حضور باهت للملك فؤاد في أعمال شوقي ومحفوظ

رغم أنه حكم مصر حوالي عشرين سنة، الا ان حضوره كان ثانويا في كتابات واحدين من اهم اعلام الادب محليا وعربيا.

كان حضور الملك فؤاد الأول (1868 - 1936) في أعمال شوقي ومحفوظ حضورًا باهتًا بعض الشيء، رغم أنه حكم مصر حوالي عشرين سنة (1917 – 1936)، تغيَّر فيها لقبُهُ من سلطان إلى ملك عام 1922.

وقد ولد الملك فؤاد في العام نفسه الذي ولد فيه أحمد شوقي (1868) ولكنه عاش أربع سنوات بعد وفاة شوقي في عام 1932، مات الملك ونجيب محفوظ عمره 25 عامًا، ويبدو أن محفوظ عرف عن الملك فؤاد الشدة والصرامة.

ويتضح هذا من قول نجيب محفوظ عن أحمد تيمور بك، سليل العائلة التيمورية والأمين بالقصر الملكي، الذي "كان يتناول إفطاره على مقهى في الجمّالية مع خياط من الحي. وكان الإفطار يتكون من الفول والبصل الأخضر، وكان محفوظ يتساءل: كيف يستطيع أحمد بك، أن يقوم بمهام منصبه بالقصر، ويحضر مقابلات الملك، بعد أكل هذا البصل ذي الرائحة النفاذة؟ خاصة وأن الملك فؤاد كان معروفًا بالشدة والصرامة. لكن حب الجمّالية هو الغالب دائما".

ويتذكر نجيب محفوظ أن أول مظاهرة شارك فيها، وهو في المرحلة الإبتدائية عندما نشب خلاف دستوري بين الملك فؤاد وسعد زغلول رئيس الوزراء. قال: أخذونا وذهبنا إلى عابدين، ندقُّ على أبواب السرايا، ونهتف: سعد أو الثورة .. وكانت مظاهرة سلمية، لأن وزير الداخلية كان سعد زغلول نفسه.

ومن المفارقات اللطيفة أن نجيب محفوظ أصبح طالبًا في "مدرسة فؤاد الأول الثانوية" عام 1930، قبل أن يلتحق بالجامعة المصرية.

تولّى الملك أحمد فؤاد حكم مصر والسودان بعد رحيل السلطان حسين كامل عام 1917، وبعد أن رفض ابنه الأمير كمال الدين حسين أن يُخلف والده، فاعتلى عرش مصر أحمد فؤاد الأول ابن إسماعيل باشا، بدلًا منه. وفي عهده قامت ثورة 1919، ورغم عظم هذه الثورة فإن الحديث عن الملك فؤاد في أعمال شوقي ومحفوظ لم يكن بحجم هذه الثورة، التي أثمرت عن رفع الإنجليز حمايتهم عن مصر والاعتراف بها مملكة مستقلة ذات سيادة، بموجب تصريح 28 فبراير عام 1922، الصادر من طرف بريطانيا، وأعلنت فيه إنهاء الحماية البريطانية على مصر، وأنها أصبحت "دولة مستقلة ذات سيادة"، لكن احتفظت بريطانيا بحق تأمين مواصلات إمبراطوريتها، وحقها في الدفاع عنها ضد أي اعتداء أو تدخل أجنبي، وحماية المصالح الأجنبية والأقليات فيها، وإبقاء الوضع في السودان على ما هو عليه، وتتحول السلطنة المصرية بناء على الإعلان إلى المملكة المصرية. وأعلن الاستقلال في 15 مارس 1922، وتم وضع نظام دستوري 1923، يحقق للبلاد أمانيها بالتعاون بين الأمة والحكومة في إدارة شؤون البلاد ويقرر مبدأ المسئولية الوزارية.

وفي 13 أبريل/نيسان 1922 أصدر الملك فؤاد القانون رقم 25 لسنة 1922 الخاص بوضع نظام لوراثة العرش في أسرة محمد علي، وتم في عهده تأليف أول وزارة شعبية برئاسة سعد زغلول وذلك في يناير من عام 1924. وفي صيف 1936 عقدت معاهدة بين مصر والمملكة المتحدة اعترفت الأخيرة بمصر دولة مستقلة، لكن حلم الاستقلال النهائي، لم يتم، ولم يرحل الإنجليز عن مصر إلا في 18 يونيو/حزيران من عام 1956 في عهد الرئيس جمال عبدالناصر.

