'جبل موسى' يبرز أهمية المعرفة الثقافية للأفراد

المخرج المغربي إدريس المريني يكشف في تصريحه عن رسالة سينمائية تتعلق بخلق الإثارة والفضول من خلال علاقات الحب والصداقة بين الشخصيات الرئيسية للفيلم.

الرباط - ينظم ماجستير "الدراسات المسرحية" بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، لقاءً مع المخرج إدريس المريني وعرض فيلمه السينمائي الجديد "جبل موسى"، عصر يوم الخميس 7 آذر/ مارس 2024 في قاعة فاطمة المرنيسي.     

يشير المخرج المغربي إدريس المريني في تصريحه لـ "ميدل إيست أونلاين" إلى الجوانب الأساسية للفيلم، مؤكدًا على أنه يتناول إثارة الفضول والتشويق من خلال ديناميات التنافر والتجاذب في العلاقات الإنسانية، وخصوصا فيما يتعلق بالحب والصداقة، ويضيف المريني كيف تتطور علاقة الصداقة بين شخصيات الفيلم، "حكيم"  و"مروان"، حيث يبدأون بالتناقض والتصادم في بداية القصة، ولكن مع مرور الوقت يتغير هذا التوتر تدريجيًا نحو تفاهم متبادل.

كما يبرز المريني دور "مروان" في مساعدة "حكيم" والصبر عليه، حتى على الرغم من سلوكه القاسي في البداية، إلا أن "مروان" يظهر فهمًا ل"حكيم" ويسعى جاهدًا للتقرب منه، وفي النهاية تتطور العلاقة بينهما إلى صداقة وثيقة بعد وفاة "فتيحة" والدة "حكيم".

ويركز المريني على رحلة التحول في العلاقات الإنسانية وكيف يمكن للصداقة أن تتأثر وتتطور من خلال التفاهم والتسامح والصبر، مما يعكس عمق العلاقات الإنسانية وتعقيداتها في مواجهة التحديات والصعاب.

يحكي فيلم "جبل موسى" للمخرج المخضرم ادريس المريني قصة شابين الأول يدعى "حكيم"، شاب ظهر في الفيلم أنه مقعد على كرسي متحرك كان يدرس الطب وعاش قصة حب، ثم بعدها تعرض لحادثة سير نجى من موت محقق، إذ يلتقي "حكيم" ب"مروان" أستاذ الإجتماعيات الذي يعشق الفلسفة ينتقل إلى بلدة ميرلفت حيث قادته ظروف العمل، وتستقبله السيدة "فتيحة" والدة "حكيم" وتحاول أن تُقرب الأستاذ من ابنها لكي يكون صديقه، محاولة بناء علاقة صداقة لم تكن في الأول بالأمر يسير، لكن بعد محاولات من "مروان" التقرب من "الحكيم" ينجح في الأخير ويبدأ في فك خيوط الصمت الذي اختاره "حكيم" بعد حادثة السير التي تعرض لها.

العمل من سيناريو عبدالرحيم بهير ومن تشخيص كل من السعدية أزكون، يونس بواب، سهام أسيف، عبد النبي البنيوي، حسن فولان، عمر عزوزي، هاجر بوزاويت، عبد اللطيف الشكرة، فايزة يحياوي.

يجد "حكيم" الذي لعب دوره الممثل يوسف بواب نفسه محاطا بأسئلة عميقة حول مفهوم الخلق والخالق والعلاقات الإنسانية ويشعر بالوفاء في قلبه، لكنه في الوقت ذاته يتعرض لصدمة موت والده، والخيانة الغرامية التي تجعله يبتعد عن التواصل مع الآخرين ويصبح عدوانيا تجاه ذاته، ومع ذلك يأتي لقاؤه مع "مروان"، أستاذ الاجتماعيات الذي لعب دوره الممثل عبد النبي البنيوي، ليغير مجرى حياته تماما، إذ يظهر هذا الأستاذ كشخصية مختلفة تماما عن "حكيم"، حيث يسعى إلى الاستقرار الاجتماعي رغم ميوله الفلسفي، وهذا اللقاء يساعد "حكيم" على استعادة صفاء ذهنه ويقين قلبه وروحه، ويعيد إشعال شغفه بالحياة والبحث عن الجوانب الجميلة والإيجابية في العالم من حوله.

يبرز تكوين اللقطات الأولى انتقال "مروان" إلى الطابق السفلي من الفيلا الصغيرة ويبدأ في استكشافها من الناحية الجمالية، ثم تأتي لقطة مميزة يلاحظ فيها قطعة واحدة في لوحة الشطرنج غير موضوعة بشكل صحيح فيعدلها، هذه الرؤية الأولى الافتتاحية تمثل نقطة تحول مصيرية في دفع القصة إلى الامام، إذ يبدأ "مروان" في التفكير بشكل جدي في رحلته المقبلة وكيفية تحقيق توازنه الشخصي مع الأحداث المقبلة.

