حملات انتخابية تراهن على المزاج الطائفي للفوز ببلديات لبنان
بيروت – يغلب الطابع العائلي على المنافسة في الانتخابات البلدية اللبنانية، بعكس الطابع السياسي الذي يميز الانتخابات النيابية بعد عام، غير أن الحسابات الطائفية تطل بوجهها في مختلف أنخاء البلاد، فيما بعض البلديات وجدت في الانكفاء نحو الطائفة وسيلة للفوز وهو ما ظهر في تصريحات رئيس بلدية الحدت الذي تمسك بالقرار القاضي بمنع اللبنانيين من طوائف أخرى شراء العقارات أو السكن فيها، قائلا أنه "باقٍ طالما الدم يسري في عروقنا".
وقال رئيس البلدية الحالي جورج عون، والمرشح لرئاسة البلدية في الدورة الحالية، في مقطع فيديو انتشر على مجموعات واتساب أن هذا القرار هو ما "وفر الحماية للبلدة خلال الحرب الأخيرة"، و"حمى القسم العُلوي من البلدة من دمار تعرض له القسم السفلي منها".
وكان القرار الذي منع تملك المسلمين في البلدية قد تم تطبيقه نتيجة للتحالف بين "التيار الوطني الحر" وحزب الله في 2010. لتجنب مشكلة بين الحزب والتيار، وها هو يطل اليوم بعد انحسار نفوذ حزب الله لأسباب أخرى تتعلق بالحسابات الانتخابية.
وفي بيروت، تتخوف الأوساط السياسية من تهديد المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في المجلس البلدي لبيروت، على طرابلس باستبعاد العلويين والمسيحيين من مجلسها البلدي، لئلا يتكرر الإخلال بالتوازن الطائفي كما هو حاصل في مجلسها الحالي بخلوه من تمثيلهم في حال أن رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، ومعه نواب المدينة، لم يقرروا النزول بكل ثقلهم لقطع الطريق على الإخلال به، والمؤلف من 24 عضواً كما الحال مع بيروت.
ومن شأن استبعاد تعديل قانون الانتخابات البلدية أن يرفع من منسوب القلق في العاصمة خصوصا، لأن الاتصالات متوقفة ما لم يبادر من يهمهم أمر الحفاظ عليها إلى تقديم التسهيلات المطلوبة لدرء الأخطار السياسية المترتبة على الإطاحة بها.
ويمكن تبيان بصمات الأحزاب السياسية حصراً في المدن والبلدات الكبرى؛ وأبرزها العاصمة بيروت؛ حيث لم تنجح هذه الأحزاب حتى الساعة في تشكيل لائحة ائتلافية تسعى إليها. أما في كثير من القرى والبلدات الصغيرة، فإن المنتمين إلى الحزب الواحد يتوزعون على لوائح متنافسة، لذلك؛ تفضل الأحزاب عدم دعم لائحة في وجه أخرى كي لا يؤدي ذلك إلى انسحابات حزبية.
ورغم أن العاصمة تحتضن جميع المكونات السياسية والطائفية، باستثناء العلويين، إلى جانب الأحزاب والتيارات السياسية، فإن الانقسام القائم بين نوابها يكمن في إصرار معظمهم على تسييس المعركة البلدية على نحو يؤدي إلى نقل الخلاف الدائر في الشارع إلى داخل المجلس البلدي، وهذا ما يحذر منه البعض بالقول إن التوافق على تشكيل لائحة ائتلافية تحظى بأوسع تأييد يواجه صعوبة إذا ما أصر بعض الأحزاب على أن يتمثل مباشرة لا بالواسطة لتفادي تبادل الفيتوات بين الناخبين الكبار على خلفية الانقسام الحاصل حول إسناد حزب الله لغزة.
ويحذر متابعون من تعريض المناصفة إلى خطر يأخذ البلد إلى أزمة سياسية مفتوحة، وهذا يستدعي خفض التمثيل الحزبي في اللائحة الائتلافية، لأنه لا مجال أمام جمع حزب "القوات اللبنانية"، و"التيار الوطني الحر"، والثنائي الشيعي في لائحة واحدة، لأن الأخير يُبدي تحفّظه على التحالف معهما على خلفية مواصلة حملاتهما السياسية على حزب الله، وتحميله مسؤولية تفرُّده بقرار الحرب الذي ترتب عليه استدراج إسرائيل لحرب مدمرة على لبنان، ويقترح حصر الترشيح على اللائحة بالمستقلين بما يحفظ الحد الأدنى من الانسجام بداخل المجلس البلدي المنتخب، وينأى به عن تصفية الحسابات التي ستكون حاضرة في اللحظة الأولى لتركيب اللائحة التوافقية في حال أُزيلت التحفظات باستبعاد الحزبيين.
واكتملت الاستعدادات في لبنان لهذا الاستحقاق، وأكد وزير الداخلية أحمد الحجار، الثلاثاء، بعد لقائه مفتي الجمهورية، عبد اللطيف دريان، أن "التحديات الأمنية لن تثنينا عن إجراء الاستحقاقات في أوقاتها، وأولها الاستحقاق الانتخابي؛ بدءاً بمحافظة جبل لبنان يوم الأحد".
وخرج رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، في أبريل/ نيسان الماضي ليعلن أنه وجّه تياره بعدم التدخل في هذه الانتخابات لِعدّها "أهلية إنمائية غير سياسية"، بينما يسعى الثنائي الشيعي المتمثل في حزب الله وحركة أمل، منذ انطلاق الاستعداد لهذا الاستحقاق، إلى تشكيل لوائح توافقية وتجنب أي معركة انتخابية. ويبدو واضحاً أنه يعطي الأولوية لأوسع مشاركة في هذه الانتخابات كي يؤكد لأخصامه أن الشارع الشيعي لا يزال متماسكاً خلفه رغم الانتكاسات الكبرى التي تعرض لها.
وخرج الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، ليدعو إلى الإقبال الكثيف على الانتخابات البلدية والاختيارية، لافتاً إلى أن الحزب وحركة أمل قد "عقدا اتفاقاً للوصول إلى مجالس بلدية متفاهمة ومتجانسة بما يجمع العائلات؛ ليكون هناك تمثيل شعبي للجميع".
ويرى محللون أن أولوية الثنائي هي حدوث الانتخابات وتأمين أوسع مشاركة شعبية فيها، خصوصاً في القرى الحدودية، وإذا أمكن نجاح البلديات المشتركة بالتزكية، والأهم أن تمثل المجالس البلدية أوسع شريحة ممكنة، إذ يركز الثنائي على الجانب التنموي للاستحقاق، مع الحرص على تمثيل العائلات والكفاءات الشيعية لإنجاح المجالس البلدية؛ نظراً إلى أهمية دور البلديات.
أما الحزب التقدمي الاشتراكي، فجدد موقفه في بيان، بالتأكيد على أنه والزعيم الدرزي وليد جنبلاط لا يتدخلان في الانتخابات البلدية.