حزب جزائري يحذر من 'النفود الإنكشاري' في المغرب العربي
الجزائر - أعرب الحزب الوطني الجزائري عن استنكاره الشديد لمساعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنقل الحرب من سوريا إلى الأراضي الليبية، في وقت يسارع فيه حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا الزمن لتمرير مشروع قانون طرحه الأسبوع الماضي يسمح له بإرسال قوات إلى ليبيا.
وقال الحزب في بيان أصدره اليوم الاثنين "إن الحزب الوطني الجزائري يتابع عن كثب وببالغ الاهتمام التحركات التي يقوم بها رئيس تركيا رجب طيب أردوغان إلى منطقة المغرب العربي، والتي يسعى من خلالها إلى بسط النفود الإنكشاري العثماني على أرض ليبيا الشقيقة، بغية تحقيق المشروع الذي طالما حلم به لبسط الهيمنة التركية على المنطقة بلباس جديد وحلة جديدة، بحجة محاربة الإرهاب وحماية مصالح الشعب الليبي الشقيق".
وقال الحزب الوطني الجزائري في بيانه "لم تكن زيارة أردوغان إلى تونس الشقيقة إلا محاولة لإدخالها في مستنقع الموت الجديد الذي رسمته قوى الشر بهدف تدمير ليبيا واستنزاف خيراتها واستباحة دماء شعبها".
واستفزت الزيارة غير المعلنة التي قام بها أردوغان الأربعاء الماضي إلى تونس، دول جوار ليبيا منها تونس والجزائر والمغرب، حيث نددت أحزاب ومنظمات من الدول الثلاثة بالتدخل التركي السافر في الشؤون الليبية على طريقة تدخله في سوريا، فيما فضلت الحكومات الحياد والدعوة إلى إيجاد حلولا سلمية لإنهاء الأزمة بين الطرفين في ليبيا.
وفور عودته إلى أنقرة تحدث أردوغان عن وجود اتفاق مع الرئيس التونسي قيس سعيد على دعم حكومة الوفاق، التي قال وزير داخليتها فتحي باشا آغا، في مؤتمر صحافي عقده في تونس في نفس اليوم، إنه هناك تحالف مع تركيا والجزائر وتونس لدعم التعاون الاقتصادي، و"دعم الاستقرار السياسي والأمني".
ووجه الحزب الوطني الجزائري النصيحة إلى أردوغان بالعدول عن هذا "المشروع البائد والتفكير فيما يخدم مصالح شعبه (...) وعدم توريطه في انزلاقات وحروب لا يوجد فيها رابح أو خاسر، ويعتبر فيها الكل خاسرا".
وبدأت وسائل إعلام موالية للحكومة التركية في الترويج لتحالف تركي مع دول جوار ليبيا لدعم حكومة فائز السراج والميليشيات التي تقاتل معها بعد زيارة أردوغان إلى تونس، قبل أن تخرج الرئاسة التونسية عن صمتها بنفي تلك الشائعات.
وقالت رشيدة النيفر، المكلفة بالإعلام في رئاسة الجمهورية التونسية، الخميس الماضي إن تونس متمسكة بحيادها في الملف الليبي، وتقف على نفس المسافة من مختلف الأطراف، مشددة على أن بلادها لم تنضم لأي تحالف، وأنها "تدعو إلى تغليب الحل السلمي في ليبيا وحقن الدماء".
وأضافت النيفر أن الدعم المتفق عليه في الملف الليبي "يتعلق بإيجاد حل سلمي للأزمة" دون التطرق إلى دعم طرف على حساب آخر.
كما استغربت المكلفة بالإعلام في رئاسة الجمهورية تصريحات باشا آغا، مؤكدة أنها "لا تعكس حقيقة الموقف التونسي".
وكانت زيارة الرئيس التركي إلى تونس قد طرحت تساؤلات كثيرة حول حقيقة الدور الذي يلعبه أردوغان في الملف الليبي خصوصا أنه اصطحب وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات في تلك الزيارة.
وقوبلت زيارة الرئيس التركي بانتقادات واسعة في تونس نفسها، حيث لم تختلف نتائجها عن سياسة أردوغان الخارجية التي دأب على اعتمادها لتعميق خلافات تركيا مع دول المنطقة، فضلا عن انفراد وكالة الأناضول الرسمية بإعلان الزيارة "المفاجئة".
