حينما يكون العراق في قلب "طوفان الاقصى"

العراق كان ومازال وسيبقى لاعبا فاعلا ومؤثرا في معادلات الصراع العربي الإسرائيلي.

يؤشر مجمل الحراك السياسي والشعبي في العراق، المتمثل بالمواقف الرسمية وغير الرسمية حيال معركة "طوفان الاقصى"، الى حقيقة مهمة وراسخة، الا وهي ان هذا البلد، كان في مقدمة الدول العربية والاسلامية التي ساندت ودعمت وازرت الشعب الفلسطيني في معركته ضد الكيان الصهيوني، بل لم يبالغ البعض حينما اعتبره طرفا مشاركا من الناحية الفعلية في تلك المعركة بكل تفاصيلها وجزئياتها.

ولعل هناك جملة مصاديق وحقائق ومعطيات، اكدت ورسخت طبيعة وحقيقة المواقف العراقية بإطارها العام الشامل، ومن بين تلك المصاديق والحقائق والمعطيات:

- ما تحدث به رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في قمة السلام التي عقدت في العاصمة المصرية القاهرة، بحضور ومشاركة عدد كبير من الزعماء وكبار الساسة العرب والأجانب. فضلا عن البيانات التي صدرت عنه، والاتصالات التي اجراها مع مختلف الاطراف المعنية.

وما قاله السوداني واكده لم يكن ليحتمل تفسيرات وتأويلات متعددة، ولا مواربات ولا ترضيات ولا تنازلات ولا مساومات من اي نوع كان، وربما كان هو الاوضح والاصدق من كل الزعماء والساسة العرب.

- بيان المرجعية الدينية في النجف الاشرف، والذي صدر بعد ثلاثة ايام من اندلاع معركة "طوفان الاقصى"، حيث جددت فيه مواقفها الثابتة والمبدئية في الدفاع عن الشعب الفلسطيني المضطهد والمظلوم، وادانة جرائم الكيان الصهيوني، وطرح الرؤية الواقعية والعادلة لحل مشكلة فلسطين جذريا.

- دخول المقاومة الاسلامية العراقية على الخط مباشرة، من خلال توجيه العديد من الضربات عبر الصواريخ والطائرات المسيّرة الى عمق الكيان الصهيوني، في ايلات وتل ابيب ومدن اخرى، ناهيك عن عمليات القصف المستمرة للوجود العسكري الاميركي في عدد من القواعد العسكرية، مثل قاعدة عين الاسد في قضاء الحبانية التابع لمحافظة الانبار، وقاعدة حرير في محافظة اربيل بشمال العراق، وغيرهما، اذ اعترفت الولايات المتحدة بتعرض قواتها هناك الى اكثر من خمسين هجوما خلال الشهر الاول من معركة "طوفان الاقصى".

- المبادرات والخطوات العملية لتقديم مختلف اشكال المساعدات الاغاثية للشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة. وبعض هذه المبادرات والخطوات جاءت عبر القنوات الرسمية الحكومية، وبعضها جاء من خلال المرجعيات والمؤسسات الدينية، البعض الاخر انطلق من فاعليات ونخب وفئات اجتماعية متنوعة.

اضف الى ذلك، فأن التجمعات الشعبية الحاشدة على الحدود العراقية الاردنية، من جهة منفذ طريبيل الحدودي، كانت بمثابة رسائل بليغة وعميقة عن حقيقة وجدية مساهمة العراقيين بصورة مباشرة في معركة الاقصى. ولعل مثل هذه المواقف، تعد بشكل او باخر، امتدادا للأدوار والمواقف التأريخية للجيش العراقي في الحروب ضد الكيان الصهيوني، ابتداء من حرب عام 1948، مرورا بحرب تشرين الاول/اكتوبر 1973 وغيرها، وصولا الى معركة "طوفان الاقصى".

ومما لا يختلف عليه اثنان، هو أن مواقف اليوم العراقية، لها جذور وخلفيات تاريخية، وهي تمثل استمراراً لتوجّه ونهج ثابت وراسخ، لم تشوّهه بقدر قليل إلا محاولات المتاجرة بالقضية الفلسطينية والمزايدة عليها من قبل نظام الحكم البعثي السابق (1968-2003)، للتغطية والتمويه على الكثير من ارتباطاته ومشاريعه الخارجية.

وحتى لا نذهب بعيدا الى الوراء، فأن الموقف العراقي العام، كان مشرفا حيال معركة "سيف القدس"، قبل عامين، وكان بذات المستوى من مختلف مشاريع واجندات التطبيع مع الكيان الصهيوني، رغم طبيعة الظروف والتحديات الاستثنائية التي واجهها العراق طيلة العشرين عاما الماضية.

ولاشك ان كل هذه المصاديق والحقائق والمعطيات، كانت واضحة وجلية الى حد كبير، بل انها الى جانب مبادرات الاطراف العربية والاسلامية والدولية الاخرى، كانت الاوضح والاسرع.

وشهادات شخصيات سياسية ودينية كبيرة بحق العراق والعراقيين، مثل ما قاله في مناسبات عديدة، قائد الثورة الاسلامية في ايران اية الله العظمى السيد علي خامنئي، وما قاله الامين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصرالله، وما قالته زعامات فلسطينية عليا حول العراق، لم يأتِ في سياق مجاملات سياسية وتعبيرات فضفاضة، بقدر ما كان وصفا وتوصيفا دقيقا للواقع.

واذا كان الكيان الصهيوني، ومعه الولايات المتحدة وقوى غربية، وحتى اطراف عربية واقليمية، يشعرون بالقلق الكبير من العراق، فذلك لان هناك حقائق تأريخية، ووقائع انية، وقراءات مستقبلية، اكدت وتؤكد ان العراق كان ومازال وسيبقى لاعبا فاعلا ومؤثرا في معادلات الصراع، وقد تجلى هذا الامر بدرجة اكبر، حينما بات عنصرا رئيسيا في جبهة او محور المقاومة، وبعدما وصلت كل محاولات ومخططات ومشاريع تدجينه واخضاعه الى طريق مسدود. ولعل واشنطن وتل ابيب وعواصم اخرى، لا ترى اهمية حقيقية لكل الخطوات المتحققة في مسيرة التطبيع مع بعض الدول والحكومات العربية والاقليمية، مادامت لم تفلح في جر العراق اليها.

وما ينبغي عدم تجاهله او نسيانه او التغافل عنه، هو ان مرحلة ما بعد معركة "طوفان الأقصى" لن تكون كما قبلها، وسوف يكون العراق رقما صعبا، وطرفا فاعلا في ابراز وتكريس وترسيخ هذه البديهية، وفي صياغة ورسم المعادلات الجديدة.