خطط قطر للتوسع في إنتاج الغاز الطبيعي تثير مخاوف منافسين عالميين

خبراء السوق يقولون إن التوسع الذي تخطط له قطر في إنتاج الغاز الطبيعي المسال يمكن أن يجعلها تسيطر على حصة 25 بالمئة تقريبا من السوق العالمية بحلول عام 2030.

لندن - تخطط قطر، التي تعدّ من أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، لزيادة إنتاجها، في وقت تطمح فيه إلى الاستحواذ على ربع السوق العالمية خلال السنوات القليلة المقبلة، من خلال توسيع استثماراتها والدخول في شراكات جديدة لدفع عجلة البحث والتنقيب.

وتعتمد الدوحة على الغاز الطبيعي الذي ازدادت الحاجة إليه عالميا على ضوء الاضطرابات الجيوسياسية التي هزت العالم في العامين الماضيين مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022 والتي أدت تداعياتها إلى اضطرابات في إمدادات العالم من النفط والغاز خاصة مع اعتماد الغرب على استيراد معظم احتياجاته من روسيا.

ويتوقع خبراء السوق أن يتيح التوسع الذي تخطط له قطر في إنتاج الغاز الطبيعي المسال السيطرة على حصة 25 بالمئة تقريبا من السوق العالمية بحلول عام 2030 وبذلك تضغط على المشروعات المنافسة بما في ذلك في الولايات المتحدة حيث أوقف الرئيس الأميركي جو بايدن موافقات التصدير الجديدة.

وقال سعد الكعبي الرئيس التنفيذي لشركة قطر للطاقة الأحد إنه لا يزال يعتقد أن هناك فرصة كبيرة لأن يصبح الغاز جزءا من مزيج الطاقة في المستقبل، مضيفا "لا نزال نعتقد بوجود مستقبل كبير للغاز لمدة 50 عاما على الأقل وكلما تمكنا من القيام بالمزيد من الناحية الفنية، سنفعل... نرى أن أوروبا ستحتاج إلى الغاز لفترة طويلة جدا جدا، لكن النمو في آسيا سيكون بالتأكيد أكبر منه في أوروبا مدفوعا بشكل أساسي بالنمو السكاني".

وتسعى قطر إلى الرفع في إنتاجها بنسبة 85 بالمئة من الإنتاج الحالي لحقلها الشمالي البالغ 77 مليون طن متري سنويا لتصل إلى 142 مليون طن متري سنويا بحلول عام 2030 من 126 مليون طن متري سنويا كانت متوقعة في السابق.

وأكد خبراء أن هذه الخطوة سيكون لها تأثير على المشروعات العالمية في الولايات المتحدة وشرق أفريقيا وأماكن أخرى، الأمر الذي يتطلب تمويلا إلى جانب التزام عملاء المدى الطويل باتخاذ قرار الاستثمار النهائي نظرا لتميز الدوحة باعتبارها المنتج الأقل تكلفة في العالم.

وقال إيرا جوزيف كبير الباحثين في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا "أدرك القطريون أنهم يجب أن يكونوا قادرين على تقديم الأسعار الأكثر تنافسية إلى حد كبير. لديهم الاحتياطيات والتكاليف الأقل لبناء القدرات الإضافية والعلاقات مع الشركات الهندسية والعملاء الحاليين، فلماذا يتوقفون عند هذا الحد؟".

وتابع "هذا يشير إلى أنهم إما يعززون استغلال هذا أو يخسرونه. إذا كنت المنتج الأقل تكلفة في العالم، فلماذا لا تضرب بقوة وتُبعد أي منافسة تتطلب عملاء على المدى الطويل وتمويلا".

وقال فريزر كارسون كبير محللي الأبحاث العالمية للغاز الطبيعي المسال في شركة وود ماكنزي إن توقيت الإعلان القطري جاء "من حسن الحظ"، مع تعطل المنافسين الرئيسيين الآخرين في قطاع الغاز الطبيعي المسال في ضوء تعليق إدارة بايدن لموافقات تصدير الغاز الطبيعي المسال الأميركي وفرض عقوبات على الغاز الطبيعي المسال الروسي واستمرار الاضطرابات الداخلية في موزمبيق.

واشتدت المنافسة بين قطر والولايات المتحدة بعد قرار أوروبا بالتوقف التدريجي عن الاعتماد على خط أنابيب الغاز الروسي بعد غزو موسكو لأوكرانيا، إذ برز موردو الغاز الأميركيون لسد الفراغ الناتج عن ذلك في العرض وأثبتوا أنفسهم كأكبر مصدرين للغاز الطبيعي المسال في العالم في عام 2023، متجاوزين قطر على الرغم من مساهمة الدوحة في سد هذا الفراغ أيضا.