وأصدرت أحزاب ومنظمات تونسية بيانات منددة بزيارة أردوغان وتصعيد الحرب في ليبيا.
وانتقدت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان زيارة الرئيس التركي قائلة إنها "تندرج ضمن تصعيد الحرب ضمن الفرقاء الليبيين". واعتبرت أي تدخل عسكري في الشؤون الداخلية للشعوب عملا إجراميا.
ودعا الحزب الوطني الجزائري "الشعب الليبي إلى أن يلتف حول مشروع وطني جامع للم الشمل، ونبذ الفتنة بين الإخوة والرجوع إلى طاولة الحوار والتنازل عن الأنانية البغضاء والالتفاف حول مصالحه وحماية أراضيه والدفاع عنها والوقوف في صف واحد موحد متماسك بدون تفرقة"، مستنكرا بشدة "نقل الجنود من المرتزقة وسفاكين الدماء الذين استباحوا دماء السوريين إلى الأراضي الليبية، والمساس بمصالح الدول المجاورة وبشعوبها".
وسائل الإعلام المقربة من الحكومة التركية أول من روج لتحالف تركي مع دول جوار ليبيا لدعم حكومة فائز السراج والميليشيات
وحاولت تركيا استمالة الدول المغاربية عن طريق دعوة أردوغان من تونس إلى إشراك الجزائر وتونس والمغرب في مؤتمر برلين حتى تضفي شرعية تحتاجها للتدخل العسكري في ليبيا بعد فشل محاولتها إقناع روسيا بمساعدتها في وضع قدم لها في حوض المتوسط.
ودفعت زيارة أردوغان إلى تونس، الجزائر إلى الرد سريعا باجتماع مجلسها الأعلى للأمن، واتخاذها إجراءات لحماية حدودها الطويلة مع الجارة ليبيا.
وقال بيان للرئاسة الجزائرية الخميس الماضي، إن الرئيس عبدالمجيد تبون عقد اجتماعا لمجلس الأمن الأعلى، حضره مسؤلون كبار من بينهم وزير الخارجية وقائد أركان الجيش ووزير الداخلية ووزير العدل وقائد الدرك الوطني ومدير الأمن الوطني.
ووفق وكالة الأنباء الرسمية، درس المجلس "الأوضاع في المنطقة، وبوجه الخصوص على الحدود الجزائرية مع ليبيا ومالي". وأضاف البيان، أن "المجلس قرر، في هذا الإطار، جملة من التدابير يتعين اتخاذها لحماية حدودنا وإقليمنا الوطنيين" دون ذكر طبيعتها.
وأكد تبون خلال تنصيبه قبل أيام، رفضه للتدخل الأجنبي في ليبيا، مشيرا إلى أن الأزمة الليبية يجب أن تكون بين أطرافها أنفسهم ودول الجوار. وقال "لن تقبل الجزائر أبدا بإبعادها عن الحلول المقترحة للملف الليبي".
وركزت وسائل الإعلام التركية منذ أن حط أردوغان رحال مغامرته العسكرية الجديدة نحو طرابلس بعد شهرين فقط من مغامرة سابقة في شمال سوريا، أنظارها نحو ليبيا بشكل مكثف وروجت لمسألة الأمن القومي الذي سيحميه أردوغان عبر التدخل في ليبيا.
وأثارت التحركات التركية في غرب المتوسط ريبة وقلق دول جوار ليبيا التي تتوجس من تسرب الإرهابيين إلى حدودها، منذ النفي المتكرر لأنقرة لتقارير سابقة تفيد بإرسالها السلاح والعتاد العسكري رغم تأكيدات الجيش الوطني الليبي لذلك.
لكن مع اقتراب توافق دول الاتحاد الأوروبي حول حل الأزمة في ليبيا لمنع تكرار السيناريو السوري فيها عبر مؤتمر أممي في برلين، انتقل دعم أردوغان لميليشيات طرابلس وحكومة الوفاق من السر إلى العلن وبشكل رسمي عبر تمرير قوانين واتفاقيات تشرعن التدخل التركي، خصوصا بعد تزايد الضغوط الدولية لوقف تزويد أنقرة الميليشيات في طرابلس بالأسلحة والطائرات المسيرة في خرق فاضح لقرارات مجلس الأمن الدولي.