يتناول السيناريو بشكل عام موضوع ملتهب وحساس، يتعامل مع قضايا مهمة تمتد عبر العمق الثقافي والاجتماعي في المجتمعين المغربي والعربي بشكل عام، إذ تلامس الأحداث أوجها عديدة من الحياة اليومية والثقافية والدينية والسياسية، وتجسدها الشخصيات بأسلوب فني يلقي الضوء على تلك القضايا بطريقة مثيرة وعميقة، ومن خلال التركيز على أهمية العقل والاعتدال والاعتراف بالإيمان وبرب الكون كمطلب أساسي، تشير الحبكة بذلك إلى أهمية الروحانية والتفكير البناء في مجتمع يعيش تحت تأثير تحولات ثقافية وسياسية.

يبرز الإيقاع الزمني للأحداث التسلسل السردي ببطء شديد، رغم أن الايقاع  جزء أساسي ومثير للاهتمام في شد انتباه الجمهور، ويتجلى هذا البطء من خلال الاكتشاف التدريجي بين المكان والزمان والأحداث، وفي التعرف على أبعاد الشخصيات، إذ يظهر ذلك من خلال الفيلا السكنية ل "حكيم"، والتي تأخذ بنية معمارية مزدوجة تجمع بين الجزء العلوي والجزء السفلي، وبين الداخل والخارج، ويتم تمثيل هذه الهيكلية المعمارية المزدوجة من خلال وجود الأبواب والعتبات والسلالم والشرفات، واستخدام متعدد للإضاءة تتراوح بين الطبيعية والاصطناعية، مما يمنح هذه البنية طابعا فريدا يجعل شخصية "حكيم" تائهة وسط هذه الشساعة.

ويأتي المشهد اللاحق الذي يبرز شخصية "مروان"، الأستاذ الذي يجلس على عرش القصة في هذه المدينة، ليكون القوة المحركة التي تمنح هذا الهيكل الأساسي تماسكا وعمقا دراميا يعكس التطورات السردية والنفسية في الرواية، ويشكل جزءا لا يتجزأ من هذا العالم السردي المميز، حيث تتناغم شخصية "مروان" مع البنية المعمارية الفريدة للفيلا لتوفير تجربة قراءة غنية بالعواطف والتفاصيل.

نشاهد في متتالية المشاهد شخصية "حكيم" وهو يعيد تعيين الساعة، إذ يمكن تفسير ذلك على أنه نهاية لحقبة الاستقرار بالنسبة إليه، مما يشير إلى أنه بدأ يجد طريقه نحو التغيير وتحسين وضعه في الحياة، كما يظهر تأثير العلاقات الإنسانية على تطور الأفراد أيضا من خلال تأثر "مروان" بفضل تواصله مع "حكيم".

يبرز المشهد الذي يختتم الفيلم بالشخصيتين " مروان" و"حكيم "وهما يلعبان لعبة مرحة يمكن فهمه كرمز للتواصل الإيجابي والتفاهم الحقيقي بين البشر، وكذلك رمزا للسعادة والانسجام الذي يمكن أن يأتي بهما التواصل الإنساني، فعندما تتحرك الكاميرا بحركة رأسية نحو السماء في نهاية الأمر، يمكن تفسيرها على أنها رمز للبحث عن الحقيقة والروحانية، مما يفتح الباب أمام الانصهار في الوجود الإلهي.

ويمكن أن نقول أن الممثل يونس بواب، وعبدالنبي البنيوي، والسعدية أزكون، والممثل حسن فولان، والشابة هاجر بوزاويت، قدموا أداء معقولا، يتناسب مع نوع القصة من جهة، وسلاسة المخرج في إدارة الممثل من جهة أخرى.

يظهر العمل اجتهادا جديدا وتنوعا في أسلوب المخرج المغربي إدريس المريني حيث وازن بين القصة المحكية والرسالة المرجوه بشكل فعال وبطريقة تعكس رؤية المخرج الفنية، إذ نجح في تقديم تجربة سينمائية للمشاهدين تختلف عن أفلامه السابقة، كما أن إدراك المخرج لأهمية تنظيم الأفكار مع الحوار يسهم في إثارة الاهتمام والوقوف على الحبكة الدرامية المعقدة أيديولوجيا بأسلوب ملائم، كل هذا يشير إلى قدرة المخرج على التعبير عن أفكاره ورؤيته بشكل تقني واضح.