حين تقاوم الكلمة السلاح في لبنان
يتعامل حزب الله مع اللبنانيين باعتبارهم مواطنين تحت الوصاية. وليس مفاجئا أن يعتبرهم شعبا لم ينضج بعد. ذلك ما يكشف عنه زعيمه حسن نصرالله بسخرية وغرور في كل خطاب يلقيه من مخبئه.
وكلما اعترض لبناني على ما يرتكبه حزب الله من حماقات، هي في حقيقتها جرائم وطنية وإنسانية يُتهم بالطائفية ويُحال موقفه إلى موقع يُراد من خلاله الزج بالطائفة الشيعية في صراع لا علاقة لها به.
فهذه الميليشيا تختبئ وراء ستار الطائفة والمذهب فيما هي في حقيقتها مجرد عصابة إيرانية وظفت وجودها المسلح في خدمة أهداف سياسية ليست وطنية، بل العكس هو الصحيح. إذ أن كل ما تفعله يصب في مجرى تمزيق لبنان وتحطيم إرادة شعبه وانهاء سيادته.
ما حدث مؤخرا في قرية الكحالة، قرب بيروت ما هو إلا جزء من مسلسل طويل، مادته سلاح غير شرعي يقصي الدولة عن وظيفتها ويقزمها ويضعفها ويصنع منها تابعا ذليلا فتبدو عاجزة عن الدفاع عن أمن مواطنيها الذين صاروا يعلنون وبلسان صريح أن الابتزاز بالمقاومة هو سلاح مهزوم لن تنصره الأكاذيب.
بالنسبة لحزب الله فإن اللبنانيين لا يحق لهم أن يقولوا كلمة في ما يتعلق بتصرفاته ولا بمصيرهم في ظل سلاحه الفالت. فهو فوق النقد وهو يعرف ما لا يعرفه اللبنانيون كلهم عن حقيقة أوضاعهم. وليس أمامهم سوى أن ينصاعوا له وإلا سيحدث ما لا تُحمد عقباه. تلك هي لغة القوة التي يُراد تطبيعها.
في خيال حسن نصرالله ومن والاه أن كل بقعة في لبنان سيكون عليها أن تتحول إلى صورة من ضاحية بيروت الجنوبية، هناك حيث يتربع الحزب على عرش سلطة، ليس لها مكان وزمان محددين. فهي سلطة مستلهمة من قوة الولي الفقيه الذي هو ممثل الامام الغائب.
واقعيا فإن الضاحية التي هي عاصمة الحزب من أكثر مناطق بيروت ولبنان رثاثة وتخلفا وهي نموذج لفوضى المناطق العشوائية الفقيرة. لذلك فإن الحلم بتعميمها على لبنان لا يعني سوى إشاعة مزيد من الفوضى والخراب في لبنان الذي لا أعتقد أنه في حاجة إلى جرعة من ذلك النوع ليموت.
نحن هنا نتحدث عن شعب قهرته أوضاعه المعيشية التي هي من صنع طبقة فاسدة يقف زعماء حزب الله في مقدمتها إذا لم يكونوا السد المنيع الذي يحمي تلك الطبقة ويحول دون تقديم أفرادها إلى القضاء.
حين وضع حزب الله أعضاءه فوق القانون اللبناني فإنه أشهر في الوقت نفسه سيف قانونه على الآخرين. وهكذا صار قانون حزب الله فوق قانون الدولة اللبنانية الذي فشل قضاؤه في استدعاء مجرمين من حزب الله لينالوا قصاصهم العادل وليست حادثة تفجير مرفأ بيروت بعيدة.
كل المعطيات والأدلة والقرائن والشهادات تؤكد مسؤولية الحزب عن ذلك التفجير. كان القضاء شجاعا حين سمى القتلة بأسمائهم وطالب بمحاكمتهم. يكفيه أنه قال كلمة الحقيقة في الوقت المناسب. اما ما تبقى فإنه جزء من الحكاية اللبنانية الكئيبة. فلا أحد في الدولة اللبنانية قادر على اختراق السد والوصول إلى مبتغاه.
ليس من المبالغة في شيء القول إن الميليشيا الإيرانية وهي قوة عابرة للحدود ترى في لبنان دولة أقل قيمة وأصغر مساحة وأضعف إرادة من أن تحتويها. وهي في ذلك لا ترى في لبنانيتها إلا مجرد غطاء مؤقت، يمكن إزاحته حين تزول الدولة اللبنانية ويظهر لبنان كما تتوهمه إمارة إيرانية.
كانت سخرية علنية من أوجاع اللبنانيين وهم يتلقون الصدمة التي انطوت عليها أحداث "الكحالة". بالنسبة لأعضاء ميليشيا حزب الله وأنصارهم فإن كل صيحة استنكار وغضب وألم واستغاثة يطلقه اللبنانيون في وجه الميليشيا وسلاحها وسلوكها المستهتر أما أن تكون تعبيرا عن حالة الدلع التي يجب أن تنتهي أو أنها تتم بالتنسيق مع العدو. وإسرائيل هي العدو الجاهز وإلا فهي أميركا. ألم يكن محتجو تشرين الأول/اكتوبر 2019 الذين نادوا بإنهاء ولاية حزب الله أبناء للسفارة الأميركية؟
هنا يتاجر حزب الله بالوطنية متناسيا عن عمد أنه أول من أسقط الوطنية من حسابه. فهو ليس في حاجة إلى أن يقوم خصومه بالبحث عن مثالبه في هذا المجال. ذلك ما يعرفه اللبنانيون كلهم وهم يدركون جيدا أنهم ما لم يقاوموا بالكلمة التي يجب أن تصل إلى العالم سلاح حزب الله فإنهم ولبنانهم سيذهبان إلى العدم.