حماس تكابد في مواجهة صعود العشائر وتراجع النفوذ الإيراني
غزة - تكابد حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس" من أجل الحفاظ على سيطرتها على قطاع غزة، في مواجهة عشائر محلية معارضة لها والضغط العسكري الإسرائيلي الذي لا هوادة فيه، وذلك بعد تراجع قدراتها وفقدانها أبرز قادتها وجانبا كبيرا من شبكة أنفاقها، في وقت تعاني من غموض بشأن دعم حليفتها إيران.
وقالت ثلاثة مصادر مقربة من حماس إن مقاتلي الحركة يعملون على نحو مستقل بموجب أوامر بالصمود لأطول فترة ممكنة، لكنها تجد صعوبة في ذلك، في ظل دعم إسرائيل العلني لعشائر معارضة لها.
وقال أحد المصادر إن الحركة بحاجة ماسة إلى وقف القتال تحت وطأة الأزمة الإنسانية في غزة التي تزيد من الضغوط الدولية لوقف إطلاق النار، مضيفا أن الهدنة لن توفر فقط متنفسا لسكان غزة المنهكين الذين يتزايد انتقادهم لحماس، وإنما سيسمح أيضا للفصيل المسلح بسحق العناصر المارقة ومنها أفراد بعض العشائر واللصوص الذين ينهبون المساعدات.
وأفاد مصدران من "حماس" وآخران مطلعان على الوضع بأن الحركة أرسلت بعضا من كبار مقاتليها للقضاء على أحد المتمردين، وهو ياسر أبوشباب، سعيا لمواجهة التهديد المباشر. لكنه حتى الآن لا يزال بعيدا عن قبضتها في منطقة رفح التي تسيطر عليها القوات الإسرائيلية.
وتحدثت رويترز إلى 16 مصدرا من بينهم أشخاص مقربون من حماس ومصادر أمنية إسرائيلية ودبلوماسيون رسموا صورة لحركة أصابها الضعف الشديد وتحتفظ ببعض النفوذ والقدرة على تنفيذ العمليات العسكرية في غزة رغم الانتكاسات التي تعرضت لها، إلا أنها تواجه تحديات شديدة.
ولا تزال حماس قادرة على توجيه ضربات، فقد قتلت سبعة جنود إسرائيليين في هجوم بجنوب غزة يوم الثلاثاء، لكن ثلاثة دبلوماسيين في الشرق الأوسط قالوا إن تقييم أجهزة المخابرات أظهر أنها فقدت القيادة والسيطرة المركزية وتكتفي بهجمات محدودة ومباغتة.
وقدر مسؤول عسكري إسرائيلي أن إسرائيل قتلت 20 ألف مقاتل أو أكثر من حماس ودمرت مئات الأميال من الأنفاق تحت القطاع الساحلي أو جعلتها غير صالحة للاستخدام. وتحول جزء كبير من غزة إلى ركام خلال الصراع الدائر منذ نحو 20 شهرا.
وقال مصدر أمني إسرائيلي إن متوسط أعمار مقاتلي حماس "ينخفض يوما بعد يوم"، فيما تقول مصادر أمنية إسرائيلية إن الحركة تجند مئات الآلاف من الشبان الفقراء والعاطلين عن العمل والمشردين.
ولا تكشف حماس عن عدد القتلى في صفوف مقاتليها. وقال عصام (57 عاما)، وهو عامل بناء، في مدينة غزة "هم لا يظهرون لأن الطائرات تقصفهم باستمرار لكن يوجدون أيضا هنا وهناك، ينظمون طوابير الناس أمام مخابز أو يقومون بحماية شاحنات المساعدات أو معاقبة اللصوص"، مضيفا "هم وضعهم مش مثل قبل الحرب لكنهم موجودون".
وردا على طلب للتعليق، قال سامي أبوزهري القيادي في حماس إن الحركة تعمل من أجل التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب مع إسرائيل لكن "الاستسلام ليس خيارا".
حماس لم تعد إلا شبحا للحركة التي شنت هجوما على إسرائيل في عام 2023
وأضاف أنها لا تزال ملتزمة بالمفاوضات وأنها مستعدة لإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، لكنها تريد وقف سفك الدماء وانسحاب إسرائيل.
ولم تعد الحركة الآن إلا شبحا لحماس التي شنت هجوما على إسرائيل في عام 2023 تقول الإحصاءات الإسرائيلية إنه أدى إلى مقتل 1200 شخص واحتجاز 253 رهينة. وتقول سلطات الصحة في غزة إن الحرب التي شنتها إسرائيل ردا على ذلك أودت بحياة أكثر من 56 ألف شخص.
ولم تتعرض حماس منذ تأسيسها لأضرار مثل تلك التي ألحقتها إسرائيل بها، إذ قتل معظم كبار قادتها العسكريين في غزة.
وتأسست الحركة في عام 1987 ورسخت وضعها تدريجيا منافسا رئيسيا لحركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى أن انتزعت منها أخيرا السيطرة على غزة في 2007.
ومع صمود الهدنة التي توسطت فيها الولايات المتحدة في الحرب بين إيران وإسرائيل، عاد الاهتمام ينصب مرة أخرى على إمكان التوصل إلى اتفاق في غزة قد ينهي الصراع ويطلق سراح الرهائن المتبقين.
وقال مصدر مقرب من حماس إنها سترحب بهدنة ولو لشهرين لمواجهة العشائر المحلية التي تكتسب نفوذا. لكنه قال إن شروط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب، ومنها مغادرة قادة الحركة غزة، ستعني الهزيمة الكاملة، وإن حماس لن تستسلم أبدا، مضيفا أن "الوضع لا يبدو جيدا ولكننا محكومون بالأمل والإيمان".
