خطة اقتصادية أربكت بريطانيا تُعجل بسقوط ليز تراس
لندن - أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس اليوم الخميس استقالتها من منصبها بعد 44 يوما فقط في حكم شهد اضطرابات غير مسبوقة لتنضم بذلك لقائمة رؤساء الحكومات الأقصر حكما في التاريخ البريطاني، بينما سارع حزب العمال المعارض للدعوة إلى انتخابات مبكرة في محاولة للاستفادة من حالة التشظي والإرباك التي يعيشها حزب المحافظين المهيمن على السلطة منذ العام 2010.
ولم تصمد تراس طويلا بعد يوم واحد من تأكيدها أنها لن تستقيل وستقاوم الضغوط والدفع نحو استعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي. ودعت إلى إجراء انتخابات الأسبوع المقبل لاختيار خلف لها من المحافظين في بلد يشهد أزمة اقتصادية واجتماعية.
وقالت تراس (47 عاما) أمام مقر رئاسة الحكومة في لندن "في ظل الوضع الحالي لا يمكنني إتمام المهمة التي انتخبني حزب المحافظين للقيام بها"، مضيفة "لذلك تحدثت إلى جلالة الملك تشارلز الثالث لإبلاغه باستقالتي من رئاسة حزب المحافظين".
وتابعت ليز تراس التي شغلت منصب رئيس الوزراء لأقصر مدة في التاريخ البريطاني الحديث، أن تصويتا سيجري لاختيار خلف لها داخل حزب المحافظين "بحلول الأسبوع المقبل".
وبعيد ذلك، أعلن رئيس "لجنة 1922" المسؤولة عن تنظيم حزب المحافظين غراهام برادي أنه سيتم تعيين رئيس الوزراء المقبل بحلول 28 أكتوبر/تشرين الأول، موضحا أن التصويت سيشهد منافسة بين مرشحين اثنين على الأكثر في اقتراع سيكون أقصر بكثير من العملية التي حملت تراس إلى السلطة خلال الصيف. وقال برادي "ندرك جيدا الحاجة من أجل المصلحة الوطنية إلى حل هذه الأزمة بسرعة وبشكل واضح".
وحتى صباح الخميس، بدت رئيسة الوزراء متمسكة بالسلطة. وأكدت الناطقة باسمها أنها "تعمل" مع وزير ماليتها جيريمي هانت لإعداد خطتهما الاقتصادية للأمد المتوسط، غداة يوم كان كارثيا بالنسبة لها.
وقد اعترفت بأنها واجهت "يوما صعبا" الأربعاء، لكنّها شددت على ضرورة أن تركّز الحكومة جهودها على أولوياتها. وقال المتحدث باسمها إنها تريد من الحكومة التركيز بنسبة أكبر على "إنجاز الأولويات" و"بنسبة أقل على السياسة".
وصباح الخميس التقت تراس رئيس "لجنة 1922" بينما كانت لائحة البرلمانيين المحافظين الذين يطالبون برحيلها تطول تدريجيا.
وفي خضم أزمة غلاء المعيشة التي يعاني فيها ملايين البريطانيين من التضخم، يعود حزب المحافظين إلى انتخابات داخلية بحثا عن قائد جديد له سيكون الخامس في ست سنوات. وقد جرت آخرها في الصيف بعد استقالة بوريس جونسون على خلفية فضائح في مقر رئاسة الحكومة وفي الأغلبية.
وتطرح أسماء مرشحين عدة لتولي رئاسة الحكومة خلفا لتراس مثل ريشي سوناك وبيني موردونت الوزير المسؤول عن العلاقات مع البرلمان وحتى بوريس جونسون رئيس الوزراء الذي حلت محله في سبتمبر/ايلول.
وكان تقديم ميزانية مصغرة في 23 سبتمبر/ايلول تتضمن مساعدات لنفقات الطاقة وتخفيضات ضريبية هائلة وغير ممولة السبب في سقوط تراس. وتسببت هذه الخطة في انخفاض الجنيه إلى أدنى مستوياته التاريخية وأثارت ذعرا في الأسواق وكادت تفضي إلى أزمة مالية لولا التدخل السريع من بنك إنكلترا.
وارتفع سعر الجنيه الإسترليني الخميس قليلا مقابل الدولار بعد إعلان استقالة ليز تراس.
وحتى بعد إقالة وزير ماليتها وصديقها المقرب كواسي كوارتينغ ثم تخليها عن خطتها لم تنجح تراس في استعادة الثقة في صفوف حزب المحافظين. وتراجعت شعبيتها المنخفضة أساسا في استطلاعات الرأي. ومنذ ذلك الحين، أكدت أنها تريد البقاء في منصبها مع أن ذلك بدا مستحيلا.
وكان الأربعاء كارثيا إذ شهد استقالة وزيرة الداخلية سويلا برافرمان ثم تصويت البرلمان على نص بدا وكأنه مواجهة بين النواب المحافظين.
وقرر حزب المحافظين تجنب إجراء انتخابات تشريعية مبكرة مع تقدم المعارضة العمالية في استطلاعات الرأي. وبعد إعلان تراس، دعا زعيمها كير ستارمر إلى إجراء انتخابات عامة "الآن" وليس أواخر 2024 أو أوائل 2025 كما هو مقرر.
وهذه العاصفة السياسية في إحدى القوى العالمية الكبرى في خضم الحرب في أوكرانيا أثارت ردود فعل على المستوى الدولي، فقد وعد الرئيس الأميركي جو بايدن الخميس بمواصلة "التعاون الوثيق" مع الحكومة البريطانية بعد استقالة تراس التي شكرها.
وقال في بيان "أشكر رئيسة الوزراء ليز تراس على هذه الشراكة"، مؤكدا أن الصداقة "طويلة الأمد" و"قوة" التحالف بين البلدين سيبقيان بلا تغيير.
