تهديدات الخزعلي تثير مخاوف من جر العراق للصراع الإيراني الإسرائيلي
بغداد - أثار البيان الأخير الذي أصدره قيس الخزعلي، الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق، حول التصعيد بين إسرائيل وإيران، تساؤلات جدية بشأن احتمال انخراط الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران في العراق ضمن الصراع الدائر في المنطقة، في وقت يعيش فيه العراق أوضاعًا داخلية حساسة لا تحتمل الانجرار إلى مواجهات إقليمية.
وجاء تصريح الخزعلي في أعقاب تهديدات إسرائيلية علنية باغتيال المرشد الأعلى الإيراني، علي الخامنئي، في إطار تصعيد غير مسبوق ضمن الحرب المستعرة منذ أكثر من أسبوع بين الجانبين. وبينما وصف الخزعلي هذه التهديدات بأنها "تجاوز لكل المواثيق السماوية والإنسانية والدولية"، أعلن بوضوح "وقوفه الكامل إلى جانب الجمهورية الإسلامية ودعمه الثابت لما تقوم به من ردع فاعل للعدوان".
ورغم أن البيان لا يشير صراحةً بأي نية للتدخل العسكري، إلا أن نبرته التصعيدية والداعمة لإيران تفتح الباب لتكهنات كثيرة بشأن إمكانية تحرك فصائل مسلحة عراقية، بعضها منضوٍ ضمن الحشد الشعبي، لمساندة طهران في مواجهة الضغوط العسكرية المتزايدة.
والتصريحات التي أطلقها الخزعلي ليست معزولة عن السياق الإقليمي العام، ولا عن توقيتها. فهي تأتي في ظل حرب مفتوحة بين إيران وإسرائيل اندلعت عقب تبادل الضربات المباشرة بين الطرفين، في تصعيد ينذر بتوسع رقعة النزاع إلى ساحات أخرى في المنطقة. وفي هذا الإطار، يرى مراقبون أن طهران قد تلجأ إلى تفعيل أذرعها المنتشرة في لبنان وسوريا والعراق واليمن، كجزء من استراتيجية لتخفيف الضغط المباشر عنها ونقل المعركة إلى ساحات متعددة.
وبحسب هؤلاء، فإن بيان الخزعلي لا يمكن قراءته بمعزل عن هذه الحسابات، خصوصًا أنه لم يكتف بالإدانة، بل استخدم لغة تتماهى مع خطاب "محور المقاومة" المدعوم من إيران، ما يثير تساؤلات حول جاهزية بعض الفصائل العراقية للعب دور مباشر أو غير مباشر في هذه المواجهة، سواء عبر شن هجمات ضد أهداف غربية أو إسرائيلية أو عبر التصعيد الإعلامي والتحشيد السياسي.
ورغم تأكيد الحكومة العراقية في مناسبات سابقة التزامها بسياسة الحياد وعدم الانخراط في المحاور الإقليمية، فإن واقع وجود فصائل مسلحة تدين بالولاء العقائدي والسياسي لطهران يجعل هذا الحياد مهددًا في أي لحظة، خاصة إذا ما شعرت إيران بأنها محاصَرة عسكريًا وأن أوراق الضغط بدأت تنفد.
وتتخوف جهات سياسية وشعبية في العراق من أن يؤدي أي تورط لفصائل عراقية في الحرب الدائرة إلى تداعيات كارثية على الداخل العراقي، سواء عبر ردود فعل دولية، أو عبر استهداف مواقع داخل العراق من قبل إسرائيل أو حلفائها، خاصة في ظل توفر معلومات استخباراتية لدى هذه الأطراف عن مواقع لفصائل مدعومة من طهران.
ويقول محللون إن العراق، الذي بدأ يشهد نوعًا من الاستقرار النسبي بعد سنوات من العنف والانقسام، ليس بحاجة اليوم إلى أن يكون طرفًا في حرب إقليمية لا ناقة له فيها ولا جمل، خصوصًا أن الصراع الإيراني الإسرائيلي يتجاوز حسابات الدول الصغيرة، ويدور ضمن توازنات دولية معقدة.
ومع استمرار الحرب وتزايد الضغوط على إيران، لا يُستبعد أن تلجأ طهران إلى إشعال جبهات متفرقة، كجزء من استراتيجية "تشتيت المواجهة"، وهو ما قد يدفع بعض الفصائل العراقية المقربة من طهران إلى تنفيذ عمليات عسكرية، سواء في العراق أو خارجه. وقد تشمل هذه العمليات استهداف قواعد أميركية، أو سفارات، أو حتى مصالح غربية وإسرائيلية إن توفرت.
وفي حال تحقق هذا السيناريو، فإن الحكومة العراقية ستكون أمام اختبار صعب، حيث سيتعين عليها اتخاذ موقف واضح تجاه هذه الفصائل، في وقت لا تزال فيه سلطة الدولة محدودة أمام بعض التشكيلات المسلحة ذات النفوذ الكبير سياسيًا وأمنيًا.
ووسط هذه الأجواء المتوترة، تبرز دعوات من قوى سياسية عراقية ومنظمات مدنية إلى التزام الحكومة بسياسة النأي بالنفس، وإلى تحييد البلاد عن أي صراع إقليمي قد يجره إلى دوامة جديدة من العنف. كما دعت أطراف دولية، من بينها بعثات دبلوماسية في بغداد، إلى تجنب استخدام الأراضي العراقية كمنصة لهجمات قد تؤدي إلى تصعيد لا يمكن احتواؤه.
ويبقى السؤال المطروح: هل يستطيع العراق أن يحافظ على حياده في ظل اشتداد المواجهة بين حليفته الجارة، إيران، وخصمها اللدود، إسرائيل؟ أم أن الضغوط المتزايدة، والتشابك العميق بين الفصائل المسلحة والسياسة، سيجعلان من العراق ساحة إضافية لحرب إقليمية تزداد خطورتها يومًا بعد آخر؟.