وأعرب يزيد صايغ، وهو زميل بارز في مركز كارنيغي الشرق الأوسط في بيروت، عن اعتقاده بأن حماس تحاول ببساطة الاحتفاظ بوجودها. وقال إن ذلك ليس مجرد تحد مادي للصمود عسكريا، وإنما سياسي قبل كل شيء.
وقال "سيواجهون خطر الإبادة على الأرض في غزة إذا لم تتوقف الحرب، لكنهم يواجهون أيضا محوهم من أي صيغة حكم تنهي الحرب في غزة"، حال التوصل إلى صيغة من هذا القبيل.
وظهرت عشائر فلسطينية في إطار إستراتيجية إسرائيل لمواجهة حماس. وقال نتنياهو علنا إن الدولة العبرية تسلح عشائر معارضة للحركة، لكنه لم يحدد أيا منها.
ويأتي أحد أبرز هذه التحديات من أبوشباب، وهي عشيرة فلسطينية بدوية تتمركز في منطقة رفح الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، فيما قالت ثلاثة مصادر من حماس إن الحركة تريد القبض عليه حيا أو ميتا، وتتهمه بالتعاون مع إسرائيل والتخطيط لشن هجمات على الحركة الإسلامية.
ويسيطر أبوشباب على شرق رفح، ومن المعتقد بأن العشيرة تتمتع بحرية الحركة في منطقة رفح الأوسع. وتظهر صور على صفحة العشيرة على فيسبوك مسلحين تابعين لها ينظمون دخول شاحنات مساعدات من معبر كرم أبو سالم.
صعود نجم أبوشباب جاء نتيجة لضعف حماس
وتشير بيانات للعشيرة إلى أنها تحاول بناء إدارة مستقلة في المنطقة، على الرغم من نفي محاولة أن تصبح سلطة حاكمة. ودعت سكان رفح الموجودين الآن في مناطق أخرى من غزة إلى العودة إلى ديارهم، ووعدتهم بتوفير الطعام والمأوى.
ونفت عشيرة أبوشباب حصولها على دعم من إسرائيل أو أي اتصالات لها مع الجيش الإسرائيلي، ووصفت نفسها بأنها "قوة شعبية" تحمي المساعدات الإنسانية من النهب من خلال مرافقة شاحنات المساعدات، متهمة حماس بممارسة العنف وتكميم أفواه المعارضة.
وقال مسؤول أمني في الحركة إن الأجهزة الأمنية الفلسطينية "ستضرب بيد من حديد لاجتثاث العميل أبوشباب ومن يعاونه" مؤكدا أنها لن تظهر رحمة أو ترددا واتهمه بأنه جزء من "محاولة لخلق فوضى وفلتان". ومع ذلك، ليست كل عشائر غزة على خلاف مع الحركة.
وقال تحالف عشائري الخميس إن رجاله اضطلعوا بمهمة حماية شاحنات المساعدات من اللصوص في شمال غزة. وقالت مصادر مقربة من حماس إن الحركة وافقت على قيام التحالف بهذه الجهود.
وذكرت إسرائيل أن مقاتلي الحركة استولوا بالفعل على الشاحنات، وهو ما نفته كل من العشائر وحماس. ويقول المحلل الفلسطيني أكرم عطا الله إن صعود نجم أبوشباب جاء نتيجة لضعف الفصيل المسلح، مع أنه توقع فشله في نهاية المطاف لأن الفلسطينيين يرفضون على نطاق واسع أي تلميح للتعاون مع إسرائيل.
وبغض النظر عن صغر حجم مجموعته فإن وجود عدو لحماس من الثقافة نفسها أمر وصفه بأنه خطير. وقال "سيظل الأمر يمثل تهديدا لحين التعامل معه".
وفاقم الهجوم الإسرائيلي على إيران من غموض الصورة أمام حماس، فقد كان لدعم طهران للحركة دور كبير في تطوير جناحها المسلح ليصبح قوة قادرة على إطلاق الصواريخ إلى عمق إسرائيل.
وفي خضم إعلان كل من إيران وإسرائيل النصر في الحرب، أشار نتنياهو إلى أن الحملة الإسرائيلية على طهران تزيد من تعزيز موقفه في غزة. وقال إن التطورات "ستساعدنا في تسريع نصرنا وإطلاق سراح جميع رهائننا".
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الأربعاء إن ملف غزة يشهد إحراز تقدم كبير، مضيفا أن من شأن الهجوم على إيران أن يساعد في إطلاق سراح الرهائن.
وأفاد مسؤول فلسطيني مقرب من حماس بأن الحركة تدرس احتمالات انحسار الدعم الإيراني، وتوقع أن "يكون التأثير على شكل التمويل والخبرة التي اعتادت إيران تقديمها للمقاومة ولحماس".
وكان من بين المستهدفين في الحملة الإسرائيلية على طهران ضابط الحرس الثوري الذي يشرف على التنسيق مع حماس، فيما قالت إسرائيل إن سعيد إيزدي، الذي أعلنت مقتله يوم السبت، كان القوة المحركة وحلقة الوصل بين إيران والحركة الفلسطينية.
وقدمت حماس تعازيها لإيران الخميس، ووصفت إيزدي بأنه كان "من أعمدة دعم حركات المقاومة الفلسطينية".
وقال مصدر من فصيل مدعوم من إيران في المنطقة إن إيزدي ساعد في تطوير قدرات حماس، بما في ذلك كيفية تنفيذها هجمات معقدة على غرار إطلاق الصواريخ وعمليات التسلل وإطلاق الطائرات المسيرة.
وعندما سئل أبوزهري عن كيفية تأثير الحملة الإسرائيلية على طهران على دعم الجمهورية الإسلامية لحماس، قال إن إيران دولة كبيرة وقوية ولن تهزم.