تونس بين متاهتين

هل يحتاج قيس سعيد إلى عشر سنوات أخرى لينجز التغيير الذي وعد به؟

في تموز/يوليو 2021 أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد عن اجراءات استثنائية، تم بموجبها تجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة. وبعد سنة من ذلك دُعي التونسيون إلى المشاركة في استفتاء على دستور جديد يكون بديلا لدستور عام 2014. وقد يشعر مَن لا يعرف ما الذي جرى في تونس بغرابة تلك التحولات. فدولة تغير دستورها بعد ثمان سنوات لابد أن تكون دولة هشة ومهزوزة من الداخل وغير مستقرة. وهو ما كانت تونس عليه ولا تزال تدور في دائرته عاجزة عن الخروج من متاهة ربيعها الذي كبدها الكثير من الخسائر من غير أن يهبها فرصة واحدة للتعبير عن حقيقتها، بلدا وشعبا. وفي الحالين فإن النتائج لم تكن لصالح التونسيين الذين لم يحافظوا على مستواهم المعيشي نظرا لإنهماكهم في الفوضى واستجابتهم لدوافعها تاركين مصادر عيشهم لما يمكن أن أسميه بخيال الأقدار بعد أن استسلموا عشر سنوات لحركة سياسية متخلفة اتخذت من الدين وسيلة للسيطرة على الفقراء ولا تزال تملك شيئا من التأثير عليهم بالرغم من أن أحوالهم ساءت في ظل هيمنتها على السلطة.

كان سعيد وهو استاذ في القانون السياسي ولم يمارس العمل السياسي لا من قريب ولا من بعيد قد هيأ نفسه للمواجهة حين تم انتخابه رئيسا للجمهورية بنسبة ليست متوقعة. كانت البلاد يومها تمر بأزمة سياسية هي ثمرة لعشر سنوات من الفوضى، كانت حركة النهضة قد انجزت فيها جزءا من مشروعها في الهدم. هدم كفاءة التونسيين في صيانة مصادر دخلهم من السياحة والفلاحة وهدم قدرة الدولة التونسية على حماية وتحصين وجودها المعنوي والمادي. لقد انكشفت الدولة التونسية وبانت مفاصلها الداخلية بحيث صار العبث بها ممكنا من قبل موظفيها انسجاما مع درجاتهم الوظيفية، بحيث صار وزير الداخلية على علم بالمجاميع التي يتم ترحيلها من تونس إلى مواقع القتال الملتهبة من غير أن تتدخل الدولة لمنعهم.

كل فرد من النهضة كان بمثابة دولة. وهو ما جرد التونسيين من دولتهم ودفع بهم إلى خواء ليس بعده إلا الموت. ولا أبالغ إذا ما قلت أن تونس كانت على وشك الموت أو الحرب الأهلية حين خطف قيس سعيد السلطة بضربة حظ استثنائية. لذلك لا تُحسب اللحظة التي أُنتخب فيها سعيد رئيسا جزءا من ربيع تونس العربي. سماها الإخوان بشعور عميق بالأسى لحظة الثورة المضادة.

بعد سنتين من إجراءات الرئيس التونسي نرى أن راشد الغنوشي وهو زعيم حركة النهضة قد ذهب إلى السجن وقد تطول إقامته هناك. فالرئيس الذي يتفاوض مع أوروبا من جهة ومن جهة أخرى مع صندوق النقد الدولي من أجل انقاذ بلاده من الإفلاس، يدرك جيدا أن بقاءه في السلطة ضروري لإنعاش آمال الطرفين. تونس مستقرة ضرورية بالنسبة لدول الجنوب الأوروبي وبالأخص إيطاليا وفرنسا. كما أن الرئيس سعيد لم ينقلب على الدستور إلا في الحدود المسموح بها. لذلك لم تنفع معه شعارات الدفاع عن حرية التعبير. تعامل الرجل مع وظيفته بمسؤولية تاريخية فرضت عليه القيام بإنقاذ شعبه الذي لا يزال جزء منه يميل إلى حركة النهضة بسبب خضوعه لمغناطسية التأثير التي يمارسها الدين. ولكنه مصر على أن لا يضيع في دروب المتاهة التونسية بالرغم من أن الاتحاد التونسي للشغل لا يزال مترددا ما بين أن يحمي المصالح المؤقتة لنقاباته وبين العمل على الخروج بتونس من متاهتها.

ولكن الكثيرين يعيبون على الرئيس التونسي بطئه. هل سيحتاج قيس سعيد إلى عشر سنوات أخرى لينجز التغيير الذي وعد به؟ أثبت سعيد من خلال إجراءاته المتلاحقة أنه لا يتصرف بطريقة سياسية محضة. وليس لديه رغبة في الانتقام من حركة النهضة. كل ما فعله أنه استعان بالقضاء المحايد والمستقل لمراجعة وقائع سنوات حكم النهضة. لا من أجل تجريمها، بل من أجل التعرف على أخطائها التي انتهت بتونس إلى الهاوية. أسئلة كثيرة حاول النهضويون أن يفلتوا منها صار عليهم أن يجيبوا عليها. في مقدمتها "لمَ إزداد الفقراء فقرا ولماذا إنهارت السياحة في بلاد كانت تعد بالكثير ولماذا فقد الزيتون التونسي سوقه العالمية؟"

ليس قيس سعيد رجل سياسة ولكنه رجل قانون. غير أن منصبه السياسي علمه أن يستعمل القانون خارج المحكمة.