حكم مشدد مرتقب بحق صنصال يزيد الشرخ بين باريس والجزائر

نيابة محكمة الاستئناف الجزائرية تطلب الحكم بعشر سنوات سجنا على بوعلام صنصال ما يعكس عمق الهوة القائمة بين فرنسا والجزائر حول قضايا حرية التعبير والسيادة الوطنية وفي خضم توتر غير مسبوق بين البلدين.
الموقف الفرنسي سيكون حادا ضد الجزائر في حال اقرار الحكم المشدد بحق صنصال

الجزائر –طالبت نيابة محكمة الاستئناف الجزائرية، يوم الاثنين، بالحكم على الكاتب الفرنسي من أصل جزائري بوعلام صنصال والبالغ من العمر 80 عامًا بالسجن عشر سنوات، في تصعيد لافت يعكس عمق الهوة القائمة بين باريس والجزائر حول قضايا حرية التعبير والسيادة الوطنية.
وصنصال، الذي سبق أن حُكم عليه بالسجن خمس سنوات في المحكمة الابتدائية بتهمة المساس بسلامة وحدة الوطن، مثل أمام محكمة الاستئناف دون محامٍ في جلسة عقدت في 24 يونيو/حزيران، بعد تأجيلها من مايو الماضي بطلب منه لاختيار هيئة دفاع. ورغم وضعه الصحي الحرج بسبب معاناته من مرض السرطان، فقد بدا الكاتب في صحة مقبولة، وأجاب على أسئلة القاضية.
وتعود جذور هذه القضية إلى تصريحات أدلى بها صنصال في مقابلة مع وكالة "فرونتيير" الفرنسية، تطرق فيها إلى ما يُعرف في الخطاب المغربي بـ"الاقتطاع الاستعماري"، مشيرًا إلى أن فرنسا، خلال فترة استعمارها للمغرب، اقتطعت أجزاءً من الصحراء الشرقية المغربية وألحقتها بالجزائر. هذا التصريح، وإن بدا تاريخيًا في جوهره، جاء في توقيت حساس تشهد فيه العلاقات الجزائرية الفرنسية حالة من الاضطراب، خصوصًا على خلفية تقارب باريس والرباط مؤخرًا، واعتراف فرنسا بحكم ذاتي موسّع تحت السيادة المغربية في الصحراء.
وصنصال، صاحب روايات مثل "قسم البرابرة" و"2084: نهاية العالم"، لم يكن غريبًا عن انتقاد النظام السياسي الجزائري، لكن اعتقاله في مطار الجزائر يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني، بموجب المادة 87 أ من قانون العقوبات، شكّل صدمة للعديد من المراقبين الذين رأوا في الاتهام "تسييسًا واضحًا لحرية التعبير".
وعبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بداية العام الجاري عن قلقه العميق إزاء ما وصفه بـ"الاحتجاز التعسفي" لصنصال، واعتبر أن قضيته تمثّل حجر عثرة إضافي أمام عودة الثقة الكاملة بين الجزائر وفرنسا. كما نقلت الحكومة الفرنسية مخاوفها المتكررة عبر القنوات الدبلوماسية، دون أن تلقى استجابة من السلطات الجزائرية، التي ترى في هذه التحركات "تدخلاً في الشأن القضائي والسيادي الجزائري".
وتعزز الموقف الفرنسي بتحركات داخلية وخارجية. فقد نظّم معهد العالم العربي ودار غاليمار للنشر، وقفات تضامنية للمطالبة بالإفراج عن صنصال، فيما أصدر عدد من المثقفين والكتّاب بيانات دعم واسعة النطاق، رافضين ما اعتبروه "ملاحقة لضمير حرّ".
وفي المقابل، تتعامل الجزائر مع القضية على أنها قضية داخلية بحتة، تندرج ضمن إطار تطبيق القوانين الوطنية. ورفضت السلطات الجزائرية كافة الدعوات الأوروبية، خصوصًا من البرلمان الأوروبي، الذي أصدر قرارًا يطالب بالإفراج عن صنصال وكافة معتقلي الرأي. واعتبر مجلس النواب الجزائري هذا الموقف "تدخلًا سافرًا"، وردّ عليه ببيان شديد اللهجة يؤكد على استقلال القضاء الجزائري ورفض الوصاية السياسية الأجنبية.
ورغم محاولة البعض حصر القضية في بعدها القانوني، فإن المتابعين يرون أن صنصال أصبح رمزًا لأزمة أعمق تتعلق بسوء الفهم المتجذر بين الجزائر وباريس، الممتد إلى ملفات الذاكرة التاريخية والاستعمار، والهجرة، والتعاون الأمني، والتنافس على النفوذ في المنطقة المغاربية.
ويأتي الحكم القضائي المتوقع بعد أيام، في خضم تصاعد الخلافات الجيوسياسية، خاصة بعد الانفتاح الفرنسي على المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء الغربية، التي باتت تحظى بدعم قوى دولية وازنة مثل الولايات المتحدة وألمانيا. ويرى محللون أن هذا الانحياز الفرنسي المعلن أربك الجزائر، التي تعتبر النزاع في الصحراء مسألة تتعلق بأمنها القومي وعمقها الاستراتيجي.
ومن المنتظر أن تُصدر محكمة الاستئناف حكمها النهائي في الأول من يوليو/تموز، وهو تاريخ قد يتحول إلى منعطف حاد في العلاقات الثنائية، بحسب تقديرات دبلوماسيين ومحللين سياسيين. إذ إن تثبيت الحكم أو تشديده إلى عشر سنوات سجن، كما طالبت النيابة، سيُفسَّر فرنسيًا على أنه رسالة سياسية واضحة من الجزائر، تعكس رفضها الضغوط الغربية واحتجاجها على "الانحياز الفرنسي".
وفي حال تم تنفيذ الحكم، يُتوقع أن تشهد العلاقات بين باريس والجزائر مزيدًا من التوتر، ليس فقط على الصعيد السياسي، بل أيضًا الثقافي والإعلامي، حيث يُنظر إلى محاكمة صنصال على أنها استهداف متعمّد لحرية الفكر والتعبير، التي طالما اعتبرتها باريس أحد ركائز علاقاتها الخارجية.