'جاكوار' وثائقي على وقع رقصة فريدة من جنوب الصحراء المغربية

الفيلم المغربي للمخرج رشيد زكي يبرز جوانب فنية وثقافية في التراث الحساني، ويسلط الضوء على شخصية نسائية صحراوية تتقن الحرف وتبدع في الفنون.

الرباط - رقصة "جاكوار" هي جزء من التراث الثقافي في مناطق الصحراء المغربية والمناطق الجنوبية، إذ تتميز هذه الرقصة بحركاتها الأنيقة والتي تعبر عن روح الفرح والاحتفال في المناسبات المختلفة.

 فيلم "جاكوار" من إخراج رشيد زكي، يروي قصة فنانة تُدعى "أتريشة"، وهي واحدة من أبرز مبدعات الرقص الحساني، تزوجت في سن مبكرة وأنجبت ابنتها الأولى عندما كانت في الثانية عشرة من عمرها، والثانية عندما كانت في الثالثة عشرة، ثم انفصلت عن زوجها الأول في عقدها الثاني وتزوجت للمرة الثانية من جندي كان يعمل في وحدة نزع الألغام بالصحراء المغربية، يدعى "أجيتي" كان الزوج والمعجب الأول ب"أتريشة"، وقام بمساندتها ومرافقتها خلال مسيرتها الفنية حتى أصبحت إحدى أيقونات الرقص الحساني.

 تتميز "أتريشة" بفنها الفريد وتعتبر مرجعًا حيًا في فن الرقص الحساني، ومع ذلك تظل إمرأة بسيطة تعيش من حياكة الخيام وصنع الحلي والضفائر للعرائس، إذ تعتبر الفن هواية لها وترى أن ممارسته لا تزال تشكل تحديًا.

يبدأ الفيلم الوثائقي بموسيقى حسانية جميلة توحي بسفر صحراوي بعيد يحمل طابعًا مغربيًا مبهجًا، ينطلق صوت الراوي من خارج الإطار، يتحدث عن نفسه بأسلوب مشوّق: "إسمي 'أتريشة' امرأة بسيطة، أحيا حياتي بإيجابية وسلام بلا متاعب، إسمي الحقيقي هو 'أسويليمة'، لكن امرأة كانت جارتنا قد أطلقت عليّ اسم 'أتريشة' عندما كنت في عمر الستة أشهر، ويستخدم في ثقافتنا هذا الإسم لوصف الأشخاص الذين يقومون بأعمال جميلة، إذ يعتبر المتروش هو كل إنسان فخور بما يفعله بإيجابية،ودائما أتذكر نفسي وأنا طفلة صغيرة وأرقص".

وتضيف "أتريشة" في متتالية لحوارها الروائي: "كنا نستخدم براميل من الفولاذ مع أطفال الحي، نستخرج منها الإيقاعات ونرقص، فالرقص هو عشقي الأبدي ولا أستطيع أن أتخيل نفسي بدونه، حيث يتدفق في عروقي ودمي ولا يُشكّل عليّ أدنى مشكلة".

وفي سياق حديثها عن الرقص الحساني، تقول  "أتريشة": "غالباً ما نسمع عن الأكصار، لبليدة، والشرعة، لكن هناك رقصة حديثة نوعًا ما، ظهرت في السبعينيات، وهي 'جاكوار' تشبه مشية النعامة، أو ربما تكون محاكاة لانطلاق طائرة جاكوار، إذ تعتبر من الرقصات الخفيفة والسريعة التي يتبعها الشباب مع جوقة موسيقية".

ونشاهدها تحكي في لقطات قريبة: "لا أمارس الفن من أجل لقمة عيش، بل أنا أعيش من خلال ابتكار الحلي وحياكة الخيام، فهما مصدر دخلي الرئيسي، الذي يمكّنني من تربية أبنائي ورعاية زوجي المتقاعد من الخدمة العسكرية، حيث ساعدني زوجي كثيرًا في بداياتي، والآن كل ما أنا عليه بفضل الفن، وُلِدت وتربيت محاطة بالفن والجمال، وعندما كبرت، تعلمت الحرف التقليدية التي كانت تُعتبر مصدر رزق قبل أن أتجه نحو الفن، الفن له أوقاته، بينما العمل في الحرف دائم".

وتكمل "أتريشة" حديثها في مشاهد ولقطات صورية بين القريبة والقريبة جدا: "يعمل الجميع هنا في المجال الفني، ولكن لديهم حرفة يعيشون منها، كانت لدينا فرقة موسيقية تُدعى 'أدويه' في الداخلة تابعة للجمعية، وفي البداية لم نكن مُنضمين تحت لواء مؤسساتي، ولكن بعد ذلك قمنا بتأسيس جمعية وتأطير عملنا، كنا نشارك في الحفلات والأعراس بشكل غير منتظم، ومع فرقة 'أدويه' تخرج العديد من الفنانين والفنانات في مجالات الرقص والغناء، كان رئيس الفرقة اسمه 'أدويه' فنان عظيم ومشهور للغاية، تعلمت الكثير منه، حيث كان يعلم الرجال كيف يعزفون على آلة البيانو ومبادئ العزف على الغيتارة، وأصول الغناء، إنه هو من صنع كل فنان مستقل بذاته، فنحن جميعًا مدينون للفنان 'أدويه'، فقد أدخلنا إلى عالم الفن وعلمنا أصول الغناء الصحيحة".

وتقول لتلميذاتها في الرقص بايقاع موسيقى متناغم ولقطات قريبة :"عندما تسمع ايقاعات 'جكوار'، فهي تعتبر دعوة صريحة للرقص لبعض النساء، فهن يتقنّ هذا الرقص بمهارة، مما يجعلهن يستحقن الدخول إلى حلبة الرقص، هذا الرقص يشبه تحليق طائرة جكوار في السماء، إذ يحمل في طياته إثارة لا تُضاهى".

ورقصة "جكوار" تُشير إلى الطائرة الحربية، ورغم عدم التحديد إذا كانت أميركية أو فرنسية، فإن هذا الرقص يحاكي حركات ومناورات الطائرة ببراعة فنية، والرقص بشكل عام يتم بتوزيع إيقاعات معينة، حيث تتبع الراقصة نمطاً يتكرر أربع مرات قبل التوقف، ثم يتم تكراره مراراً، بعد ذلك، تأتي الأوزان الموسيقية التي يتم التحكم فيها بواسطة إيقاعات الطبول، ويقوم الراقص بتنفيذها باستخدام حركات قدميه، ثم يتبعها بحركات يديه وأحياناً كتفيه.

وتضيف "أتريشة": "أما بالنسبة للنساء، فبعضهن يعتقدن أنهن يظهرن جمالهن وأنوثتهن من خلال تقديم زينتهن وحناء أيديهن، وفيما يتحرك الرجال بدون تبرير أيديهم تحت الدرعة، يظهرن النساء أيديهن بوضوح خلال الرقصة، وغالباً ما يقمن بتغطية وجوههن، فتلك الرقصة تُعتبر غير مقبولة إذا لم يتم ذلك، لأن تغطية الوجه تعتبر إشارة للزواج".

وتختم المشاهد الوثائقية بقولها: "مؤخرا، فقد بات من الصعب عليّ حضور الكثير من المناسبات لأنه لا يمكنني الحضور دون الرقص، فلا أستطيع الاستمتاع بأي حفلة دون أن أرقص، ويعتبر الحضور دون المشاركة في رقصة 'جكوار'غير مكتملة، وهذا يُثير انزعاجي كثيراً".