كان أحمد شوقي قد عاد من منفاه في أوائل عام 1920، بعد موافقة الملك فؤاد على ذلك، ولكنه قرَّر أن يكون بعد المنفى شاعر الشعب والوطن، وليس شاعر الأمير أو شاعر القصر. وكانت أول قصيدة يكتبها بعد عودته من منفاه بالأندلس بعنوان "بعد المنفى" يشيد فيها بذكر تلك البلاد التي استقبلته في المنفى شاكرًا لها وعرفانًا بجميلها، ثم انتقل إلى استقبال بلاده بعد تلك الغيبة الطويلة، وعرَّج على مسألة التموين التي كانت حينئذ شغل البلاد الشاغل، وقد أنشَد هذه القصيدة في اجتماع لجان التموين (بالأوبرا الملكية سنة 1920) ولم يتعرض فيها لذكر السلطان فؤاد على الإطلاق، وهي القصيدة التي قال فيها:

وَيا وَطَني لَقَيتُكَ بَعدَ يَأسٍ ** كَأَنّي قَد لَقيتُ بِكَ الشَبابا

وفيها توجه للشباب قائلا:

شبابَ النيلِ إنَّ لَكُم لَصَوتًا ** مُلَبّى حينَ يُرفَعُ مُستَجابا

فَهُزّوا العَرشَ بالدَعَواتِ حَتّى ** يُخَفِّفَ عَن كِنانَتِهِ العَذابا

وقد آمن بأن العلم والأدب هما الأبقى من الحكَّام الزائلين. لذا نراه يقول للملك فؤاد في إحدى قصائده:

إن سرَّك المُلكَ تبنيه على أسـسٍ ** فاستنهض البانِيين: العلمَ والأدبا

وعندما رأى شوقي التغيرات التي حدثت في مصر بعد الثورة التي لم يشارك فيها لأنه كان في منفاه خارج البلاد، بدأ يكتب عن الإنجازات وليس عن الأشخاص، ويشارك في الحياة السياسية بعمق، فكتب عن مشروع 28  فبراير/شباط (1922) وعن العمال، وعن بنك مصر (الذي تأسس عام 1920) ويتحدث للأحزاب (1924) أثناء رثائه لصديقه مصطفى كامل: قائلا:

إِلامَ الخُلفُ بَينَكُمُ إِلاما ** وَهَذي الضَجَّةُ الكُبرى عَلاما؟

وبالتالي فقصائد شوقي لم تكن مدحًا في الملك فؤاد، ولكنها إشادة بالإنجازات التي يستحقها الشعب المصري. ومنها تشييد مبنى البرلمان، وعيد الجهاد الوطني، وذكرى إنشاء كلية دار العلوم، وافتتاح إنشاءات الجامعة المصرية سنة 1931، ومشروع القرش، ما إلى ذلك.

يقول الدكتور مصطفى الرفاعي في كتابه "في رحاب شوقي" (مطبعة الإنتصار. الإسكندرية 1996): "شعرتُ بالعزّة وشوقي يطالب الملك فؤاد بالدستور بشجاعة وإصرار، ويُفهِّم الشعبَ أن هذا حقٌّ سُلِبَ منه، وليس منحة تُعطى له".

وقد حصل شوقي على لقب أمير الشعراء في عهد الملك فؤاد، وكان حفل تنصيه للإمارة في نهاية أبريل من عام 1927 تحت رعاية الملك فؤاد الأول، لكنه لم يحضر، ورأس الحفل سعد زغلول باشا الذي لم يحضر أيضا، لمرضه، وأناب عنه محمد فتح الله بركات باشا.

وعند وفاة شوقي أظهر الملك فؤاد عطفه الكريم على الفقيد وآله، فأوفد مندوبًا ينوب عنه في تشييع الجنازة.

في عهد فؤاد تأسست الجامعة المصرية عام 1925 والتي حملت اسمه عام 1940 بعد ضمِّها للحكومة، وتم تصميم الطابع التذكاري لإنشاء جامعة فؤاد الأول. ونتيجة لمساعيه قبلت المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا أن يتعلم بعض الطلبة المصريين مجانًا في جامعات لندن وباريس وروما. وهو ما حُرم منه الطالب نجيب محفوظ بعد تخرجه في قسم الفلسفة بالجامعة المصرية عام 1934 بسبب إجراءات روتينية سخيفة داخل الجامعة، فتخلّى محفوظ عن حلمه في التدريس بالجامعة، وعن مشروعه الأكاديمي "الجمال في الفلسفة الإسلامية"، ليكون أديبًا أخلص للأدب كل الإخلاص. ويفوز بعد ذلك بجائزة الدولة مرتين، كانت المرة الأولى هي جائزة الدولة القديمة التي كانت قبل الثورة، وكانت تعرف باسم "جائزة الملك فؤاد، وكانت قيمتها المالية ألف جنيه، وجائزة الدولة بعد الثورة، وكانت قيمتها ألفين وخمسمائة جنيه.

وإذا كان نجيب محفوظ قد قام في كتابه "أمام العرش" بمحاكمة عدد كبير من زعماء مصر وملوكهم على مدى التاريخ منذ الملك مينا، وحتى الرئيس أنور السادات، وصل عددهم إلى 63 ملكًا وحاكمًا وزعيمًا، فإن هذا الكتاب أو هذه المحاكمات تخلو من ذكر الملك فؤاد، ومن ذكر ابنه أيضا الملك  فاروق، وبقية الأسرة العلوية، فمن محمد علي باشا إلى السادات، مرورا بأحمد عرابي، ومصطفى كامل، ومحمد فريد، وسعد زغلول، ومصطفى النحاس، وجمال عبدالناصر. فكان ، محفوظ بذلك مناصرًا للشعب وللقوى الوطنية والزعماء الوطنيين، وهو الموقف الذي اتخذه أحمد شوقي بعد عودته من منفاه بإسبانيا أو الأندلس كما ألمحنا إلى ذلك من قبل.