من جهته، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه يأمل في أن تستعيد المملكة المتحدة "بسرعة" الاستقرار". أما الخارجية الروسية فقد سخرت من استقالة ليز تراس، مشيرة إلى أن هذا البلد "لم يشهد مثل هذا العار يوما".
وفي غودالمين البلدة الصغيرة الواقعة في ساري بجنوب لندن رحبت سالي شيرفيلد المتقاعدة التي لا تصوت لحزب المحافظين برحيل تراس. وقالت "أعتقد أنه من الأفضل لها أن ترحل" مع أنها كانت تفضل إجراء انتخابات عامة على أمل وصول المعارضة إلى السلطة.
أما كارمن هارفي براون وهي مدرسة متقاعدة من ناخبي حزب المحافظين، فقد رأت أن الوضع أصبح "فوضى تامة" وكان على تراس "الرحيل". وهي تعتقد أنها "غير مؤهلة لهذه المهمة".
وستؤدي استقالة تراس إلى إجراء تصويت داخلي في حزب المحافظين بحلول نهاية الأسبوع المقبل، بينما يتزاحم على خلافتها أكثر من إسم مثل ريشي سوناك، فقد يكون وزير المال السابق المرشّح المفضّل لدى نواب حزب المحافظين، بعدما خسر أمام ليز تراس في المرحلة النهائية من عملية اختيار زعيم الحزب هذا الصيف.
ويُنظر إلى المصرفي السابق الثري البالغ 42 عاما على أنه يجسّد الشخصية المطمئنة في إطار عقيدة الميزانية التقليدية. وخلال الحملة، جادل مرارا وتكرارا بأنّ التخفيضات الضريبية غير المموّلة تخاطر بدفع التضخّم إلى مستوى غير مسبوق منذ عقود وتقويض ثقة السوق.
ورغم أنّ الحقائق أثبتت أنه على صواب، إلّا أنّه يواجه عرقلة كبيرة تتمثّل في أنّ العديد من أتباع بوريس جونسون ينظرون إليه على أنه خائن، بعدما أدّت استقالته في بداية الصيف إلى إسقاط رئيس الحكومة السابق.
ومن المرشحين المحتملين أيضا جيريمي هانت، حيث يبدو وزير المال الجديد الذي تسلّم منصبه الجمعة الماضي، كأنه من يتولّى زمام السلطة منذ ذلك الحين، في الوقت الذي أصبحت فيه ليز تراس ضعيفة.
وكان هو الذي أعلن الاثنين التحوّل الأساسي في المشهد عبر عكس جميع الإجراءات الضريبية لحكومة تراس تقريبا، ممّا تسبّب في حالة من الذعر في الأسواق.
ووزير الخارجية الأسبق الذي يبلغ 55 عاما يعدّ من الشخصيات ذات الخبرة ولكنّه غير كاريزمي. وأكد أخيرا لشبكة "بي بي سي" أنه لا يرغب في خوض سباق جديد على السلطة، بعد إخفاقين واجههما في هذا المجال في العام 2019 ثمّ هذا الصيف.
كما يتوقع أن تكون بيني موردنت التي كانت مرشّحة ضدّ ليز تراس لخلافة بوريس جونسون هذا الصيف من بين المرشحين، فيما كانت الوزيرة المسؤولة حاليا عن العلاقات مع البرلمان محبوبة من ناشطي حزب المحافظين في بداية الحملة.
وتُعرف وزيرة الدفاع السابقة البالغة 49 عاما بكاريزميّتها. وظهرت الاثنين أمام البرلمان حيث مثّلت تراس في مواجهة المعارضة ودافعت بثقة عن التغيير في الاتجاه الاقتصادي، مؤكدة أنّ رئيسة الوزراء "لا تختبئ تحت مكتب".
في الفترة الأخيرة، خرجت إلى الواجهة فرضية أن تنحصر المنافسة بين سوناك وموردونت في النهاية.
ويدور السيناريو التالي في الصحافة المحافِظة منذ الصيف، مثل "طائر الفينيق"، سيعود رئيس الحكومة السابق بوريس جونسون أو "بوجو" ويفرض نفسه كملاذ واضح.
وبطل "بريكست" الذي حقّق انتصارا انتخابيا قويا في نهاية العام 2019، منح المحافظين غالبية غير مسبوقة منذ مارغريت تاتشر في ثمانينات القرن الماضي ولكنه يواجه الآن الكثير من العراقيل.
ويتمثّل أحد هذه العراقيل في أنّ رحيله الذي أُجبر عليه بسبب سلسلة من الفضائح التي طالته، لم يحدث منذ فترة بعيدة، ما يحمله جزءا من المسؤولية عن الكارثة الحالية.
ويبقى من المنتظر معرفة ما إذا كان جونسون البالغ 58 عاماً سيكون مستعدا لاستعادة قيادة الحزب قبل عامين من الانتخابات التشريعية، في الوقت الذي تُظهر فيه استطلاعات الرأي انتصارا ساحقا للمعارضة العمّالية.
وظهر بن والاس من بين المفضّلين في الحملة الأخيرة للوصول إلى رئاسة حزب المحافظين. كما أنّ وزير الدفاع الذي اختار عدم الترشّح من أجل تكريس وقته لأمن المملكة المتحدة، رأى اسمه يعود إلى الواجهة في الأيام الأخيرة ليكون شخصية محتملة تمثِّل وحدة الحزب، غير أنّ بن والاس الذي يبلغ 52 عاما يبدو أنه استبعد هذا السيناريو عندما أكد الثلاثاء لصحيفة "ذي تايمز" أنه يريد البقاء في المجال الدفاعي.