"جبهتان شيعيتان في العراق": هذا خبر سعيد

ظلت إيران على حرصها برسم صورة لشيعة العراق كخدم لها.

العراقيون هذه المرة محظوظون. وهو حدث نادر في تاريخهم. لقد انهدم البيت السياسي الشيعي ولن تتمكن أية قوة من اعادته إلى ما كان عليه. خبر سعيد لا يمكن سوى التبشير به كونه يمثل إشارة أمل.

هناك اليوم فريقان شيعيان يفصل بينهما العراق قبل المصالح. مسافة لا يمكن تخطيها أو القفز عليها كما لو أنها ليست موجودة. هوة لا يمكن تجسيرها أو غض الطرف عنها. عاطفة لا يمكن محو دموعها.

عام 2018 أنتج معادلة شيعية طرفاها شيعة عراقيون "إلى النخاع" كما يُقال وشيعة ايرانيو الهوى والهوية والمشروع والانتماء وإن كانوا ذوي أصول عراقية فالثقافة والتربية والانحياز العقائدي والهدف والمهمة والعاطفة، كلها عناصر تحدد الهوية وليس مكان الولادة.

منذ اليوم الأول للاحتلال الأميركي كان واضحا توزع شيعة العراق بين عراقيتهم التي هي جزء من محيط عربي شامل وبين نزعة طائفية ترغب في أن تذهب بالعراق إلى مصير التابع الأسير الذي تستثمر إيران من خلالها أزماتها في المنطقة.

ولكن أكان على شيعة العراق أن ينتظروا وهم أمة الانتظار خمس عشرة سنة لكي يدركوا أهمية وضرورة فك الاشتباك أو التداخل القائم بسبب تلك المعادلة المصيرية التي كان الكثير من المنظرين قد أشاروا لها في أوقات سابقة في محاولتهم التفريق بين التشيع الحقيقي والمغالاة الصفوية؟

كان خلط الأوراق قائما في ظل الهيمنة الإيرانية على القرار الشيعي. حينها سعت إيران إلى صنع صورة غير حقيقية لشيعة العراق تظهرهم من خلالها كما لو أنهم كلهم من غير استثناء مجرد خدم لها. جنود تابعين للحرس الثوري في انتظار أوامر الولي الفقيه.

لم تكن تلك صحيحة ولا تعبر عن حقيقة العراقيين الذين كانوا ينظرون من زمن بعيد بحذر إلى التشيع الإيراني. بل أنهم غالبا ما كانوا يستخفون به ويعتبرون مغالاته تكريسا واستحضارا لتقاليد دينية إيرانية قديمة تعود إلى مرحلة ما قبل الإسلام.

غير أن العواصف السياسية التي تعرض لها العراق بعد الاحتلال غلبتهم وانتصرت عليهم. فحين استولى التيار التابع لإيران على السلطة بدعم أميركي ضعف تأثير التيار المناوئ لها وإن لم يستسلم.

اما حين أنشء التحالف الوطني العراقي الذي ضم مجموعة الأحزاب الشيعية فقد كان ذلك محاولة إيرانية لاحتواء التيار العراقي الذي سبق له وأن تعرض لضربات عنيفة سواء من قبل الأميركان أو من قبل السلطة التي تزعمها رجل إيران الأول في العراق نوري المالكي.

يومها حاولت إيران أن تخفي الشرخ بين الفريقين من خلال عمليات تجميلية لم تكن ترغب من خلالها إلا إلى ايهام الشيعة العراقيين بأن الأمر قد حسم لأنصارها الذين تمكنوا من خلال تأسيس منظومات للفساد أن يركزوا قواعد وجود دولتهم التي هي عبارة عن شبح دولة.

وبسبب شعور الفاسدين بالاطمئنان إلى مستقبلهم في الحكم معتمدين على الغطاء المذهبي الزائف الذي جسده وجود البيت الشيعي فإنهم أوغلوا في الفساد بأسلوب ينم عن لصوصية لا تخشى شرائع السماء ولا تحترم قوانين الأرض.

لقد قاد شيعة الحكم عموم الشيعة إلى حضيض أخلاقي ليس له قاع.

وهو ما أدى إلى أن يعلن التيار الشيعي العراقي براءته المبكرة من كل ما يجمعه بالتيار الشيعي الموالي لإيران الذي صار زعماؤه رموزا للفساد.

لقد دفع العراقيون غاليا ثمن وحدة صف شيعية كاذبة.

لم ينتج عن تلك الوحدة سوى الفساد الذي كان مظلة للعنف والقتل والاضطهاد والعزل والتمييز والفقر والتجويع والجهل وانتشار الأوبئة وتفكك المجتمع وتمزيق نسيجه الأخلاقي وضياع قيمه مما أدى إلى انهيار العراق الذي جسدته هزيمة الجيش العراقي في معركة لم تقع أمام حثالة داعش التي سيطرت على ثلث الأراضي العراقية لمدة ثلاث سنوات.

كل ذلك صنعته كذبة وحدة الصف الشيعي التي اخترعتها إيران.

اليوم عاد العراقيون إلى حقيقتهم. بعد أن استعاد شيعة العراق وعيهم.
وما مظاهر الالتفاف المدني حول مقتدى الصدر وهو رجل دين شيعي إلا تكريس لتلك العراقية التي ظلت نائمة عبر خمسة عشرة سنة.

انهدم البيت الشيعي لينهض العراق.