الفكري للفئة المستهدفة، وارتكنت إلى أسلوب فرجوي جمالي، يتأسس على أدرمة المشاهد السينمائية بطريقة تعمل على إيصال الرسالة والمعنى بشكل يتساوق وطبيعة المتلقي.

كيف قمت بتوجيه الممثلين لتجسيد المشاعر العميقة التي يعيشها "إيدير" خلال اللحظات الصعبة؟

يصعب التعامل مع الأطفال خصوصاً أثناء عملية التصوير، لهذه الغاية تم انتقاؤهم وفق شروط محددة، والعمل معهم لمدة طويلة، بالإضافة إلى تعويدهم على أساليب التمثيل والظهور أمام الكاميرا، مما مكنني من بناء علاقة صداقة متينة مع هؤلاء الأطفال، مبنية على أساس الثقة والاحترام المتبادلين.

هل تعتبر أن "إيدير" يمثل شخصية تعبر عن تجارب عامة في المجتمع، أم أنها قصة فريدة؟

كل تعميم خاطئ، أردت فقط من خلال هذه التجربة المتواضعة، تسليط الضوء على مبدأ الذكاءات المتعددة، إذ يمتلك كل طفل قدرات ومهارات مختلفة، لا يمكن فرض توجه أو أسلوب على أي طفل، بل يجب توجيههم وتأطيرهم لاتخاذ قراراتهم والتعبير عن ميولاتهم واختياراتهم بأنفسهم.

كيف وازنت بين إظهار جوانب الشخصيات الإيجابية والسلبية في الفيلم؟

الإنسان دائماً في صراع مع ذاته، فالنفس البشرية تتأثر وتستمد شخصيتها من الثقافة السائدة في محيطها وتجاربها، إذ ينطبق الأمر على "إيدير" الذي تأثر نموه الثقافي بالبيئة التي يعيش فيها، لهذا الغرض تم صياغة شخصيته بتوازن نفسي معتدل، حيث تبرز جوانب الصراع القيمي بين أسرته، ومدرسته، وزملائه في البيئة القروية.

هل خططت لخلق تأثير معين عندما ابتكرت قصة "إيدير"؟

لا يمكن أن يكون إنتاج أي عمل فني صحيحًا دون التفكير في أبعاده النفسية والاجتماعية وتأثيره على الجمهور، لذلك كان من الضروري بالنسبة لي كمخرج أن أفكر في كل جانب من جوانب القصة بعناية فائقة، وأن أتنبأ بتأثراتها المحتملة، ومن خلال تجربتي السينمائية والأكاديمية، وجدت أن التأثيرات تظهر بوضوح عندما يشاهد الجمهور فيلم "تلميذ القرية"، حيث تتجلى ردود الفعل الإيجابية والتعبير عنها في عدة مناسبات وفعاليات فنية.

كيف استجبت لتحديات تصوير المشاهد التي تتطلب تعابير عميقة لتوصيل الخوف والكذب؟

في رأيي، لا يمكن لأي مخرج أن ينجح في أعماله السينمائية دون استكشاف ثنايا شخصياته النفسية والتعبير عنها بمشاعر عميقة تخدم مصلحة الفيلم، وتخلق الأبعاد الدرامية والواقعية المطلوبة، وهذا بالضبط ما حاولت تحقيقه في أفلامي الروائية والوثائقية.

هل كانت هناك أفلام سابقة أثرت على أسلوبك في إخراج هذا العمل؟

بالطبع، كان لدي تأثر كبير بالسينما الهندية والإيرانية وروادها الذين قاموا بإنتاج أفلام مميزة لصالح الطفل، مثل ساتياجيت راي، وعباس كيروستامي، ومجيد مجيدي، وغيرهم، بالإضافة إلى التجارب السينمائية التي اكتسبتها أثناء تصوير أفلامي التربوية، مثل "صفية"، و"عثرة"، و"تلميذ القرية"، والتي حققت نجاحًا كبيرًا على الصعيدين الوطني والدولي.

كيف يمكن للمشاهدين استخدام تجربة "إيدير" للتأمل في قضاياهم وتحدياتهم اليومية؟

أنتجت الفيلم بكل أمل في تقاسمه على نطاق واسع، وأؤمن بشدة بأهمية ثقافة الصورة في عصرنا الحالي، إذ يجب تربية الأجيال الجديدة على فهم الصور وتحليلها، حتى يتمكن المتعلمون من اختيار الصور التي تساهم في تطوير قدراتهم المعرفية والإدراكية، ويمكنهم نقد الصور السلبية التي قد تؤثر على قيمهم ومبادئهم، بالإضافة إلى ذلك، أعمل جاهدًا على نشر ثقافة الصورة في المؤسسات التعليمية، وتنظيم ورش عمل للمعلمين والطلاب، وتشجيعهم على الانخراط في صناعة الأفلام التربوية والتعبير عن أفكارهم وقضاياهم من خلال الصورة، كما لا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا من خلال اندماج جدي للتعليم والتربية في مجال ثقافة الصورة، يجب تطبيق استراتيجية حقيقية لإدراج ثقافة الصورة داخل الحقل التربوي، بهدف تشجيع المبادرات الإبداعية ونشر التجربة السينمائية التربوية التي تعالج مختلف القضايا التي يواجهها الشباب على جميع المستويات.