داعش يعيد تنشيط مقاتليه في العراق وسوريا مع تكثيف التجنيد والدعاية

ضغط داعش يأتي في وقت حساس للشرع، إذ يحاول توحيد بلد متعدد الطوائف ووضع جماعات المعارضة المسلحة السابقة تحت سيطرة الحكومة.

دمشق – حذر زعماء في منطقة الشرق الأوسط وحلفاء غربيون من احتمال استغلال تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" لسقوط نظام بشار الأسد للعودة إلى سوريا والعراق، حيث فرض التنظيم المتطرف ذات يوم سطوته بالإرهاب على الملايين.

ويرى أكثر من 20 مصدرا من بينهم مسؤولون أمنيون وسياسيون من سوريا والعراق والولايات المتحدة وأوروبا ودبلوماسيون في المنطقة، أن هذا هو تحديدا ما يسعى التنظيم المتطرف إلى تحقيقه.

وتقول المصادر إن التنظيم بدأ في إعادة تنشيط مقاتليه في البلدين وبدأ أيضا في تحديد أهداف محتملة وتوزيع أسلحة وتكثيف جهود التجنيد والدعاية.

وتبدو نتائج هذه المساعي محدودة حتى الآن. وقالت عناصر أمن في سوريا والعراق تراقب تنظيم الدولة الإسلامية منذ سنوات إنهم أحبطوا ما لا يقل عن 12 مخططا كبيرا هذا العام.

وقال خمسة من مسؤولي مكافحة الإرهاب في العراق لرويترز إن قيادات بتنظيم داعش متحصنين قرب الرقة، حيث كانت عاصمة "الخلافة" التي أعلنها التنظيم سابقا، أرسلت مبعوثين للعراق بالتزامن مع التقدم الذي أحرزته قوات من المعارضة المسلحة في دمشق.

وأضافوا أن المبعوثين حملا تعليمات شفهية لأتباع التنظيم بشن هجمات، لكن تم القبض عليهما عند نقطة تفتيش لدى تنقلهما في شمال العراق في الثاني من ديسمبر/كانون الأول.

وبعد مرور 11 يوما على ذلك، تمكنت قوات الأمن العراقية، بناء على معلومات حصلت عليها من المبعوثين، من تعقب من يشتبه في أنه انتحاري من داعش كان متجها إلى مطعم مكتظ في بلدة داقوق بشمال البلاد عبر تتبع هاتفه المحمول. وقال المسؤولون إن القوات أطلقت النار على الرجل وأردته قتيلا قبل أن يتمكن من تفجير حزام ناسف.

عمليات المخابرات العراقية أصبحت أكثر دقة من خلال استخدام الطائرات المسيرة وغيرها من التقنيات

وذكر العقيد عبد الأمير البياتي من الفرقة الثامنة بالجيش العراقي والمنتشرة في المنطقة أن الهجوم الذي تم إحباطه أكد شكوك العراق بشأن التنظيم. وقال "بدأت عناصر تنظيم داعش أو ما يسمى الدولة الإسلامية في إعادة تفعيل نشاطهم بعد سنوات من الخمول، مستغلين الفوضى في سوريا".

ومع ذلك، انخفض عدد الهجمات التي يتبناها التنظيم منذ سقوط الأسد. ووفقا لبيانات مجموعة (سايت إنتيليغنس) المعنية بمراقبة نشاط المتشددين عبر الإنترنت، أعلن داعش مسؤوليته عن 38 هجوما في سوريا خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025، مما يجعل من المتوقع أن يعلن عن إجمالي يزيد قليلا على 90 هجوما هذا العام.
وتشير البيانات إلى أن هذا سيشكل نحو ثلث عدد الهجمات التي أعلن التنظيم مسؤوليته عنها العام الماضي.

وفي العراق، حيث نشأ تنظيم داعش، أعلن التنظيم مسؤوليته عن أربع هجمات في الأشهر الخمسة الأولى من 2025، مقابل 61 هجوما في الإجمال في العام الماضي.

ويقود أحمد الشرع ذو التوجه الإسلامي، سوريا حاليا في منصب الرئيس في المرحلة الانتقالية، وقال وزير الدفاع مرهف أبو قصرة في يناير/كانون الثاني إن الدولة تطور جهودها في جمع معلومات المخابرات وإن أجهزتها الأمنية ستتصدى لأي تهديد.

