حالة ترقب في تونس مع اقتراب جلسة حاسمة في ملف اغتيال بلعيد
تونس - يعيش الرأي العام التونسي حالة ترقّب مشوبة بالحذر، مع اقتراب جلسة الحسم في ملف اغتيال السياسي اليساري شكري بلعيد، أحد أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا منذ الثورة. ومن المنتظر أن تنظر الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس، يوم الجمعة المقبل، في القضية التي عرفت تطورات متسارعة خلال الأشهر الأخيرة، وسط مطالب شعبية واسعة بكشف الحقيقة الكاملة، ومحاسبة المتورطين الحقيقيين.
ولا يمثل هذا الملف، الذي شغل الساحة التونسية لأكثر من عقد من الزمن، فقط جريمة اغتيال سياسي، بل تحوّل إلى قضية رأي عام وطني، بالنظر إلى رمزية شكري بلعيد، وتأثير الاغتيال على مسار الثورة والانتقال الديمقراطي في البلاد.
ولم يكن يوم 6 فبراير/شباط 2013 يومًا عاديًا في تونس. ففي صباح ذلك اليوم، اغتيل شكري بلعيد أمام منزله في العاصمة، بعد أن تعرّض لإطلاق نار مباشر. شكلت الحادثة زلزالًا سياسيًا هز البلاد، وأطلقت شرارة احتجاجات عارمة واحتقان شعبي، عكست حجم الغضب الشعبي من عودة العنف السياسي.
وكان بلعيد، المعروف بخلفيته اليسارية ونشاطه الحقوقي، أحد أبرز المعارضين للحكومة آنذاك، المكوّنة من "الترويكا" التي قادتها حركة النهضة. وكانت مواقفه الرافضة لهيمنة الإسلاميين على الحكم، وتحذيراته المتكررة من اختراق الدولة من قبل جماعات العنف، قد جعلته هدفًا واضحًا بالنسبة لخصومه السياسيين.
وطوال أكثر من عشر سنوات، تعرّض ملف اغتيال بلعيد لتجاذبات سياسية وقضائية متكررة. التحقيقات شابها الغموض، وواجهت اتهامات بالإبطاء المتعمّد، بل وصل الأمر إلى الاشتباه في تواطؤ مسؤولين قضائيين في طمس الحقائق.
ومؤخرًا، شهدت القضية تطورًا مهمًا، مع إحالة البشير العكرمي، وكيل الجمهورية الأسبق، والقيادي بحركة النهضة الحبيب اللوز، إلى الدائرة الجنائية المختصة بقضايا الإرهاب، بعد قرار دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف. ورفضت المحكمة الإفراج عنهما، ما يعكس خطورة التهم التي يواجهانها، والتي تتعلق بجرائم ذات صبغة إرهابية.
ويزداد في الشارع التونسي الضغط الشعبي لكشف الحقيقة الكاملة حول الاغتيال، وتحديد المسؤولين المباشرين والمتورطين من خلف الستار. فبالنسبة لكثير من التونسيين، هذه القضية تمثل اختبارًا حقيقيًا لعدالة ما بعد الثورة، ومدى قدرة القضاء على التصدي لجرائم كبرى لم تكن بعيدة عن الصراع على السلطة.
ويدرك الشارع أن هذه الجريمة لم تكن حدثًا معزولًا، بل لعبت دورًا محوريًا في تغيير موازين القوى السياسية، وفي تقليص نفوذ الإسلاميين تدريجيًا. ولهذا، فإن إثبات تورط شخصيات بارزة من حركة النهضة، سواء عبر المشاركة المباشرة أو التستر، سيكون له وقع سياسي ضخم، وقد يؤدي إلى تسريع الدعوات لحل الحركة ومحاسبة قياداتها أمام القضاء.
وفي حال خرجت أحكام المحكمة مؤيدة لفرضية التورط المباشر أو غير المباشر لقيادات من حركة النهضة في اغتيال بلعيد، فإن مستقبل الإسلام السياسي في تونس سيواجه منعطفًا خطيرًا. فالحركة، التي كانت لعشر سنوات الفاعل الأساسي في الحكم، أصبحت في موقع الدفاع، وتواجه مطالبات متصاعدة بالمحاسبة والتفكيك.
ويقول متابعون إن البلاد قد تكون مقبلة على مرحلة جديدة من إعادة تشكيل المشهد السياسي، قد تُقصى فيها التيارات الإسلامية نهائيًا من ساحة الفعل السياسي، إذا ما تأكدت إدانتهم في قضايا عنف سياسي أو تواطؤ مع شبكات الإرهاب.
وبين الترقب الشعبي والتجاذب السياسي، تظل الكلمة الفصل بيد القضاء، الذي يُنتظر منه أن يحسم هذا الملف دون حسابات، وأن يقدم رسالة طمأنة للتونسيين مفادها أن العدالة في تونس، وإن تأخرت، فإنها لا تموت.