وانتهجت الحكومة التركية في الأسابيع الماضية سياسية الدعم الإعلامي المكثف لدعم التدخل في ليبيا تحت غطاء الأمن القومي، فأخذت الصحف المقربة من حزب العدالة والتنمية تتنافس على قرع طبول الحرب في ليبيا على صفحاتها الأولى منذ إعلان أردوغان عزمه إرسال قوات لنجدة حكومة الوفاق أمام تقدم قوات الجيش الليبي نحو طرابلس.
وروجت صحيفة "يني شفق" التركية المقربة من الحكومة لاستعداد أنقرة إرسال قوات، فيما ركزت صحيفة "ديلي صباح" المقربة من العدالة والتنمية أيضا عن ترويج وزير الخارجية تشاووش أوغلو لمذكرة التفاهم الموقعة مع حكومة الوفاق أمام بعض الأحزاب المعارضة في تركيا لإقناعهم بأهمية تمريرها في البرلمان.
ولم تنجو المغرب أيضا من الاستفزازات التركية، حيث بثت إحدى القنوات التلفزيونية المقربة من أردوغان تقريرا للناشطة الانفصالية أمينتو حيدر، تطالب فيه بانفصال الصحراء عن المغرب، في خطوة مقصودة ضد الرباط.
ويبدو أن الحياد والحذر الذي توخته كل من الجزائر وتونس والمغرب يبقى مؤقتا حتى تتوضح آراء الأطراف الدولية، فموضوع التدخل في شؤون الجارة الشرقية حساس للغاية خصوصا أن تلك الدول المغاربية الثلاث سعت إلى جانب الجارة مصر بخطى حثيثة في السنوات الأخيرة لإيجاد حل سلمي وتفاهم سياسي بين الأطراف الليبية لكنها لم تنجح.
وأشعلت مذكرة التفاهم التي وقعها فائز السراح مع أردوغان حول التعاون الأمني والعسكري وترسيم الحدود البحرية فتيل الأزمة من جديد وشكلت محاولة لإجهاض مؤتمر برلين، حيث رفضت دول عربية وغربية رفضا قاطعا تدخلات نظام أنقرة في ليبيا.
ويسعى أردوغان إلى استثمار الاتفاقية البحرية في تصريحاته لاستفزاز الدول المعنية بالمنطقة البحرية مثار الاتفاقية، ومن بينها مصر واليونان وقبرص.
ويعمل أردوغان على تعزيز نفوذ بلاده شرق البحر المتوسط عبر الدعم العسكري لميليشيات إسلامية متطرفة تسيطر على العاصمة طرابلس، التي يسعى الجيش الليبي إلى تحريرها من تلك المجموعات المسلحة والإرهابيين واستعادة الدولة الليبية.
وتحدثت تقارير إعلامية منذ الأسبوع الماضي عن حركة حثيثة تقوم بها أنقرة لنقل فصائل سورية موالية لها في شمال سوريا إلى ليبيا للقتال في صفوف حكومة الوفاق وميليشياتها عبر تنظيم رحلات سرية من مطار إسطنبول.
وكان النظام السوري وحليفته روسيا وسعا نطاق هجماتهما على معقل المعارضة السورية في إدلب، وحسب بيانات الأمم المتحدة، فقد أجبرت هذه الهجمات أكثر من 235 ألف شخص على النزوح.
ومن بين هؤلاء النازحين الذين توجهوا شمالا صوب الحدود التركية مئات المقاتلين المدعومين من تركيا وعائلاتهم، وخطط أنقرة لإرسالهم للقتال في ليبيا.
وتتهم منظمات حقوقية تلك الفصائل السورية التي تدعمها تركيا بارتكاب فظاعات وجرائم حرب خلال مشاركتها في العملية العسكرية التركية في عفرين التي انتهت باحتلال تركيا للمدينة وتهجير أهلها من الأكراد.
واليوم الاثنين، قال المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة التابعة للجيش الوطني الليبي إنه نفذ أول استهداف هؤولاء "المرتزقة بعد وصولهم إلى مصراتة بضربة مباشرة وإصابة دقيقة".