وأفاد مسؤول دفاعي أميركي ومتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي إن قدرات فلول تنظيم داعش ضعفت إلى حد كبير، إذ لم يتمكنوا من السيطرة على مناطق منذ أن طردهم تحالف قادته الولايات المتحدة وشركاء محليون من آخر معاقلهم في 2019.

بدوره، صرح صباح النعمان المتحدث باسم الجيش العراقي إن العمليات الاستباقية هي التي أدت إلى إبقاء التنظيم تحت السيطرة.

وبعد سقوط الأسد، استهدف التحالف وشركاؤه مخابئ المتشددين بغارات جوية ومداهمات. وأوضح النعمان أن هذه العمليات أسفرت عن اعتقال أو قتل "عناصر إرهابية" ومنعتهم من إعادة تنظيم صفوفهم وتنفيذ عمليات.

وأضاف أن عمليات المخابرات العراقية أصبحت أكثر دقة من خلال استخدام الطائرات المسيرة وغيرها من التقنيات.

وفي أوج قوته في الفترة من 2014 إلى 2017، سيطر التنظيم على ما يقرب من ثلث سوريا والعراق، حيث فرض تفسيره المتطرف للشريعة الإسلامية وعرف عنه ارتكاب أعمال عنف وحشية لدرجة صادمة.

ولم يشر أي من المسؤولين إلى خطر من تكرار ذلك. لكنهم حذروا من مغبة استبعاد التنظيم من الحسابات قائلين إنه أثبت أنه عدو لديه مرونة ويمكنه استغلال أي فراغ أمني ببراعة.

ويشعر بعض المسؤولين في المنطقة وفي أوروبا بالقلق من احتمال سفر مقاتلين أجانب إلى سوريا للانضمام إلى جماعات متطرفة.

وقال مسؤولان أوروبيان إن أجهزة المخابرات رصدت للمرة الأولى منذ سنوات وصول عدد محدود ممن يشتبه في أنهم من المقاتلين الأجانب من أوروبا إلى سوريا في الأشهر القليلة الماضية. إلا أنهما لم يتمكنا من تحديد ما إذا كان تنظيم داعش أو جماعة أخرى هي التي جندتهم.

ويأتي ضغط داعش في وقت حساس للشرع، إذ يحاول توحيد بلد متعدد الطوائف ووضع جماعات المعارضة المسلحة السابقة تحت سيطرة الحكومة بعد حرب أهلية استمرت 13 عاما.

احتمال الانسحاب الأميركي زاد من القلق بين الحلفاء من احتمال توصل داعش إلى طريقة لتحرير حوالي تسعة آلاف مقاتل وأفراد أسرهم

واعتبر قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب المفاجئ الشهر الماضي برفع العقوبات عن سوريا انتصارا للزعيم السوري الذي قاد في السابق فرعا من تنظيم القاعدة حارب تنظيم الدولة الإسلامية لسنوات.

لكن بعض المتشددين الإسلاميين انتقدوا جهود الشرع لكسب ود حكومات غربية، وعبروا عن قلقهم من أنه قد يرضخ لمطالب الولايات المتحدة بطرد المقاتلين الأجانب وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

واستغل تنظيم داعش هذه الانقسامات، وندد بالاجتماع مع ترامب في عدد حديث من نشرته الإخبارية الإلكترونية التي تحمل اسم "النبأ"، ودعا المقاتلين الأجانب في سوريا إلى الانضمام إلى صفوفه.

وفي اجتماع في 14 مايو/أيار في السعودية، طلب ترامب من الشرع الإسهام في منع عودة ظهور تنظيم داعش في وقت بدأت فيه الولايات المتحدة في عمليات دمج لقواتها في سوريا تقول إنها قد تقلص وجودها العسكري البالغ قوامه حوالي ألفي جندي إلى النصف هذا العام.

وزاد احتمال الانسحاب الأميركي من القلق بين الحلفاء من احتمال توصل داعش إلى طريقة لتحرير حوالي تسعة آلاف مقاتل وأفراد أسرهم، ومن بينهم أجانب، محتجزين في سجون ومعسكرات تحرسها قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها أكراد ومدعومة من الولايات المتحدة.

وقالت قوات سوريا الديمقراطية إن محاولتين على الأقل للهروب من السجن وقعتا منذ سقوط الأسد.

ويريد ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن تتولى الحكومة السورية مسؤولية هذه السجون والمعسكرات. وينظر أردوغان إلى الجماعات الكردية الرئيسية على أنها تهديد لبلاده. لكن بعض المحللين في المنطقة يتشككون في امتلاك دمشق للقوة البشرية اللازمة لذلك.