وينتظر أن تتضاعف سعة إنتاج الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال تقريبا خلال السنوات الأربع المقبلة، لكن القرار بإيقاف الموافقات مؤقتا على طلبات إنشاء محطات جديدة لتصدير الغاز الطبيعي المسال والذي يتعلق بالمراجعات البيئية، أدى إلى تحذيرات من مستوردي الغاز من أن هذه الخطوة ستضر بأمن الطاقة المستقبلي على مستوى العالم.

وقال كوشال راميش نائب رئيس أبحاث الغاز الطبيعي المسال في ريستاد إنرجي "الإشارة التي يجب على المشروعات الأميركية أن تستوعبها من هذا هي أنه إذا لم تمض قدما، فإن غيرها سيفعل".

"أدرك القطريون أنهم يجب أن يكونوا قادرين على تقديم الأسعار الأكثر تنافسية إلى حد كبير. لديهم الاحتياطيات والتكاليف الأقل لبناء القدرات الإضافية والعلاقات مع الشركات الهندسية والعملاء الحاليين، فلماذا يتوقفون عند هذا الحد؟".

وأكد أليكس فرولي كبير محللي بيانات الغاز الطبيعي المسال في شركة آي.سي.آي.إس أن التوسع الجديد من المتوقع أن يؤدي إلى فترة تشهد أسعارا أكثر استقرار وانخفاضا تمتد لبقية العقد وأن يشجع على زيادة إقبال المشترين الآسيويين على الغاز الطبيعي المسال.

وقال راميش "توفير 16 مليون طن سنويا من المنتج منخفض التكلفة أمر إيجابي بالنسبة لآسيا، وهو تحديدا ما تحتاجه سوق الغاز الطبيعي المسال لضمان مستقبل طويل الأجل في سوق آسيا الناشئة".

ومن المنتظر نمو سوق الغاز العالمية إلى ما بين 580 و600 مليون طن سنويا بحلول عام 2030، من 400 مليون طن سنويا حاليا، مدعومة في المقاوم الأول بالطلب الآسيوي. ومن المتوقع أن تسيطر قطر على 24 إلى 25 بالمئة من هذه السوق بحلول ذلك الوقت.

وقال هنينغ غلويستاين مدير الطاقة والموارد في أوراسيا غروب "تتمتع قطر بموقع جغرافي جيد يمكنها من تلبية الطلب المرتفع الحالي في شمال شرق آسيا في الصين واليابان وكوريا والطلب المستقبلي في منطقة النمو الحقيقي الوحيدة المتمثلة في جنوب آسيا وخاصة في الهند".

وقال فرولي إنه بالرغم من المخاوف بشأن التأثير الإضافي لانبعاثات الكربون الناتجة عن الإنتاج العالمي الجديد للغاز الطبيعي المسال، يرى آخرون أنه لا يزال هناك احتمال كبير أن يعمل الغاز على تقليل الانبعاثات بأن يحل مكان الفحم والنفط.

وأضاف نقلا عن أرقام وكالة الطاقة الدولية "على الرغم من كونها أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم العام الماضي، فإن نصيب الغاز في مزيج الطاقة الإجمالي في الصين لا يتجاوز ثمانية بالمئة تقريبا مقابل 61 بالمئة للفحم و18 بالمئة للنفط، على سبيل المثال".

واضطلعت أكبر شركات الطاقة في العالم بما في ذلك إكسون موبيل وشل وتوتال إنرجيز وكونوكو فيليبس بدور محوري في صناعة الغاز الطبيعي المسال في قطر لعقود من الزمن.

وتملك جميع هذه الشركات حصصا في مرافق الإنتاج القائمة، كما استحوذت في السنوات الماضية على حصص في مراحل التوسع الجديدة إذ قدمت أموالا مقابل الحصول على كميات من الغاز الطبيعي المسال.

ومع أن العقود الجديدة ليست مربحة مثلما كانت في الماضي، وفقا لمصادر في القطاع، فإنها توفر للشركات موطئ قدم مهما في صناعة الغاز الطبيعي المسال والتي تتوقع المصادر أن تستمر في النمو في العقود المقبلة مع تحول الاقتصادات من الفحم إلى الغاز الطبيعي الأقل تلويثا.

ويتوقع أحد المصادر أن تسعى شركة 'وودسايد' الأسترالية التي صار مشروعها في مدينة ليك تشارلز الأميركية، مهددا بسبب قرار بايدن وقف الموافقات إلى أن تصبح شريكا لقطر نظرا لأنها أوقفت في الآونة الأخيرة خططا لشراكة بقيمة 52 مليار دولار مع منافسها الأصغر سانتوس.

ويتوقع خبراء في القطاع أن تواصل قطر البحث عن الشراكات مع أطراف عالميين نظرا لأن لديها الكثير من كميات الغاز الطبيعي المسال للبيع.