خطوات فرنسية عربية للدفع نحو حل الدولتين

باريس تستضيف اجتماعا رفيع المستوى يجمع وزراء خارجية السعودية والأردن ومصر وفرنسا تمهيدا للتحضير لمؤتمر دولي مرتقب في نيويورك يتناول حل الدولتين.

باريس - تستضيف العاصمة الفرنسية باريس، الجمعة، اجتماعا رفيع المستوى يجمع وزراء خارجية السعودية والأردن ومصر وفرنسا، للتحضير لمؤتمر دولي مرتقب في نيويورك خلال يونيو/حزيران المقبل، يهدف لإعادة الزخم إلى حل الدولتين في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
الاجتماع، الذي يعقد بعيداً عن الإعلام ومن دون مؤتمر صحافي، يحمل في طياته إشارات قوية على تصاعد الضغوط الدولية على الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، في وقت تتخذ فيه فرنسا مواقف أكثر جرأة في دعم الحقوق الفلسطينية. فقد أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو هذا الأسبوع، أن بلاده "عازمة على الاعتراف بدولة فلسطين"، في خطوة غير مسبوقة من باريس، ويتوقع أن تثير توتراً متزايداً في علاقاتها مع الحكومة الإسرائيلية اليمينية.
البيان الفرنسي لم يأت بمعزل عن التوجهات الدولية المتنامية الداعية إلى إحياء حل الدولتين، بل يأتي في سياق قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2024، بدعوة إلى مفاوضات جادة بشأن عملية السلام، وتكليف كل من فرنسا والسعودية برئاسة مؤتمر نيويورك الدولي المقرر عقده بين 17 و20 يونيو/حزيران المقبل.
في هذا السياق، يشير مراقبون إلى أن فرنسا، بحكم عضويتها الدائمة في مجلس الأمن وعلاقتها التقليدية الوثيقة بإسرائيل، تمثل ثقلاً دبلوماسياً حين تتحرك بهذا الاتجاه، وهو ما يشكل ضغطاً سياسياً مباشراً على حكومة نتنياهو. وقد ازدادت العلاقات توتراً بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونتنياهو خلال الأشهر الماضية، لا سيما في ظل الانتقادات الأوروبية الواسعة للسياسات الإسرائيلية في غزة الضفة الغربية والقدس.
ويبدو أن إعلان الاعتراف الفرنسي المرتقب بالدولة الفلسطينية، إلى جانب مؤتمر نيويورك، يعكس تحولا نوعياً في الموقف الأوروبي، بما قد يشكل فرصة استراتيجية أمام الفلسطينيين والعرب لإعادة تدويل قضيتهم، وسط انشغال عالمي بملفات دولية أخرى.
الموقف الفرنسي يرافقه موقف عربي متماسك تقوده السعودية، التي وعلى الرغم من انخراطها في مشاورات تطبيع سابقة مع إسرائيل، لا تزال ترفض تقديم أي خطوة تطبيعية في ظل غياب حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية. ويعزز هذا التوجه الحضور العربي في اجتماع باريس، في لحظة قد تكون مفصلية في سياق الصراع الطويل.
ويشير المتحدث باسم الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان إلى أن "الاعتراف المتبادل بين الدول أمر بالغ الأهمية"، معتبراً أن الاعتراف بدولة فلسطين خطوة ضرورية لإعطاء مصداقية لأي حديث عن حل الدولتين، الذي تحوّل لسنوات إلى شعار سياسي أكثر منه خطة قابلة للتطبيق.
ورغم الدعم الدولي، تبقى العقبة الكبرى في استمرار تعنت حكومة نتنياهو ورفضها لأي مسار سياسي يقود إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة. لكن الضغوط المتزايدة، أوروبياً ودولياً، إضافة إلى تنامي التضامن الشعبي العالمي مع الفلسطينيين، قد تخلق نافذة جديدة، ولو ضيقة، لتحريك المياه الراكدة في هذا الملف المعقد.
وفي المحصلة، قد يكون اجتماع باريس نقطة انطلاق دبلوماسية جديدة، تعيد للقضية الفلسطينية مركزيتها، وتمارس ضغطاً ملموساً على إسرائيل، في ظل اصطفاف عربي-أوروبي نادر حول ضرورة تفعيل حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد نحو سلام عادل ومستدام.