وتواجه السلطات السورية صعوبات في التصدي لهجمات يشنها من يشتبه في موالاتهم للأسد كما تعاني من اندلاع عنف طائفي سقط فيه قتلى ومن غارات جوية إسرائيلية ومن اشتباكات تنشب بين جماعات مدعومة من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على حوالي ربع البلاد.

وقال تشارلز ليستر الذي يرأس برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط وهو مؤسسة بحثية أميركية "الحكومة المؤقتة منهكة من الناحية الأمنية. ليست لديهم القوة البشرية الكافية لتعزيز السيطرة على كامل البلاد".

وردا على طلب للحصول على تعليق، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمبركية إن من الضروري أن تستعيد الدول مواطنيها المحتجزين من سوريا وتتحمل جزءا أكبر من عبء تأمين المعسكرات وتكاليف تشغيلها.

وقال مسؤول الدفاع الأميركي إن واشنطن لا تزال ملتزمة بمنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية ولا يزال شركاؤها السوريون الموثوقون موجودين في الميدان. وأضاف المسؤول أن الولايات المتحدة "ستراقب بيقظة" حكومة الشرع التي "تقول وتفعل الصواب" حتى الآن.

وبعد ثلاثة أيام من اجتماع ترامب مع الشرع، أعلنت سوريا أنها داهمت مخابئ لتنظيم داعش في حلب، ثاني أكبر مدن البلاد، وقتلت ثلاثة مسلحين واعتقلت أربعة وضبطت أسلحة وأزياء عسكرية.

وقال مسؤول دفاعي أميركي آخر ومسؤولان سوريان إن الولايات المتحدة تتبادل معلومات مخابرات مع دمشق في حالات محدودة.

ومن المتوقع أن ينهي التحالف عملياته في العراق بحلول سبتمبر/أيلول. لكن المسؤول الأميركي الثاني قال إن بغداد أبدت سرا اهتمامها بإبطاء انسحاب حوالي 2500 جندي أميركي من العراق عندما أصبح من الواضح أن الأسد سيسقط.

وتقدر الأمم المتحدة أن تنظيم الدولة الإسلامية لديه ما بين 1500 و3000 مقاتل في البلدين. لكن بيانات موقع سايت تظهر أن أنشط فروعه موجودة في أفريقيا.

وقال مسؤول دفاعي كبير للصحافيين في أبريل/نيسان إن الجيش الأميركي يعتقد أن الزعيم السري للجماعة هو عبد القادر مؤمن الذي يتزعم ذراع التنظيم في الصومال.

وحذرت ريتا كاتز مديرة موقع سايت من مغبة اعتبار تراجع هجمات التنظيم في سوريا علامة ضعف. وقالت "المرجح هو أنه دخل مرحلة إعادة صياغة استراتيجيته".

وقالت ثلاثة مصادر أمنية وثلاثة مسؤولين سياسيين في سوريا إن تنظيم داعش يعمل على تنشيط خلايا نائمة ومراقبة أهداف محتملة وتوزيع أسلحة وكواتم صوت ومتفجرات منذ سقوط الأسد.

وأشارت المصادر الأمنية إلى أن التنظيم نقل أيضا مقاتلين من صحراء سوريا، التي كانت محل تركيز الضربات الجوية للتحالف، إلى مدن منها حلب وحمص ودمشق.

وقال وزير الداخلية السوري أنس خطاب لقناة الإخبارية التلفزيونية الرسمية الأسبوع الماضي "تنظيم داعش من أخطر التحديات الأمنية التي نواجهها اليوم".

وفي العراق، قال علي الساعدي، وهو مستشار لقوات الأمن العراقية، إن عمليات الاستطلاع الجوي ومصادر المخابرات على الأرض رصدت نشاطا متزايدا لتنظيم داعش في تلال حمرين شمال البلاد، التي شكلت ملاذا منذ فترة طويلة، وعلى طول طرق رئيسية.

ويعتقد مسؤولون عراقيون أن التنظيم استولى على كميات كبيرة من الأسلحة التي تركتها قوات الأسد، ويخشون تهريب بعضها إلى العراق. وقال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إن بغداد على اتصال مع دمشق بشأن التنظيم. وصرح الوزير في يناير/كانون الثاني إن التنظيم ينمو وينتشر في المزيد من المناطق. وأضاف "نأمل أن تكون سوريا مستقرة في المقام الأول، وألا تكون مكانا للإرهابيين… خاصة إرهابيي تنظيم داعش".