'حداء الإبل' ينتقل من المحلية إلى العالمية بدفع من اليونسكو

التسجيل الجديد يوصل عدد عناصر التراث الثقافي غير المادي للسعودية المعترف بها دوليا إلى 11.

صياهد رماح (السعودية) - نجحت السعودية التي دشنت مرحلة انفتاح اجتماعي وثقافي واسع ضمن 'رؤية 2023' وهي خطة طموحة يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في إدراج موروث ثقافي كان إلى وقت قريب غير معروف على المستوى الدولي وهو 'الحداء'، على قائمة اليونسكو.

وأدرج 'الحداء' أو مناداة الإبل على لائحة التراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) في ديسمبر/كانون الأول. وتسلّط الممارسة مرة أخرى الضوء على العلاقة الوثيقة بين الإبل وسكان الجزيرة العربية.

ونجحت السعودية في تسجيل 'حداء الإبل' على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي بالاشتراك مع الإمارات العربية المتحدة وعمان.

ويعد حداء الإبل أحد أشكال التعبير الشفهي التقليدي في الجزيرة العربية ووسيلة للتواصل بين الإبل وراعيها.

وفي وصف اليونسكو لهذا الموروث، جاء "يقوم الرعاة بتدريب جمالهم على التعرّف على الفرق بين اليمين واليسار وفتح أفواهها عندما يُطلب منها ذلك والركوع ليمتطيها أصحابها".

 

ويقول السعودي حامد المري الذي يملك مئة رأس من الإبل لوكالة فرانس برس في منطقة صياهد رماح على بعد 150 كلم شمال شرق الرياض "هناك لغة خاصة بين الإبل ومالكها"، مضيفا "الإبل تعرف نبرة صوت صاحبها وتستجيب له فورا. وإذا ناداها شخص آخر لن تستجيب له".

ويصيح المري بكلمات متتالية غير مفهومة، لكن جماله المتفرقة تتجاوب فورا وتتجمّع لتسير خلفه في نظام، فهي تفهم هذه "اللغة الخاصة" المعروفة بـ'الحداء' والتي تعتبر موروثا شعبيا يستخدم للتواصل بين الإبل وملاكها في الصحراء السعودية.

وتنقسم الإبل إلى نوعين، أولهما الجمل العربي أو الوحيد السنام، وثانيهما الجمل ذو السنامين، وهما نوعان منفصلان يتشابهان كثيرا حتى أن ما يقال عن أحدهما يمكن أن ينطبق إلى حد كبير على الآخر. ويقطن الجمل العربي المناطق الصحراوية لشمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، وتم إدخاله كحيوان مستأنس في الهند وأستراليا، ولا يوجد الجمل العربي في الواقع بصورة وحشية على الرغم من وجود ما يعرف بالجمال البرية التي هجرت الاستئناس لتهيم على وجهها، أما الجمل ذو السنامين فهو حيوان قوي البيان يعيش في آسيا شمال جبال الهمالايا وهو من حيوانات النقل المهمة في الأجزاء الجنوبية من سيبيريا ومنغوليا.

وتُعرف الجِمال باسم 'سفن الصحراء'، وكانت تستخدم في الماضي للتنقل عبر رمال شبه الجزيرة العربية حتى أصبحت رمزا تقليديا لمنطقة الخليج العربي.

وتنظم دول الخليج فعاليات مختلفة تشارك فيها الجمال على مدار العام تُكسب القيمين عليها والمشاركين في مسابقاتها أيضا مكانة اجتماعية عالية.

ويقول المدير التنفيذي لهيئة التراث في السعودية جاسر الحربش إن الحداء "يضرب في عمق حضارة الجزيرة العربية"، مشيرا إلى أن الهدف الرئيسي لتسجيله هو "حمايته وتوثيقه وإتاحة الفرصة لتطويره".

ويلفت إلى وجود "كثير من المنحوتات الصخرية التي رسمت الجمل وحكت قصة الجمل سواء استخدم في الحرب أو التجارة".

الإبل تبادلني المشاعر
الإبل تبادلني المشاعر

والحداء نوعان 'الهبال' و'العبال'. ويشرح المري وهو موظف حكومي ارتدى معطفا رماديا فوق عباءته الداكنة واعتمر الشماغ التقليدي "الهبال يستخدم إذا كانت الإبل منتشرة فينبهها مالك الإبل لتتجمع حتى لا تشرد بعيدا". أما العبال فهو الغناء لها وقت سقي الماء حتى تشرب وهي سعيدة"، موضحا أن هذا النوع يتضمن "كلمات فيها غزل".

وتصطف سيارات دفع رباعي فارهة تعود لأصحاب الإبل قرب خيم منصوبة في المكان للعناية بالإبل داخلها.

وتنظم في المكان منذ أسابيع الدورة السابعة لمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل الذي نظمه نادي الإبل تحت شعار 'همة طويق' وتبلغ جوائزه الإجمالية 350 مليون ريال نحو 93.3 مليون دولار.

ويقول مالك آخر منصور القاتولة (34 عاما) "مالك الإبل ينادي إبله بأسماء خاصة بها ومن خلال التكرار تعرف اسمها وتتجاوب معه".

وورث القاتولة وهو رجل أعمال في قطاع العقارات يمتلك أكثر من 100 رأس من الإبل فن الحديث مع إبله عن آبائه وأجداده وهو عازم على تمريره لأبنائه. ويوضح الأب لثلاثة أطفال "نتوارث رعاية الإبل أبا عن جد منذ أكثر من 200 سنة". ويتابع "الآن أبنائي يحبونها ويطلبون باستمرار المجيء إلى هنا وباتت الإبل تعرف أصواتهم أيضا".

ويضيف "حينما يكون مالك الإبل مهتما بها ويزورها باستمرار تبادله المشاعر". ويطلق بعض من جماله صوتا يشبه الهدير، فيبدأ بالغناء لها. ويقول وهو يضحك بعدما اقترب منه جمل "انظر إنه يبادلني الشعور".

وبهذا التسجيل يصل عدد عناصر التراث الثقافي غير المادي الذي نجحت السعودية في تسجيله ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو إلى 11 عنصرا ثقافيا وهي: المجلس، القهوة العربية، العرضة النجدية، المزمار، الصقارة، القط العسيري، النخلة، حرفة السدو، الخط العربي، حداء الإبل، والبن الخولاني السعودي، ويأتي ذلك تماشيا مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 وفي إطار الجهود الوطنية لتوثيق التراث الوطني وتسليط الضوء عليه محليا وعالميا بما يُعزز فرص استمراره وضمان استدامته.